أصبح الرسم على الجدران وفن "الغرافيتي" طريقة جديدة للتعبير عن القضايا الحقوقية والسياسية التي تعيشها اليمن في مرحلة ما بعد الرئيس السابق علي عبدالله صالح. فبعد حملته لتلوين جدران الشوارع التي شوهتها المواجهات العسكرية التي شهدتها صنعاء العام الماضي، أطلق الفنان اليمني مراد سبيع حملة أخرى للتعريف بقضية المختفين قسرا، والمطالبة بالكشف عن مصيرهم من خلال رسم وجوههم في جدران بعض شوارع صنعاء. "الجدران تتذكر وجوههم".. هو عنوان الحملة التي ينفذها الفنان سبيع مع فنانين آخرين، وتشارك في إحيائها كل خميس أسر المختفين قسرا، وذلك من خلال تلوين بعض شوارع العاصمة صنعاء بصور من خرجوا يوما من منازلهم وأعمالهم ولم يعودوا إليها. ويرى سبيع أن قضية المخفيين قسرا، الذين يقدر عددهم بالمئات، قضية حقوقية وإنسانية. وهو اختار فن "الغرافيتي" والرسم بالألوان على الجدران لتذكير المجتمع بالمختفين والتضامن مع أسرهم، ودعمها في مطالبها للسلطات والأطراف السياسية المختلفة بكشف المعلومات عن مصير ذويهم، ومن ثم محاسبة من اختطفهم وأخفاهم. وتعود كثير من حالات الاختفاء القسري إلى السنوات الأولى من حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وأغلب من اختطفوا شخصيات سياسية أو ضباط جيش أو حتى شباب لهم رؤى فكرية معينة. وهناك حالات اختفاء تمت وقت الصراعات السياسية في جنوبي اليمن سابقا، وهو أمر حدث أيضا شمالي البلاد. وتشير منظمات حقوقية إلى أن فترة الاختفاء امتدت إلى وقت الانتفاضة الشعبية التي شهدتها اليمن العام الماضي ضد صالح، وتقول إن العشرات من شباب الثورة اختطفوا أثناء تظاهراتهم أو خروجهم من ساحات الثورة أو من مناطق أخرى، ولا يزال مصيرهم مجهولا. ويسرد أهالي الضحايا الذين يشاركهم وقفتهم الاحتجاجية كل خميس عدد من الناشطين الحقوقيين والسياسيين والصحفيين مآسي كثيرة ومعاناة لم تنته حتى الآن. لكن المعاناة عصرت هذه الأسر فجعلتها أكثر تمسكا بحقها في معرفة مصير ذويها، ومحاسبة من تصفهم بالقتلة والجلادين، ولسان حالها يقول: إن هذه جرائم لا تسقط بالتقادم. وتقول الدكتور أروى عون، وهي شقيقة عبدالعزيز عون الذي اختطف من أمام جامعة صنعاء عام 1977 ولم تعرف أسرته مصيره من ذلك الوقت رغم البحث لدى السلطات عن مصيره: "نريد أن نعرف من المسؤولين.. لماذا تم اختطافه. وإن كان قد مات أين جثته وكيف تم قتله؟.. نريد أن نعرف الحقيقة". وتؤكد عون أثناء مشاركتها في حملة "الجدران تتذكر وجوههم" في شارع الستين أن أهالي ضحايا الاختفاء القسري يتمسكون بحقهم في معرفة الحقيقة ومحاسبة "المجرمين" على الرغم من أن التسوية السياسية التي جرت العام الماضي منحت صالح وأعوانه الحصانة من الملاحقة القضائية مقابل توقيعه على التنحي من السلطة التي استمر فيها 33 عاما. وقالت: "نحن لا نعترف بقانون الحصانة. لا يوجد حصانة لأي قاتل أو مجرم في أي من الشرائع والقوانين الدولية. من حق أهالي الضحايا أن يعرفوا الحقيقة، وأن يقول القضاء كلمته، وبعدها من حق الأسر أن تعفو أو تطالب بتنفيذ أحكام القضاء".