لا أقرأ في أحداث الحراكين الجنوبي والتهامي مقدمات لتفكك البلاد، بل مشاهد لتصحيح الأخطاء التي سكت الناس عنها لسنوات طويلة، وما لم يحدث هذا الحراك الحيوي والصحي لبقيت البلاد تحت وطأة الفساد والظلم وطغيان النافذين، وسيشعر “الطغاة” أن الثورة التي اسقطت صالح ونظامه، لم تتمكن من نزع قبضتهم، وسيجد المواطن نفسه يبتلع خيبة أمل كبيرة في مخرجات الثورة. وربما وجد أبناء تهامة أنفسهم في آخر قائمة اهتمامات الدولة، وفي صدارة اهتمام النافذين والباسطين على أراضي وحقوق وممتلكات الناس، ووجدوا أيضاً أن للنافذين سلطة وسلطاناً، وهم ثلة سوء كانت ممارساتهم سبباً في اشتعال الحراك الجنوبي، وتنفير المستثمرين، وحرمان اليمن من كل مشروع تنموي. قبل فترة قصيرة نشرت الصحافة المحلية لقاءً مع رجل تهامة الشهير “شعيب الفاشق” الشيخ القبلي الذي جثم على أنفاس الناس لسنوات طويلة، وبكل مساوئ وطغيان هذا الرجل وجدت نفسي مصدقاً له حين يقول: “أنا أكثر واحد مظلوم في تهامة!”. أعيد قراءة كلام شعيب الفاشق، على طريقة إبراهيم الكوني حين يقف مذهولاً في محاولة تفسير حزن رجل الصحراء العنيف على جمله “الأبلق” في رواية الكوني الرائعة “التبر”.. في لحظة خاطفة لا علاقة لها بالقسوة وصحبة الليل ،يتوحد ابن الصحراء الجلف مع إنسانيته، ويبكي طويلاً على رفيق الرمل والليل؛ الجمل “الأبلق”، وفي لحظة مماثلة يصحو “الفاشق” ويتذكر أنه مظلوم في عهد صديقه وراعي مظالمه علي عبدالله صالح، ربما هي المرة الأولى في حياته التي ينطق فيها: “أنا مظلوم”.. وددت لو أن لي مختبرات أمريكا لأفحص لعاب تلك اللحظة، هل كان فيه “مرارة الظلم” أم أن المرارة معنوية، وددت لو أن فريقاً من علماء النفس يشاهدونه حين يتذكر ظلم رجال “المركز المقدس” الذين نهبوا تهامة برعايته، هل ارتعشت عضلات وجهه كلها، أم جزء منها، في أي اتجاه دارت عيناه أثناء الحديث، هل كان صادقاً، أم بارعاً في التحول والمراوغة؟!... شخصياً أظنه كان صادقاً تماماً، ولن أختتم الجملة بعلامة تعجب، فالرجل في لحظة من ضمير قال في 2008 للصحافة: “لو أطعت الله مثلما أطعت علي عبدالله لصالح لدخلت الجنة”، ولم تقده طاعة صالح إلا إلى ظلم الناس، وغضب الله. [email protected]