قارن آشير أوركابي مؤلّف كتاب "الحرب الأهلية اليمنية 1962 - 1968"، والحاصل على الدكتوراه من #جامعة هارفارد، باحث بمركز كراون لدراسات الشرق الأوسط، بين الوضع الراهن في اليمن والحرب الأهلية التي اندلعت في ستينات القرن الماضي، مشيرًا إلى وجود تشابه كبير في الأحداث. يذكّر أن جهود الأممالمتحدة، المبذولة منذ اندلاع الأزمة في اليمن صيف العام الماضي، فشلت في الحفاظ على عملية السلام في البلاد، مثلما فشلت إبان حرب شمال اليمن الأهلية في العام 1962. ونشرت صحيفة "العرب اللندنية"، تحليل أوركابي الذي صدر في مجلة "سياسات دولية"، عدد مايو 2015، وقال إن في سبتمبر 1962، أطاحت ثورة قادها ضباط يمنيون شبان، بالإمام محمد البدر بن حميد الدين، ليكون آخر حكام المملكة المتوكلية اليمنية، وسميت تلك الثورة ب"ثورة 26 سبتمبر"، وأدّت إلى اندلاع حرب أهلية بين الموالين للمملكة المتوكلية وبين الموالين لفكرة الجمهوريّة العربية اليمنية، وشكّلت تلك الحرب، التي استمرت 8 سنوات (1962 - 1970)، واحدة من أحلك الفترات في تاريخ اليمن الحديث. أوضح أوركابي، أنه على غرار الصراع الدائر اليوم في اليمن، والذي دفع بقوى إقليمية إلى التدخل، على رأسها السعودية، لم يقتصر الأمر على المشاركة اليمنية في حرب الستينات، حيث تدخلت قوى عربية، لكن بشكل مختلف عن تدخل اليوم، حيث انقسم التدخل العربي إلى جبهتين: الجبهة الأولى كانت تقودها #مصر "جمال عبدالناصر"، التي دعمت ثورة الضباط الأحرار اليمنيين، والجبهة الثانية كانت بقيادة السعودية التي دعمت النظام الملكي المتوكلي، وفي غضون أشهر من بدء القتال، طلب الأمين العام للأمم المتحدة يو ثانت، آنذاك، من الدبلوماسي الأمريكي رالف بانش، أن يكون مبعوثه الخاص إلى اليمن. وأشار إلى أن "بانش" قضى معظم وقته في رحلات مكوكية بين القاهرة والرياض لإقناع السعودية ومصر بالانسحاب من الصراع، وعندما توصّلت الأطراف المتحاربة إلى اتفاق مؤقت في العام 1963، كلّف مجلس الأمن بعثة الأممالمتحدة للمراقبة في اليمن، بالإشراف على انسحاب الجنود المصريين والأسلحة السعودية من البلاد. وأضاف "كانت بعثة الأممالمتحدة للمراقبة في اليمن، في تلك الفترة، محكومة منذ البداية بأهداف سياسية غير واقعية وظروف صعبة وغير مألوفة، حيث منع المبعوث الأممي رالف بانش، من الحديث إلى قوى المعارضة القبلية التابعة للإمام محمد البدر، والتي لم تحظ باعتراف الأممالمتحدة ككيان سياسي". كما تم منع موظفي بعثة الأممالمتحدة للمراقبة في اليمن من تنسيق العمليات في الأراضي التي يسيطر عليها أنصار الإمام، إلى جانب ترك مساحات واسعة في شمال اليمن دون حضور دبلوماسي دولي، ولم يبدأ تنفيذ وقف إطلاق النار، بما أنه لم يتم إدراج رجال القبائل التابعين للإمام في المفاوضات، ما جعلهم يشعرون أنهم غير ملزمين بالتخلي عن أسلحتهم. اقتصر دوره البعثة الأممية على مراقبة انسحاب القوات المصرية، ووقف الدعم السعودي للقبائل الشمالية، وكانت التضاريس الجبلية والصحراوية على طول الحدود أمرًا غير مألوف لموظفي الأممالمتحدة، لذلك اقتصرت المراقبة على ساعات النهار فحسب، وانسحبت بعثة الأممالمتحدة في اليمن في سبتمبر العام 1964 بعد أن قضت 14 شهرا فقط في البلاد، ولم تتوصل الحرب إلى حل سياسي حتى العام 1970. وتكرر سيناريو الفشل الأممي، مرة أخرى، خلال الحرب الأهلية في اليمن العام 1994، التي لم تختلف في بعض نقاطها الرئيسية عن حرب الستينات ولا عن الحرب الدائرة اليوم، حيث فشل المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي، في فرض وقف لإطلاق النار مثلما فشل جمال بنعمر في مهمته، في الحرب التي دقت طبولها في صيف 2014 وتشهد اليوم أوجها، ووصلت إلى حد فرض تدخل عسكري خارجي، تقوده السعودية، بمشاركة دول عربية تأتي في مقدمتها #مصر. أشار أوركابي، إلى أن التعقيدات السياسية والإقليمية اليمنية أثبتت وجود عقبات أمام عملية السلام وأمام المقترحات الدبلوماسية لكل من بانش والإبراهيمي وبنعمر، ويعتبر أن سبب هذا الفشل الرئيسي هو عدم التقاء دبلوماسيين دوليين بممثلين عن الحوثيين، على غرار مأزق الإمام بدر وأنصاره، ولا يبدو أن الممثل الأممي الجديد ولد الشيخ أحمد، سيحيد عن هذه الأجندة، حيث إنه وبعد أيام قليلة من توليه منصبه، زار نيويورك وباريس والرياض للتحدث مع دبلوماسيين أجانب، كما تحدث إلى الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي. ومن الواضح أن الشيء المفقود من جدول أعمال ولد الشيخ أحمد خلال زيارته لليمن هو إجراء لقاء مع ممثلين عن الحوثيين أو عن الحراك الجنوبي. وختم آشير، تحليله عن الفشل الأممي في مساعدة اليمن على حل أزماته من البداية لتجنب وقوع صراعات دموية، بإشارته إلى أن ولد الشيخ مهدّد بخطر الوقوع في نفس الفخ الذي وقع فيه سابقوه منذ الستينات والمتمثل في إهمال إشراك الجماعات السياسية اليمنية غير الرسمية. وأوضح أن اليمن لا يزال يمتلك القدرة على تجنب مصير بلدان أخرى في المنطقة غارقة في حروب أهلية مكلفة وطويلة الأمد، لكن تحتاج الأممالمتحدة إلى إعادة النظر في تاريخها في اليمن، قبل الشروع في بذل جهودها في عملية حفظ سلام جديد.