مداخلات الحوثيين المشاركين في مؤتمر الحوار الوطني المتعصبة لإنفصال الجنوب أكثر من الجنوبيين أنفسهم تكشف عن الحرص الشديد من إيران لإيجاد منطقة نفوذ جديدة تقوي موقفها في الصراع الذي تخوضه مع المجتمع الدولي. إذ لا توجد منطقة في الشرق الأوسط ذات أهمية جيوسياسية تلبي الهدف الذي تسعى إيران إلى تحقيقه مثلما هو عليه الحال في عدن والمحافظات الجنوبية المطلة على أهم المنافذ البحرية والقريبة من خطوط التجارة الدولية. وإذا ماقرأنا توجه الفاعل الأول والمحرك الرئيس لتأجيج مطالب الإنفصال ، والمتمثل في شخص علي سالم البيض، لوجدناه إيرانياً بحتاً ، خصوصاً أن هذا الديناصور "البيض" طالما لعب دور الأداة التي تتحرك عن بعد لتحقيق أهداف القوة التي توجهه، دونما حساب لتبعات هذا الدور أو تلك المواقف على أيناء شعبه. والقارئ للسياسة التي اختطها جناح البيض على مستوى الواقع ، والقمع والعنف والإرهاب وتكميم الأفواه وغيرها من الممارسات الشمولية التي اتبعوها، سيدرك حقيقة أن صانع هذه السياسة والمحرك لها لا يرجو خيرا للجنوب ولا لأبناء الجنوب. ذلك كون الصورة الأولية للمشهد الجنوبي تحت سيطرة جناح البيض تعكس حقيقة ماسيكون عليه الحال فيما لو تحقق لهم مطلب الإنفصال. ففي الوقت الذي أدركت فيه الشعوب العربية حجم المأساة التي تعيشها في ظل أنظمة القمع والإستبداد ، ومن ثم ثارت عليها ، لا يأبه البيض لمغبة سعيه الحثيث - تنفيذاً للأجندة التي تتحكم به- لإحياء نظام أكثر قمعاً وأكثر استبداداً وأكثر شمولية . وهذا ما لن يتمكن الناس من تقبله أو العيش في ظله. مع أنني أؤمن أنه في حال كان خيار الانفصال أو تقرير المصير من ضمن ماسيخرج به مؤتمر الحوار الوطني فلا مبرر لأحد حينها أن يقف ضده، إلا أن ذلك لا يمنع من التركيز على ما وراء المساندة المبالغ فيها من الحوثيين لمطلب الأنفصال ، لأنه وفي ظل حكم تيار شمولي ستكون الطريق سالكة أمام إيران للوصول إلى ماتريد. ولن يكون لأبناء الجنوب في هذه الحالة أي فائدة تذكر ، فضلاً عن أنهم لن يسلموا القمع والإستبداد ومصادرة الحريات في ظل عالم يركض بأقصى ما يملك من إمكانات وجهود نحو الانعتاق والتحرر وصون الحقوق.