الليغا ... برشلونة يقترب من حسم الوصافة    أعظم صيغ الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها.. كررها 500 مرة تكن من السعداء    "هل تصبح مصر وجهة صعبة المنال لليمنيين؟ ارتفاع أسعار موافقات الدخول"    "عبدالملك الحوثي هبة آلهية لليمن"..."الحوثيون يثيرون غضب الطلاب في جامعة إب"    شاهد.. أول ظهور للفنان الكويتي عبد الله الرويشد في ألمانيا بعد تماثله للشفاء    خلية حوثية إرهابية في قفص الاتهام في عدن.    الخليج يُقارع الاتحاد ويخطف نقطة ثمينة في الدوري السعودي!    علي ناصر محمد يفجر مفاجأة مدوية: الحوثيون وافقوا على تسليم السلاح وقطع علاقتهم بإيران وحماية حدود السعودية! (فيديو)    شاهد الصور الأولية من الانفجارات التي هزت مارب.. هجوم بصواريخ باليستية وطيران مسير    مبابي عرض تمثاله الشمعي في باريس    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    مأرب تحدد مهلة 72 ساعة لإغلاق محطات الغاز غير القانونية    عودة الثنائي الذهبي: كانتي ومبابي يقودان فرنسا لحصد لقب يورو 2024    لا صافرة بعد الأذان: أوامر ملكية سعودية تُنظم مباريات كرة القدم وفقاً لأوقات الصلاة    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    اللجنة العليا للاختبارات بوزارة التربية تناقش إجراءات الاعداد والتهيئة لاختبارات شهادة الثانوية العامة    لحج.. محكمة الحوطة الابتدائية تبدأ جلسات محاكمة المتهمين بقتل الشيخ محسن الرشيدي ورفاقه    العليمي يؤكد موقف اليمن بشأن القضية الفلسطينية ويحذر من الخطر الإيراني على المنطقة مميز    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا لكرة القدم للمرة ال15 في تاريخه    انكماش اقتصاد اليابان في الربع الأول من العام الجاري 2024    تحذيرات أُممية من مخاطر الأعاصير في خليج عدن والبحر العربي خلال الأيام القادمة مميز    النقد الدولي: الذكاء الاصطناعي يضرب سوق العمل وسيؤثر على 60 % من الوظائف    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    رئيس مجلس القيادة يدعو القادة العرب الى التصدي لمشروع استهداف الدولة الوطنية    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    تغاريد حرة.. عن الانتظار الذي يستنزف الروح    انطلاق أسبوع النزال لبطولة "أبوظبي إكستريم" (ADXC 4) في باريس    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    ترحيل أكثر من 16 ألف مغترب يمني من السعودية    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    انهيار جنوني .. لريال اليمني يصل إلى أدنى مستوى منذ سنوات وقفزة خيالية للدولار والريال السعودي    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    نهاية مأساوية لطبيبة سعودية بعد مناوبة في عملها لمدة 24 ساعة (الاسم والصور)    البريمييرليغ: اليونايتد يتفوق على نيوكاسل    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    600 ألف فلسطيني نزحوا من رفح منذ تكثيف الهجوم الإسرائيلي    ظلام دامس يلف عدن: مشروع الكهرباء التجارية يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت وطأة الأزمة!    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    بائعات "اللحوح" والمخبوزات في الشارع.. كسرن نظرة العيب لمجابهة تداعيات الفقر والجوع مميز    وزارة الحج والعمرة السعودية توفر 15 دليلاً توعوياً ب 16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    استقرار اسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأميركية    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 35 ألفا و233 منذ 7 أكتوبر    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    قطع الطريق المؤدي إلى ''يافع''.. ومناشدات بتدخل عاجل    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر تحتضن أغلي مصاحف العالم :مصحف عثمان بن عفان
نشر في البيضاء برس يوم 06 - 09 - 2009

منذ حوالي ثلاث سنوات، وفي حراسة أمنية مشددة من قسم الجمالية ومديرية أمن القاهرة، ودعوا مصحف ثالث الخلفاء الراشدين » عثمان بن عفان « رضي الله عنه وسط تكبيرات المصلين، وتصفيق المحبين لآل بيت رسول الله (صلع)
وزغاريد أهل حي الأزهر البسطاء، في موكب مهيب لمهمة مؤقتة إلي المكتبة المركزية للمخطوطات الإسلامية الملحقة بمسجد السيدة زينب ( رضي الله عنها ) لتبدأ سلسلة من الإجراءات الخاصة بتوثيقه وترميمه وتصوير صفحاته لأول مرة علي أقراص مدمجة C.D ويتولي أحد مراكز الأبحاث الإسلامية العالمية طبعه باعتباره أّهم وأقدم مصحف مخطوط في العالم .
» آخر ساعة « تنفرد بتقديم بانوراما كاملة بالصور لرحلة هذا المصحف النادر والذي يصل وزنه إلي 80 كيلو جراما، وعدد صفحاته 1087 ورقة من الرق الكبير، ومكتوب بمداد بني داكن، وبخط مكي يناسب القرن الأول الهجري، والذي أصبح الآن مقصدا لضيوف مصر من كبار الشخصيات .
هناك التباس بين المصحف الشخصي لأمير المؤمنين عثمان بن عفان (]) الذي استشهد وهو يقوم بالقراءة فيه، وبين المصاحف التي كتبت أو نسخت في عهده، وأطلق علي كل منها مصحف عثمان بن عفان ..
والمصحف الشخصي كان عليه آثار دمائه، وحفظ في دار عثمان بالمدينة المنورة طوال العهد الأموي ثم اختفي، أما المصاحف الأخري فبعضها كتب في منتصف عهد خلافته، أي حوالي عام 35 هجرية بعد نشوب خلافات حول قراءة القرآن الكريم .
المصاحف العثمانية الأئمة
فكل فريق من المسلمين يقرأ بقراءة أحد الصحابة الذين جمعوا القرآن في عهد الرسول ([) ، ثم اتفق رأي الصحابة بعد أن جمعهم سيدنا عثمان علي ضرورة أن يتوحد المسلمون في قراءة واحدة ومصحف واحد في كل الأقطار الإسلامية، وعندما كتبت المصاحف بعد توحيدها في مصحف واحد أطلق عليها بالمصاحف الأئمة أو المصاحف العثمانية، وقد اختلف علي عددها .. هل كانت أربعة .. أم ستة .. لكن المتفق عليه أن المصاحف التي أرسلها أمير المؤمنين عثمان بن عفان (]).
إلي الأمصار تختلف عن مصحفه الخاص وهو الذي قيل إنه خطه بيمينه .
والمصحف الحالي الموجود بالقاهرة هو نسخة من المصاحف الستة التي نسخت بأمر ثالث الخلفاء الراشدين، وأرسل أربعة منها إلي الأمصار وبقي اثنان بالمدينة .
وكان هذا المصحف محفوظا في خزانة كتب المدرسة الفاضلية التي بناها القاضي الفاضل عبد الرحيم البياني العسقلاني في العصر الأيوبي، ثم نقله السلطان الملك الأشرف أبوالنصر قنصوه الغوري آخر سلاطين الدولة المملوكية، إلي القبة التي أنشأها تجاه مدرسته بقرب الأقباعيين داخل باب زويلة، ونقل إليها أيضا الآثار النبوية الشريفة، وعمل له » جلدة « خاصة به نقش عليها أنها عملت بعد كتابة المصحف العثماني بثمانمائة وأربعة وسبعين عاما، أي أنها صنعت سنة 909 ه، وظل محفوظا بها لمدة ثلاثة قرون .
وفي عام 1305ه استقر المصحف والجلدة، والآثار النبوية الشريفة بعد نقلها إلي مشهد الإمام الحسين (]).
وزنه 80 كيلو جراما
وهذا المصحف الشريف النادر كما رأيته وتشرفت أناملي بلمسه هو مخطوط نادر لم أر له مثيلا في حياتي فهو يتكون من 1087 ورقة من الرق ذي القطع الكبير وقياسها 57سم * 68سم، وعدد الأسطر 12سطرا وارتفاعه 40سم ووزنه 80كيلو جراما، ومكتوب بمداد بني داكن، وبخط مكي يناسب القرن الأول الهجري، وخال من النقط والزخارف الخطية، وتوجد فواصل بين السور عبارة عن رسوم نباتية متعددة الألوان .
وهذا المصحف الموجود عندنا في مصر هو واحد من المصاحف الأصلية الأولي .. وذكرت الدكتورة سعاد ماهر عنه : ماورد في كتاب الخطط للمقريزي بأن المصحف قد جيء به إلي مصر سنة سبع وأربعين وثلاثمائة، ووضع في جامع عمرو، واستمر إمام المسجد يقرأ فيه يوما بعد يوم حتي كان عهد الخليفة العزيز بالله الفاطمي، فأبطل القراءة فيه، وكان ذلك سنة ثماني وسبعين وثلاثمائة، أي أنه ظل يقرأ فيه مدة واحد وثلاثين عاما، وأن المقريزي رأي هذا المصحف محفوظا في جامع عمرو، وأنه أي » المقريزي « ذكر النص المكتوب في ظهره، وتاريخ المجيء به إلي مصر، ومن ذلك يتبين أن المصحف كان موجودا في مصر علي أقل تقدير حتي سنة 845ه، وهي سنة وفاة المقريزي .
مصحف كبير القدر
ويعود المقريزي مرة أخري إلي الكلام عن مصحف سيدنا عثمان بن عفان والمنسوب إليه، وذلك عند كلامه عن المدرسة الفاضلية فيقول : هذه المدرسة بدرب » ملوخيا « من القاهرة بناها القاضي الفاضل عبد الرحمن بن علي البياني بجوار داره سنة ثمانين وخمسمائة، ووقفها علي طائفتي الفقهاء الشافعية والمالكية، وجعل فيها قاعة للقراء، ووقف بهذه المدرسة جملة عظيمة من الكتب في سائر العلوم، ويقال إنها كانت مائة ألف مجلد، وبأن مصحف سيدنا عثمان قرآن كبير القدر جدا، مكتوب بالخط الأول الذي يعرف » بالكوفي « ويقال إن القاضي الفاضل اشتراه بنيف وثلاثين ألف دينار، علي أنه مصحف أمير المؤمنين عثمان بن عفان (]) ، وهو في خزانة مفردة له بجانب المحراب وعليه مهابة وجلالة ..
ويقول الشيخ حسن بن حسين المعروف بابن الطولوني عند ذكر الملك الأشرف أبي النصر قنصوه الغوري :
وقد جدد مولانا السلطان عز نصره للمصحف العثماني الذي بمصر المحروسة بخط مشهد الحسين ( جلد ) بعد أن آل جلده الواقي إلي التلف والعدم، ولمكثه من زمن سيدنا عثمان إلي يومنا هذا، فألهم الله تعالي مولانا المقام الشريف، خلد الله ملكه بطلبه إلي حضرته بالقلعة الشريفة، ورسم بعمل الجلد المعظم المتناهي في عمله لاكتساب أجره وثوابه، وأن يعمل له وقاية من الخشب المنقوش بالذهب والفضة وأنواع التحسين .
ماذا قال المؤرخون؟
ويؤيد العلامة القسطلاني رواية ابن الطولوني فيقول عند ذكره خزانة كتب المدرسة الفاضلية :
ولم يبق منها إلا المصحف الكبير المكتوب بالخط الكوفي الأول المعروف بمصحف عثمان بن عفان، ويقال إن القاضي الفاضل اشتراه بنيف وثلاثين ألف دينار، علي أنه مصحف أمير المؤمنين عثمان بن عفان (]) ، وكان في خزانة مفردة بجانب المحراب ولم يزل بها حتي خرب ماحول المدرسة المذكورة وآل أمرها إلي التلاشي، فنقله السلطان الأشرف أبو النصر قنصوه الغوري ( أجري الله علي يده الخيرات ) إلي القبة التي أنشأها تجاه مدرسته الشريفة .
وذكر الباحث لبيب السعيد أن هذا المصحف هو أقدم المصاحف الموجودة وأكملها علي وجه البسيطة، وذهب إلي أنه ربما يكون المصحف المرسل إلي المدينة أو إلي الشام، وهذا الرأي أجمع عليه جمهور العلماء وأشار إلي أن من يرون أنه ليس واحدا من تلك المصاحف لايملكون الدليل المقنع علي ذلك، ثم ذكر أن المصحف يخلو من علامات النقط والشكل، ويتفق في الإملاء مع خط مصحف المدينة أو مصحف الشام، والشاهد علي ذلك أن قوله تعالي ( من يرتدد ) في سورة المائدة ( الآية 54 ) قد كتب بحر في » دال « ، كما هو في هذين المصحفين، ولاشك أن الزينات البسيطة الموجودة فيه، وعلامات التعشير وغيرها، قد وضعت عليه في عصور لاحقة، وذلك الحال لاينال من الرأي القائل بأنه واحد من المصاحف الأصلية الأولي .
مكرمة خالدة لعثمان
وإذا كان نسخ هذا المصحف مكرمة من أبرز مكرمات سيدنا عثمان بن عفان، ويعكس مدي إقدامه وشجاعته، وتردد من قبله سيدنا أبو بكر عندما عرض عليه الخليفة الثاني عمر فكرة جمع القرآن بعد أن قتل عدد كبير من القراء في موقعة » اليمامة « ، لكن سيدنا عثمان تحمس له عندما اتسعت رقعة الخلافة في عهده، وتفرق المسلمون في الأمصار، وحدث اختلاف في القراءة فطلب سيدنا عثمان النسخة التي أودعها الفاروق عند السيدة » حفصة « قبيل مقتله، وأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الله بن الحارث بن هشام أن يقوموا بنسخها، وبعد أن تثبت من صحتها وزعها علي الأمصار ( والتي منها النسخة الموجودة عندنا في مصر ) ، وأباد كل ماعداها، فكان هذا العمل الجليل لسيدنا عثمان من أعظم الأعمال في التاريخ الإسلامي كله .
لكن مصحف عثمان الموجود داخل » فاترينة « بغرفة المخلفات الشريفة لرسول الله ([) بالمشهد الحسيني طوال هذه السنوات الطويلة، قد أصابه بعض الوهن، وبدأت رائحة ( غير مستحبة ) تنبعث منه، خاصة أن الغرفة النبوية غير مكيفة، وأصبح هذا المصحف النادر في حاجة إلي عناية خاصة وترميم وتوثيق للمحافظة عليه .
قرار جريء لزقزوق
ومن هنا جاء القرار الجرئ والحازم للمفكر الإسلامي الكبير الدكتور محمود حمدي زقزوق ( وزير الأوقاف والشئون الإسلامية ) بضرورة إنقاذ هذا المخطوط المتفرد، عندما قامت مجموعة من الفنيين من المكتبة المركزية للمخطوطات الإسلامية ( الملحقة بمسجد السيدة زينب ) وبرئاسة الكيميائي القدير خلوصي محمود خلوصي المشرف العام علي هذه المكتبة، بالإضافة إلي المسئولين بمديرية أوقاف القاهرة، ومسجد الإمام الحسين، ورجال الأمن من قسم الجمالية ومديرية أمن القاهرة، وفي موكب مهيب تم نقل المصحف والذي تحتضنه » فاترينة « تراثية من غرفة مخلفات الرسول بالمشهد الحسيني وذلك بعد تغليفه بعناية فائقة، كان ذلك صباح يوم الأربعاء الموافق 22 فبراير عام 2006، حيث خرج المصحف من المسجد وسط حراسة أمنية مشددة، وتهليل وتكبير المصلين ومرتادي المسجد، وزغاريد المحبين من آل البيت أهالي منطقة الأزهر والحسين، حيث وضع هذا الكنز الثمين في سيارة من سيارات الشرطة، وتوجه الموكب إلي مقر المكتبة المركزية للمخطوطات الإسلامية القابعة في ملحق بمسجد السيدة زينب (])..
مهمة إنقاذ وتوثيق
تسلمه المسئولون هناك لتبدأ مهمة إنقاذ وترميم وتوثيق وتصوير لأول مرة للمصحف منذ أن كان محفوظا في المشهد الحسيني منذ 1305ه، أما تاريخيا فيعتبر أول توثيق للمصحف قام به السلطان قنصوه الغوري عندما صنع له حافظة مذهبة مدون عليها أن المصحف تم تجديده بعد مضي 874 سنة علي كتابته، أي أن الحافظة صنعت سنة 909ه .
وقد تشكلت لجنة علمية لتجهيز المصحف من المجلس الأعلي للآثار والفنيين بالمكتبة برئاسة الكيميائي خلوصي محمود خلوصي المشرف العام علي المكتبة المركزية للمخطوطات الإسلامية .
لحفظه في » فترينة « عرض بداخلها غاز » الهليوم الخامل « أسوة بحفظ المومياوات الملكية في متحف الآثار المحفوظة في » فترينات « غاز النيتروجين، ولكن وجد أن غاز » الهليوم « أكثر خمولا من غاز النيتروجين، ثم بعد تجهيز هذه الفترينة الأنيقة من المنتظر أن يعود مصحف ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان (]) إلي مقره الأصلي بالمشهد الحسيني وذلك بعد عيد الفطر المبارك، بل وتجري الآن دراسات مستفيضة من كل الجوانب لإمكانية عرضه علي الجمهور، وهذه مجرد فكرة تخضع للبحث والدراسة، لأنه بعد عودة المصحف لغرفة المخلفات النبوية الشريفة لايراه إلا كبار الشخصيات الذين يزورون مصر من ملوك ورؤساء وحكام وأمراء ووفود رسمية، والذين غالبا ما يبدون رغبتهم لرؤية المخلفات النبوية الشريفة في الجناح الملحق بمسجد الإمام الحسين ومصحف سيدنا عثمان ضمن هذه المخلفات .
طبع المصحف بتركيا
ثم كانت الفكرة الناجحة التي قدمها الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو أمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي، لطبع هذا المصحف النادر في تركيا لأول مرة، عندما كلف الدكتور خالد أرن مدير مركز الأبحاث والفنون والثقافة الإسلامية باسطنبول بزيارة المكتبة المركزية للمخطوطات بالقاهرة، بعد معاينة وإجراء عدة أبحاث لعدة مصاحف أثرية تاريخية أيضا منها المصحف الموجود بمتحف قصر » طوب قابي « باسطنبول ومصحف متحف الآثار التركية والإسلامية، ومصحف » طشقند « ، ومصحف » صنعاء « باليمن، والمنسوب للإمام علي بن أبي طالب ( كرم الله وجهه ) لكن الآراء كلها استقرت علي مصحف سيدنا عثمان بن عفان الموجود بالمشهد الحسيني، ومبررات اختياره بأنه هو أقدم وأهم المصاحف الموجودة في العالم، وكل وثائقه مدونة، وهو المصحف الوحيد الكامل من » الفاتحة « إلي » المعوذتين «.
مصاحف غير كاملة
بعكس باقي المصاحف المخطوطة النادرة أيضا والموجودة في أماكن متفرقة بالعالم مثل لندن وباريس وطشقند وسان بترسبرج، فكلها غير كاملة باستثناء مصحف المشهد الحسيني الذي يعتبر كاملا !
وبالفعل طبع هذا العام مصحف عثمان بن عفان ( الموجودة بالقاهرة ) وصدر باسطنبول في مجلدين، وهذا المشروع بدعم مالي من » أبو ظبي « وفي الدراسة الخاصة بمشروع طباعته والتي أعدها » طيار آلتي قولاج « وترجمها من التركية إلي العربية الدكتور المصري صالح سعداوي، وقدم لها العالم التركي الدكتور خالد أرن رئيس مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية باسطنبول، قالوا إن هذا المصحف النادر مكتوب من حوالي 14 قرنا » تقريبا «.
قضية مثيرة للجدل
وقضية المكان الذي يوجد به مصحف سيدنا عثمان » الشخصي « شغلت العديد من الباحثين والدارسين والمؤرخين .. الدكتور محمد جبر أبوسعدة ( أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة الأزهر ) يري أنه لا يستطيع أحد أن يجزم بحقيقة المكان الذي يوجد به مصحف عثمان الشخصي لوجود نسخ متشابهة من هذا المصحف، خصوصا في الخط الذي كتب بها، وليس المهم المكان، لكن الأهم لماذا وضع مصحفا إماما، ووحد المسلمين علي قراءة القرآن، وهنا أصبحت لا فائدة من وجود المصاحف الأخري، والذي أمر عثمان (]) بإحراقها ليقضي علي خلاف كان ينذر بالفتنة حول أقدس ما لدي المسلمين وهو القرآن الكريم، واجتمع المسلمون الآن علي المصحف الإمام .
أما الدكتورة سحر سالم مدرسة التاريخ الإسلامي بآداب الإسكندرية فرأيها : أن المصادر العربية تجمع علي أن عثمان بن عفان عندما أقدم المحاصرون لداره علي اقتحامها يوم استشهاده أخذ مصحفه الخاص ووضعه علي حجره ليقرأ فيه، واستشهد وهو يتلو القرآن، وتناثرت قطرات من دمائه علي بعض ورقات من مصحفه » الإمام « ، منها قطرات علي قوله ( عز وجل ): » فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم «
ادعاءات مختلفة بالحيازة
وقد واكب المصحف الإمام ادعاءات مختلفة بحيازته، فمن المصاحف التي زعموا أنها مصحف عثمان الذي يحمل آثار قطرات دمه ( مصحف مصر ) ، ويذكر المقريزي أنه استخرج من خزائن المقتدر بالله العباسي، ونقل إلي جامع عمرو في خلافه العزيز بالله، وإن كان نقله لم يثبت بأي نص تاريخي، وظل مصحف مصر الذي زعموا أنه مصحف عثمان » الشخصي « محفوظا بمدرسة القاضي الفاضل الواقعة قرب المشهد الحسيني، ثم نقل بعد تخريب المدرسة إلي القبة التي بناها السلطان الغوري تجاه مدرسته، وظل محفوظا بها حتي عام 1275ه، عندما نقل إلي المسجد الزينبي، ثم إلي خزائن الأمتعة بالقلعة، ثم إلي ديوان الأوقاف عام 1304ه، ومن هناك نقل في العام التالي إلي قصر عابدين، وأخيرا إلي المسجد الحسيني في السنة نفسها، واستبعد » السمهودي « أن يكون هذا المصحف هو مصحف عثمان نفسه الخاص به، ويرجح أن يكون أحد المصاحف التي بعثها عثمان إلي الأمصار !
إرث قيم ونادر
ونفس النتيجة توصلت إليها لجنة خبراء مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية باسطانبول برئاسة الدكتور خالد أرن .. شددت علي أهمية هذه النسخة ( مصحف مصر ).. كتب قبل نحو ثلاثة عشر أو أربعة عشر قرنا من الزمان، وهو واحد من أقدم وأهم عدة وثائق مدونة فعلا، لكنه ليس المصحف » الشخصي « لثالث الخلفاء الراشدين سيدنا عثمان بن عفان (]) ، لكنه نسخة أصلية، ولذلك طبعوا بدعم مالي من مركز أبوظبي للثقافات والتراث هذه النسخة النادرة كإسهام مهم، لتقديم هذا الإرث الثقافي القيم للباحثين .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.