في تطور سار من شأنه أن يضيق الخناق أكثر وأكثر على مجرمي الحرب الإسرائيليين ، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الخميس الموافق 5 نوفمبر / تشرين الثاني لصالح تقرير جولدستون بأغلبية 114 صوتا مقابل رفض 18 وامتناع 44 عن التصويت. وكانت الجمعية العامة بدأت يوم الأربعاء الموافق 4 نوفمبر جلسة خاصة لمناقشة التقرير ، ورغم أن قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة غير ملزمة ، إلا أن صدور القرار سيكثف من ناحية الضغوط على إسرائيل كي تجري تحقيقا مستقلا في ممارسات جيشها خلال الحرب الأخيرة على غزة ، كما أنه يحرج المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية للتحرك لمحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين خاصة وأن إسرائيل رفضت تشكيل لجنة تحقيق مستقلة وجاء في توصيات التقرير أنه في حال لم تستجب إسرائيل فإنه يجب على مجلس الأمن والجمعية العامة والمحكمة الجنائية الدولية التحرك لتنفيذ ما جاء فيه. أيضا فإن إقرار التقرير هو صفعة جديدة للدبلوماسية الإسرائيلية ، فبعد إقراره في مجلس حقوق الإنسان في أكتوبر الماضي ، سارعت إسرائيل لإحباط أي تحرك جديد في هذا الشأن ، إلا أنها لم تفلح هذه المرة أيضا . وهناك أمر هام آخر وهو أن تصويت الجمعية العامة لصالح التقرير يعطيه دفعة إضافية ويشجع منظمات حقوق الإنسان الدولية على التقدم به لكافة المحاكم الدولية والوطنية التي تبحث جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وخاصة المحاكم داخل الدول الأوروبية ، وبالتالي فإن إسرائيل ستجد نفسها في مواجهة مع محاكم عديدة وليست المنظمات الدولية فقط ، الأمر الذي يؤكد أن الدبلوماسية الفلسطينية والعربية سجلت نجاحا كبيرا في وضع إسرائيل للمرة الأولى على طريق المحاكمة الدولية عن جرائمها التي لم تتوقف يوما ، خاصة بعد أن رفضت ضغوطا أوروبية وأمريكية لكي يتم الإشارة لعبارة الترحيب بالتقرير وليس تأييده في القرار المعروض على الجمعية العامة وانتصر العرب وتم بالفعل تمرير القرار بتأييد التقرير وليس الترحيب به . وحتى في حال الفشل المتوقع للتقرير في مجلس الأمن بسبب الفيتو الأمريكي ، فإن الجمعية العامة وإن كانت قراراتها غير ملزمة إلا أن تصويتها لصالح جولدستون يسمح بتحركات أكثر فعالية فيما بعد بشأن التقرير. فميثاق الأممالمتحدة ينص على أنه للجمعية العامة حق اقرار استخدام القوة لأغراض إنسانية بموجب القرار "متحدون من أجل تعزيز السلام" وهو القرار الذي يسمح للجمعية العامة بتناول موضوع هو من تخصص مجلس الأمن في حالة تعذر اتخاذ القرار في المجلس كما أنه من حق الجمعية العامة تشكيل قوات لحفظ السلام إذا ما توفرت الإرادة السياسية لذلك وهو ما قامت به في أزمة قناة السويس بحيث كانت أول قوة أممية لحفظ السلام. وعلى الرغم من وجود المادة 12 التي تمنع الجمعية العامة من تولي ملف مطروح للنقاش في مجلس الأمن فإن محكمة العدل الدولية رأت أن هذه المادة 12 أدخلت عليها تغييرات من حيث الممارسة والتطبيق ، وهذا ما تم اعتماده في قضية الجدار العازل في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، حيث طلبت الجمعية العامة رأيا استشاريا بخصوص بناء الجدار ، كما قامت بإقرار تأسيس لجنة لتقصي الحقائق مثلما فعلت بخصوص مجازر مخيم جنين، إلا أن إسرائيل لم تسمح للجنة بالقيام بعملها. ويبقى الأمر الأهم وهو أن الجمعية العامة بامكانها اتخاذ قرار بإقامة محكمة جنائية خاصة بناء على المادة 22 من ميثاق الأممالمتحدة مثلما تم من قبل بخصوص تأسيس المحكمة الجنائية الدولية في يوغسلافيا السابقة. فبعد إقرار "جولدستون" ، يمكن للمجموعة العربية بالأممالمتحدة مطالبة الجمعية العامة بتشكيل محكمة جرائم حرب لإسرائيل بموجب المادة 22 من قانون الأممالمتحدة التي تنص على أن الجمعية العامة بصفتها تابعة لهيئة الأممالمتحدة بإمكانها تشكيل محكمة منبثقة عنها ومن أعضائها عندما ترى ذلك ضرورياً من أجل استمرار أداء وظيفتها. هذا بالإضافة إلى أنه يمكن للجمعية العامة اتخاذ قرار بتدوين الأضرار المترتبة في سجل ، على غرار ما تم بخصوص الجدار العازل ، وذلك بهدف مطالبة إسرائيل فيما بعد بالتعويض عن الأضرار المترتبة عما تم في غزة خصوصا وأن تقرير جولدستون نص على صندوق تعويضات لضحايا المجازر الإسرائيلية ، وهناك تجربة ما حدث للعراق بعد غزوه للكويت في صيف 1990 من تشكيل لجنة تعويضات تمكنت تاليا من إنفاق مليارات من الدولارات من أموال العراق ودفعتها للجهات المتضررة أفرادا وشركات خاصة أو عامة ودولا. والخلاصة أن تقرير جولدستون يؤرق مضاجع إسرائيل ليل نهار ويبدو أنه لم يترك أمامها هذه المرة أي خيار للإفلات من العقاب مثلما كان يحدث في السابق.