لم تكد تمر ساعات قليلة على تصريحات وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط التي هاجم خلالها إيران بشدة ، إلا وفاجأ رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري الجميع بزيارة تاريخية لطهران في 27 نوفمبر تعتبر الأولى له منذ دخوله المعترك السياسي . ورغم أن زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لبيروت في أكتوبر الماضي كانت دشنت لمرحلة جديدة في العلاقات بين طهران وبيروت ، إلا أن مسارعة الحريري لزيارة إيران في هذا التوقيت تحديدا تحمل دلالات هامة جدا من أبرزها أن هناك استعدادا من قبل فريق 14 آذار للقبول بدور إيراني في حل أزمة محكمة الحريري . ولعل تصريحات الحريري عشية الزيارة ترجح صحة ما سبق ، فهو أكد أن إيران معنية بكل مسعى لتوفير مقومات الاستقرار في كل بلدان المنطقة ومن ضمنها لبنان. وفي تصريحات أدلى بها لوكالة الأنباء الإيرانية الرسمية في 26 نوفمبر ، أضاف الحريري " دور الجمهورية الإسلامية في المنطقة دور طبيعي ينطلق من الوزن التاريخي والسياسي والاقتصادي لدولة بهذا الحجم وبهذه العراقة الحضارية في الجوار العربي". وبشأن التسريبات حول مضمون القرار الظني للمحكمة الدولية ، قال الحريري :" قلنا بوضوح إنها لا تخدم العدالة والأهم من كل ذلك أن لبنان يواجه الكثير من المخاطر وعلينا جميعا أن نضع الوحدة الوطنية والاستقرار كأمر لا يجوز لأحد أن يخل به مهما كانت الأسباب أو الظروف". التصريحات السابقة لا تخفف فقط من حدة الاتهامات التي طالما وجهها فريق 14 آذار لحزب الله بأنه ينفذ أجندة إيرانية في لبنان وإنما ترجح أن الحريري يعول على دور إيراني لاحتواء تداعيات القرار الظني خاصة بعدما أظهرت إيران مؤخرا أنها تسعى لمساعدة لبنان ككل وليس حزب الله فقط وتحديدا فيما يتعلق بالإعلان عن استعدادها لتزويد الجيش اللبناني بالسلاح . ويبدو أن تصريحات عضو كتلة المستقبل في البرلمان اللبناني عاطف مجدلاني ترجح هي الأخرى صحة ما سبق ، حيث أكد لقناة "الجزيرة" أن إيران لها وسائل التأثير على التعاطي الإيجابي لحزب الله مع القرار الظني المحتمل. وفي السياق ذاته ، أعلن نائب وزير الخارجية الإيراني لشئون الشرق الأوسط محمد رضا شيباني في مقابلة مع صحيفة "خبر" الأيرانية أن زيارة الحريري لطهران تأتي في أجواء حساسة ومعقدة في لبنان. وأضاف "القضايا المتعلقة بالمحكمة الخاصة بلبنان أثرت في شكل كبير في الوضع السياسي والاجتماعي في لبنان". وشدد شيباني على أن تعزيز العلاقات بين لبنان والجمهورية الإسلامية الإيرانية يصب في المصلحة المشتركة وسيعزز المقاومة في مواجهة "النظام الصهيوني". كما ذكرت صحيفة "إيران دايلي" أن زيارة الحريري لا يمكن اختزالها فقط بقضية المحكمة الخاصة بلبنان التي تشكل قضية داخلية في لبنان ، بل إنها ستتيح أيضا تطوير التعاون الثنائي وخاصة في المجال العسكري إثر توقيع 17 اتفاقا أو بروتوكول اتفاق خلال زيارة أحمدي نجاد للبنان في منتصف تشرين الأول/أكتوبر الماضي. وبصفة عامة ، فإن أغلب التحليلات تجمع أن إيران ستحاول تقريب وجهات النظر بين حزب الله وتيار المستقبل الذي يتزعمه سعد الحريري بعد التصريحات الإيجابية للأخير حول أن طهران معنية بكل مسعى لتوفير مقومات الاستقرار في كل دول المنطقة ومن ضمنها لبنان وهو أمر من شأنه أن يبدد المخاوف من احتمال تجدد أعمال العنف في لبنان وانهيار حكومة الوحدة الوطنية التي يترأسها الحريري في حال وجه القرار الظني للمحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال رفيق الحريري اتهامات لعناصر في حزب الله . حرب كلامية بل واللافت للانتباه أيضا ، أن زيارة الحريري لطهران بعد يوم من اختتام رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوجان زيارة لبيروت إنما ترجح أن هناك مبادرة إقليمية تشمل إيران وتركيا والسعودية وسوريا للحفاظ على الاستقرار في لبنان ، هذا الإضافة إلى أن الزيارة ستنعكس إيجابيا على الوضع الإقليمي بصفة عامة وليس الداخل اللبناني فقط . فالزيارة يمكن اعتبارها بمثابة مؤشر على التطور الإيجابي في العلاقات بين إيران والسعودية خاصة بعدما رحبت الرياض بالزيارة التي قام بها نجاد لبيروت في أكتوبر الماضي. ورغم أن حربا كلامية دارت بين القاهرةوطهران عشية زيارة الحريري لطهران ، إلا أن الأرجح هو احتمال حدوث تقارب بين مصر وإيران في المستقبل القريب في حال نجحت إيران في تخفيف حدة التوتر في لبنان وهو ما يؤكد للقاهرة حينها أنها لا تسعى لتهديد الاستقرار في بعض الدول العربية . بل وهناك من ذهب إلى القول إن زيارة الحريري لطهران وإن كانت سببت حرجا بالغا لوزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط إلا أنها من شأنها أن تضع حدا للحرب الكلامية بين القاهرةوطهران وتدفع الدولتين للتنسيق معا لمواجهة المخططات الإسرائيلية ضد الدول العربية والإسلامية . وكانت إيران انتقدت وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط على خلفية تصريحات أدلى بها وطالب خلالها طهران بعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول العربية الخليجية ولبنانوالعراق . ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية عن مصدر مطلع في وزارة الخارجية الإيرانية القول في 27 نوفمبر إنه يوصي أبو الغيط بأن يفكر بإرساء الأمن وحقوق مصر التي تعرضت لاعتداءات الكيان الصهيوني بصورة مكررة بدلا من اتباع سبيل أصحاب النوايا السيئة ومشاريعهم الاستعمارية القائمة على خلق الخلافات بين البلدان الإسلامية. وأضاف المصدر الإيراني " تصريحات وزير الخارجية المصري حول العلاقات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وبعض البلدان العربية تعود إلى تأثيرات الأوضاع الداخلية السيئة في بلاده". وتابع " تلك التصريحات تهدف إلى تحريف الرأي العام عن الاهتمام بالانتهاكات المتكررة للحقوق الأساسية للشعب المصري" ، وختتم المصدر الإيراني قائلا :" إن البلدان القوية في منطقة الخليج تمتلك القدرات اللازمة لصون الأمن والمصالح الإقليمية وهي وحدها التي تمتلك الصلاحية للبت في هذا الموضوع". تصريحات أبو الغيط وكان وزير الخارجية المصري حذر في مقابلة مع صحيفة "الشرق" القطرية في 26 نوفمبر إيران من التدخل في الشأن الداخلي لدول الخليج العربية والعراقولبنان. وعبر أبو الغيط عن رفضه استخدام طهران للبلاد العربية ككروت وأوراق في تنافسها مع القوى الغربية ، قائلا :" لا يجب السماح بالتدخلات الإيرانية في الشأن الداخلي لدول الخليج ، يجب أن يترك العراق في حاله ويجب أن يترك لبنان لحاله ويجب ألا تتعرض إيران للبحرين بأي شكل من الأشكال". وتابع " نقول لإخوتنا في إيران إذا ما كانت تلك الإشارات والإيحاءات والإيماءات صحيحة فيجب أن يتوقفوا ، أمن دول الخليج يأتي أولا ومصر تعطيه أكبر قدر من اهتمامها". ورغم أن تصريحات أبو الغيط السابقة كانت يمكن أن تمر دون ضجة تذكر في الظروف العادية ، إلا أن زيارة الحريري لطهران أظهرت تلك التصريحات وكأنها بعيدة عما يحدث على أرض الواقع ، فالحريري ما كان ليذهب إلى إيران في حال تأكد أنها تعمل ضد مصلحة لبنان . وبصرف النظر عما سبق ، فإن الفرصة تبدو سانحة لتدارك الحرب الكلامية وتحسين العلاقات بين طهرانوالقاهرة من أجل مصلحة لبنان والعرب والمسلمين جميعا . ولعل التقرير الذي نشرته محطة "سي بي سي" الكندية في 22 نوفمبر وألمح إلى وجود تواطؤ بين حزب الله والعقيد وسام الحسن المقرب من سعد الحريري في جريمة اغتيال رفيق الحريري إنما يضاعف الشكوك حول المحكمة الدولية ويرجح أن هناك مؤامرة إسرائيلية أمريكية تحاك ضد لبنان عبر تلك المحكمة ، فهى بدأت بتوجيه الاتهام لسوريا وسرعان ما اتهمت حزب الله وامتد الأمر بعد ذلك إلى وسام الحسن مسئول حماية رفيق الحريري ورئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللبناني حاليا . وأمام ما سبق ، يتأكد للجميع أن لبنان ككل مستهدف وليس حزب الله فقط ولذا لا بديل عن التنسيق بين مصر وتركيا وإيران والسعودية وسوريا لحل أزمة محكمة الحريري وإجهاض مخططات إسرائيل . صور زيارة الحريري لإيران