"يبدأ العالم وينتهي داخل الإنسان".. مثل انكليزي برغم كل شيء، يجب الاحتفاء بالجدل القائم حول قرار رفع خيام الاعتصام وإخلاء الساحات من المعتصمين، فلم يعد هناك قرار غير خاضع للمساءلة. كما هو معلوم، لدى المعارضين لرفع الخيام أسباب كافية للتشكيك في جدوى هذه الخطوة، أبرز تلك الأسباب أنه لا يمكن الاطمئنان لمسار العملية السياسية في ظل وجود طبقة سياسية تفتقد للفهم والإحساس بالمسؤولية الوطنية. يقدم هؤلاء حلا سحريا مفاده: "يجب البقاء في الساحات لحين تحقيق جميع أهداف الثورة، وكل شيء عدا هذا الحل هو خيانة للثورة وصفقة على حساب دماء الشهداء". حسناً، لا يمكنني التعليق على مثل هذا الرأي بطريقة مستفزة، لكن ينبغي التأكد أولاً أن مثل هذه المواقف بالنسبة لي: قرار رفع الخيام هو قرار صائب برغم ما قد يُثار بشأنه من أقاويل.. غير مصطنعة. لقد كانت الخيام ضرورية في بدايات الثورة فقد وفرت الأجواء المناسبة للحشد والاعتصام لفترة طويلة، وبالإضافة إلى ذلك لعبت الخيام دوراً أساسياً في خلق الوعي السياسي بأهمية التغيير، وأهمية بناء دولة حقيقية من خلال نقاشات مطولة وبناءة بين المعتصمين أنفسهم، وهو الأمر الذي افتقدته الثورات العربية الأخرى.. لكن ولأسباب موضوعية تحولت مخيمات الاعتصام إلى عبء على الثورة، إذ أصبحت الساحات ساحة للتشاحن الطائفي والمكايدات السياسية. سوف لن أتحدث عما يتردد من أخبار حول تخزين أسلحة في إطار الاستعداد لحرب مذهبية. هناك جانب آخر على قدر كبير من الأهمية في هذه المسألة يتعلق بعدم ثقة بعض الثوار في أنفسهم، فهؤلاء يعتقدون أن الثورة هي الخيمة، وأنه إذا غادر الساحة، فإنه لن يتمكن من العودة إليها في حال دعت الحاجة إلى ذلك. يمكن القول إن التشبث بمخيمات الاعتصام كطريقة وحيدة للفعل الثوري هو نوع من العجز الذي يقف حائلاً في تطوير أدوات الثورة والاعتراض ومقارعة ما تبقى من سياسات النظام. كم كان رائعاً خالد الآنسي وهو يقول إن الإنسان من قام بالثورة وليس الخيمة. لنثق في أنفسنا، يمكننا في المرة المقبلة إذا عاد النظام السابق بكل تفاصيله البشعة ليس الزحف باتجاه القصر وإنما تعليق المشانق. نحن أقوياء للغاية، فقط علينا أن نؤمن بذلك. *صحيفة الناس