ما حدث في مصر من تآمر وإنقلاب عسكري مفضوح ضد رئيس شرعي منتخب من قبل ملايين المصريين الذين منحوه ثقتهم في انتخابات تنافسية حرة, يكشف بجلاء عن عدد من الحقائق التي يتعين الوقوف عندها والتمعن فيها ملياً وأهمها: أن الجيش المصري, ورغم مرور أكثر من عامين على ثورة 25 يناير, إلاّ أنه ظل خارج سياق الثورة وحركتها التغييرية, فلم تطاله حركة التغيير التي كان من المفترض أن تبقيه بعيداً عن التدخل في الشأن السياسي ليتفرغ لحماية الوطن ومكاسب الثورة.
من جانب آخر, كشفت العملية الإنقلابية عن حقيقة أن الجيش المصري ما يزال- للأسف- يمثل تهديداً للحياة السياسية والمنظومة الديمقراطية الناشئة المتشكلة حديثاً في أعقاب ثورة يناير, إذ أطاحت الحركة الإنقلابية بالمؤسسات الدستورية الشرعية, وطوحت برئيس منتخب, وحلت مجلس الشورى، وعطلت العمل بالدستور المستفتى عليه من قبل الشعب والذي حصل على قرابة 64% من الأصوات, وكل تلك المؤسسات جاء بها الشعب عبر عملية ديمقراطية إنتخابية نزيهة, لكن يتم اليوم هدمهما رغماً عنه. أما الحقيقة الثالثة التي تفضحها العملية العسكرية الإنقلابية فتتمثل في عودة حكم العسكر تحت واجهات مختلفة يجري تشكيلها وإعادة بنائها على أعينهم وتحت إشرافهم المباشر, وبتواطؤ قوى مدنية تفجر في الخصومة, وتعمد إلى تضليل الرأي العام وتصوير ما حدث على أنه استجابة لمطالب الجماهير, بينما هو في الواقع مصادرة لإرادة الشعب المصري الذي صنع ثورة وأسس لديمقراطية جديدة تحتكم لصندوق الاقتراع, وبالتالي فالعملية الإنقلابية هي التفاف واضح على إرادة الشعب لحساب جماعات المصالح ومراكز القوى المرتبطة بفلول العهد البائد التي أطلت بقرونها عبر الثورة المضادة, وكانت في مقدمة صفوفها حشداً وتحريضاً وتمويلاً, حتى استطاعت بالتواطؤ مع بعض قادة الجيش والأحزاب السياسية قلب نظام الحكم الشرعي والعودة بالبلاد مجدداً إلى عصر الإنقلابات والحكم العسكري, الذي من المفترض أن ثورة الشعب قد طوته إلى الأبد. المؤسف أن كثيراً من القوى المدنية والسياسية المصرية باركت إنقلاب العسكر, متغافلة وعن قصد, في لحظة تاريخية فارقة, مبادئها التي ظلت تدعوا إليها من الحرية والعدالة واليمقراطية والدولة المدنية الحديثة الراعية لمصالح الجميع دون تمييز, متناسية في الوقت نفسه أنها باتت تشاطر العسكر جريمة نسف العملية الديمقراطية, لتؤسس معهم حكم ديكتاتوري عسكري يتعسف الديمقراطية ويضع من نفسه وصياً عليها. على أن بعض السذج في اليمن ممن يستهويهم تقليد الغير لافتقارهم للمشروع الوطني الجامع, يحاولون محاكاة تجارب الآخرين والعمل دون وعي على استنساخها لنقلها إلى بيئات مختلفة, على أمل تحقيق مآربهم الخاصة التي فشلوا في بلوغها عبر الأطر الدستورية والآلية الديمقراطية. ومن هنا, فمحاولة اللعب عبر حركة مستنسخة من حركة تمرد المصرية ونقلها إلى الساحة اليمنية هي محاولة فاشلة بكل المقاييس لافتقارها لشروطها الموضوعية. فالنظام السابق, الذي قامت الثورة الشعبية ضدة ما يزال شريكاً بنصف الحكومة, ويمتلك الأغلبية البرلمانية, ويسيطر على مجلس الشورى, ويحكم أفراده معظم مؤسسات الدولة المدنية منها والعسكرية, وبالتالي فهؤلاء المقلدون لا يمكنهم دعوة الجيش للإنقلاب على هكذا وضع كونه سيعد إنقلاباً عليهم. كما أن المبادرة الخليجية التي تحظى برعاية دولية وإقليمية هي بمثابة خارطة الطريق التي توافق عليها الجميع بما فيها قوى الثورة المضادة نفسها, التي تضع رجلاً في المبادرة ورجلاً خارجها, لكنها مع ذلك لن تستطيع خداع الشعب اليمني والمجتمع الدولي الذي يرقب عن كثب كل ما يدور على الساحة اليمنية, ويعرف جيداً حقيقة تلك القوى المتآمرة على ثورة الشعب وارتباطاتها الخارجية المشبوهة, والدور الذي تقوم به في محاولة تقويض المرحلة الإنتقالية والتسوية السياسية التي يقودها الرئيس عبدربه منصور هادي, الذي يحظى بمساندة الأسرة الدولية وتأييد جماهير الشعب اليمني وقواه الوطنية.