يتملك الحاجة "فاطمة حسن" شعور بالمرارة والضيق، وهي تشكو معاناة 25 عاما عاشتها في أكواخ الصفيح التي تفتقر إلى أبسط الخدمات الأساسية، في منطقة دار سلم جنوب العاصمة اليمنيةصنعاء. ويشعر "الأخدام" في اليمن، وهم مجموعات من أصحاب البشرة السمراء في اليمن، بالاضطهاد، ويشكون مرارة العزلة والتمييز الاجتماعي المتوارث من الحكومة والمجتمع. وتقول فاطمة وهي تحرق بعض الأوراق لتغلي بعض الماء :"25 سنة وأنا أسكن في دار سلم على هذا الحال. أين الراحة؟ كل هذا ونحن يمنيون بني يمنيين". ويعيش "الأخدام" في بيوت من الصفيح، وأحيانا في تجمعات سكنية معزولة ساهمت في تعميق عزلتهم عن المجتمع. وترى امرأة أخرى أن المجتمع "ظالم لهم ولحقوقهم"، إذ تقول إن زوجها يعمل بالأجر اليومي في التنظيف ليوفر لقمة عيش لها ولأولاده السبعة في التجمع السكني المبني من الصفيح وبعض الخشب منذ 15 عاما. وتعيش هذه الأسرة في غرفتين صغيرتين تفتقران إلى أبسط الاحتياجات، وتدفع إيجارا يصل إلى 4 آلاف ريال شهريا (18 دولار تقريبا). وتؤكد "فاطمة محنتش" أن شريحة "المهمشين" يعانون الإهمال وعدم الاكتراث بهم حتى في المشافي والمرافق العامة للدولة لأنهم كما قالت "يقولوا لنا أخدام..أخدام". ويقدر عدد "الأخدام" في اليمن بمئات الآلاف، وينتشرون في طول البلاد وعرضها، وهم الفئة الأقل تعليما والأكثر فقرا، وفرض عليهم ممارسة مهن ينظر إليها بازدراء من قبل غالبية السكان مثل تنظيف الشوارع ومجاري المياه وغيرها. ويقول مجاهد محمد عزان، وهو شيخ المهمشين فيما يسمى ب"محوى" دار سلم، إن المهمشين يعانون "التمييز العنصري والاضطهاد الاجتماعي الذي يصل إلى القتل والاغتصاب دون أي عقاب للجناة من قبل السلطات الرسمية". وفسر عزان "الأساطير" التي يرددها سكان مثل أن الأخدام "يأكلون موتاهم" بالقول إن "العزل الاجتماعي لهم عن بقية أبناء المجتمع هو سبب هذا"، إذ يؤكد انهم يدفنون موتاهم بصمت ولا يشاركهم أحد لا في أحزانهم أو أفراحهم. وتتضارب الروايات التاريخية حول أصول "الأخدان" في اليمن، لكن معظمها تعيدهم إلى الأحباش الذين احتلوا البلاد قبل الإسلام. وطاردت لعنة التمييز الطبقي والاجتماعي هذه الطبقة منذ قرون، وفشلت التحولات السياسية والاجتماعية التي شهدتها البلاد من انتشالهم من واقعهم المرير وصهرهم في المجتمع. ويرى الكثيرون أن تحطيم جدار العزلة المفروض على هذه الشريحة منذ زمن طويل ودمجها في المجتمع مرهون بوجود استراتيجية حكومية ووعي مجتمعي بضرورة إنهاء مأساة التمييز والإقصاء ضد أخدام اليمن.