بكل مساوئ وطغيان وعربدة هذا الرجل إلا أنني أجد نفسي مصدقاً له حين يقول: "أنا أكثر واحد مظلوم في تهامة". أعيد قراءة كلام شعيب الفاشق رجل تهامة العتيد، على طريقة إبراهيم الكوني حين يقف مذهولاً في محاولة تفسير حزن رجل الصحراء العنيف على جمله "الأبلق" في رواية الكوني الرائعة "التبر".. في لحظة خاطفة لا علاقة لها بالقسوة وصحبة الليل يتوحد ابن الصحراء الجلف مع إنسانيته، ويبكي طويلاً على رفيق الرمل والليل؛ الجمل "الأبلق"، وفي لحظة مماثلة يصحو "الفاشق" ويتذكر أنه مظلوم في عهد صديقه وراعي مظالمه علي صالح، ربما هي المرة الأولى في حياته التي ينطق فيها: "أنا مظلوم".. وددت لو أن لي مختبرات أمريكا لأفحص لعاب تلك اللحظة، هل كان فيه "مرارة الظلم" أم أن المرارة معنوية، وددت لو أن فريقاً من علماء النفس يشاهدون "الفاشق" حين يتذكر ظلم رجال "المركز المقدس" الذين نهبوا تهامة برعايته، هل ارتعشت عضلات وجهه كلها، أم جزء منها، في أي اتجاه دارت عيناه أثناء الحديث، هل كان صادقاً، أم بارعاً في التحول والمراوغة؟! شخصياً أظنه كان صادقاً تماما، ولن أختتم الجملة بعلامة تعجب، فالرجل في لحظة من ضمير قال في 2008 للصحافة: "لو أطعت الله مثلما أطعت علي عبدالله صالح لدخلت الجنة"، ولم تقده طاعة صالح إلا إلى ظلم الناس، وغضب الله. لن أمارس دور الواعظ، وأقول للفاشق: ماذا لو داهمك الموت وأنت في غمرة الطاعة لصالح، متلذذاً بتعذيب ذوي القربى، وما شروط التوبة الآن، هل سترجع للناس مظالمهم، وتطلب السماح منهم. وحتى في لحظة الطاعة العمياء كان "الفاشق" مظلوماً أيضاً: "في عهد علي عبدالله صالح ما في أحد مظلوم مثلي"، ولا أظنه يقول ذلك بحثاً عن دورٍ جديد في نظام جديد، فالرجل لا يتقاضى رواتب وامتيازات كمشائخ "المركز المقدس" الذين يحلبون خزينة الدولة، ويتقاضون رواتب غير شرعية منها، ويقدمون أنفسهم بأكثر من وجه: ثائرين، ومناضلين، ورجال دولة، وقطاع طرق، يعقدون صلحاً مع السلطة، ويبحثون عن ملايين ضخمة فدية للخاطفين، أو لإرضاء الغاضبين، "الفاشق" وكل مشائخ الحديدة من المنفيين من قائمة "مصلحة شئون القبائل" لأنهم من تهامة، لا قدرة لهم على احتراف الاحتيال، وتعدد الألقاب. و"الفاشق" وهو سليل أسرة مشائخ، وملاك كبار، عرفهم التاريخ باسم "الزرانيق" تعامل معه نظام صالح بوصفه حامي أملاك "مشائخ المركز المقدس"، لا أكثر، وحين حاول الوقوف بشخصية رجل مسئول عن أملاك رجال قبيلته، واجهه "صالح" بقوات الأمن المركزي، وقتل الكثير من منهم. في خمسينيات القرن الماضي، نفذ الإمام أحمد ضد قبيلة "الزرانيق" واحدة من أبشع المجازر الإنسانية في تاريخ اليمن، ونهب أرضهم، ووزع أملاكهم بين الناس، وأكملت الجمهورية المشوار، وما بقي تقاسمه الوريث الشرعي "شعيب الفاشق" ومشائخ "المركز"، ولعل الرجل الآن يشعر بصحوة من ضمير، أراد بها التهاميون استرداد مظالمهم، خاصة بعد أن وجدوا الدولة تسعى بكل ما فيها لمراضاة أبناء الجنوب، والاستعداد لتقديم كل ما يريدونه مقابل التوقف عن دعوات الانفصال. ولا أظن أحداً ظلم كأبناء التهائم، ولذا أجدني أشد على أيدي رجال الحراك التهامي السلمي، لاسترداد حقوقهم، بما فيهم الظالم المظلوم "شعيب الفاشق" الذي قال إن: "أراضي أجدادي في الجروبة نهبها علي صالح والرويشان والحكومة". عن صحيفة الناس