المدينة التي لن تركع (2): مأرب.. من جبهة مقاومة إلى نموذج دولة    وزراء خارجية 5 دول يرفضون خطة إسرائيل احتلال غزة    إيران.. ونجاح صفقة S-500 ودورها في تغيير موازين القوى (2)    ترامب يعلن تاريخ ومكان اجتماعه مع بوتين    تير شتيجن يستعيد شارة القيادة    سلة آسيا.. سوريا تتلقى الخسارة الثانية    مشجع اليابان التاريخي يعشق المعصوب    المدرسة الديمقراطية تكرم الصحفي حسن الوريث    الترب يعزّي في وفاة الشاعر والأديب كريم الحنكي    مهرجان القاهرة السينمائي يطلق «CAIRO'S XR»    هل يحذو محافظو محافظات الجنوب حذو المحافظ لملس في دعم المعلمين؟    العديني:تحويل مسار الخطاب الإعلامي بعيدًا عن مواجهة الانقلاب يصب في مصلحة المليشيا    رسميا: بوتافوغو البرازيلي يضم الحارس المخضرم نيتو    السهام يكتسح النور بخماسية في بطولة بيسان    وديا ... تشيلسي يتخطى ليفركوزن    مأرب تحتضن العرس الجماعي الأول ل 260 عريساً وعروس من أبناء البيضاء    وفاة ستة مواطنين بينهم نائب رئيس جامعة لحج في حادث مروّع بطور الباحة    السعودية ومصر ترفضان احتلال غزة وتطالبان بوقف الإبادة في القطاع    السامعي يوجه رسالة شكر وتقدير وعرفان لكل المتضامنين معه ويؤكد استمراره في أداء واجبه الوطني    مقتل ضابطين برصاص جنود في محافظتي أبين وشبوة    مسؤول إسرائيلي: نعمل على محو الدولة الفلسطينية    مستشفى الثورة… حين يتحوّل صرح العلاج إلى أنقاض    وزير التجارة يكشف أسباب تعافي الريال ويؤكد أن الأسعار في طريقها للاستقرار(حوار)    واشنطن: استقلالية البنك المركزي اليمني ضرورة لإنقاذ الاقتصاد ومنع الانهيار    هبوط العملة.. والأسعار ترتفع بالريال السعودي!!    إعلاميون ونشطاء يحيون أربعينية فقيد الوطن "الحميري" ويستعرضون مأثره    الفاو: أسعار الغذاء العالمية تسجل أعلى مستوى خلال يوليو منذ أكثر منذ عامين    القبض على 5 متورطين في أعمال شغب بزنجبار    الأمم المتحدة تعلن وصول سوء التغذية الحاد بين الأطفال بغزة لأعلى مستوى    الذهب يسجل مستويات قياسية مدعومًا بالرسوم الجمركية الأمريكية    الشهيد علي حسن المعلم    الإدارة الأمريكية تُضاعف مكافأة القبض على الرئيس الفنزويلي وكراكاس تصف القرار ب"المثير للشفقة"    الأرصاد يتوقع أمطار رعدية واضطراب في البحر خلال الساعات المقبلة    اشتباكات مسلحة عنيفة بين فصائل المرتزقة في عدن    تفشي فيروس خطير في ألمانيا مسجلا 16 إصابة ووفاة ثلاثة    فياريال الإسباني يعلن ضم لاعب الوسط الغاني توماس بارتي    اكتشاف معبد عمره 6 قرون في تركيا بالصدفة    دراسة تحذّر من خطر شاشات الهواتف والتلفاز على صحة القلب والشرايين!    في تريم لم تُخلق النخلة لتموت    إنسانية عوراء    يحق لبن حبريش قطع الطريق على وقود كهرباء الساحل لأشهر ولا يحق لأبناء تريم التعبير عن مطالهم    الراجع قوي: عندما يصبح الارتفاع المفاجئ للريال اليمني رصاصة طائشة    لماذا يخجل أبناء تعز من الإنتساب إلى مدينتهم وقراهم    وتؤكد بأنها على انعقاد دائم وان على التجار رفض تسليم الزيادة    وسط تصاعد التنافس في تجارة الحبوب .. وصول شحنة قمح إلى ميناء المكلا    تغاريد حرة .. عندما يسودنا الفساد    إب.. قيادي حوثي يختطف مواطناً لإجباره على تحكيمه في قضية أمام القضاء    القرعة تضع اليمن في المجموعة الثانية في تصفيات كأس آسيا للناشئين    محافظ إب يدشن أعمال التوسعة في ساحة الرسول الأعظم بالمدينة    عصابة حوثية تعتدي على موقع أثري في إب    الصراع في الجهوية اليمانية قديم جدا    دراسة أمريكية جديدة: الشفاء من السكري ممكن .. ولكن!    هيئة الآثار تنشر قائمة جديدة بالآثار اليمنية المنهوبة    اجتماع بالمواصفات يناقش تحضيرات تدشين فعاليات ذكرى المولد النبوي    مجلس الوزراء يقر خطة إحياء ذكرى المولد النبوي للعام 1447ه    حملة رقابية لضبط أسعار الأدوية في المنصورة بالعاصمة عدن    من أين لك هذا المال؟!    تساؤلات............ هل مانعيشه من علامات الساعه؟ وماذا اعددناء لها؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شيزوفرينيا "النخبة" العربية
نشر في البيضاء برس يوم 19 - 07 - 2016

كنت أتناول العشاء مع مجموعة من الزملاء والأصدقاء العرب، في أحد المطاعم في مدينة مراكش المغربية، حين جاءنا خبر وقوع المحاولة الانقلابية في تركيا، ليلة الجمعة الماضية. سقط الخبر على رؤوس الجميع كالصاعقة، إلا زميلا واحدا كاد أن يقفز فرحاً من مقعده، ويتمنى أن تنجح المحاولة الانقلابية، وهو ما أثار استغراب الحاضرين. ولولا أنه رأى وجوها متجهمةً أمامه، لربما رقص طرباً أمام الحاضرين.

قد لا يبدو غريباً أن تأتي ردة فعل الرجل على هذا النحو، خصوصاً أنه، كما عرفت لاحقاً، من ألد أعداء الإسلاميين في بلاده التي شهدت الثورة الوحيدة الناجحة في تجربة "الربيع العربي"، وإنما الغريب أن يدّعي هو، ومن على شاكلته، إيمانهم بالديمقراطية، إيماناً شرطياً أن تأتي بمن يرغبون إلى السلطة.

ليس موقف الرجل استثناءً، وإنما يعكس تياراً عربياً عريضاً، ينتمي، في معظمه، إلى النخبة بمعناها السياسي والثقافي والاجتماعي، وهو موقفٌ أقل ما يوصف به هو التناقض والشيزوفرينيا والنفاق الفكري، وهو تيارٌ حاضر معنا في معظم المناسبات والأحداث السياسية الكبرى التي تجري في المنطقة.

رأيناه في السابق، حين هلّل للانقلاب العسكري في مصر عام 2013، ورأيناه في الحرب الإسرائيلية على غزة صيف 2014، ونراه الآن في المحاولة الانقلابية في تركيا. وثمّة ملامح مشتركة لهذا التيار الذي يدّعي كل من ينتمون إليه اعتناق الإيديولوجيا الليبرالية أو اليسارية أو العلمانية.

أولها أنه تيار، على الرغم من تنوّعه وعدم تجانسه الفكري، إلا أنه لا يؤمن بمبادئ الديمقراطية التي يتعاطى معها حسب مزاجه، ويراها من منظورٍ انتقائيٍّ وظيفيٍّ وليس مبادئيا أو أخلاقيا. فهي إن جاءت بمن يؤيد السلطة، كانت واجباً مقدّساً يجب الدفاع عنه، وإذا حملت خصومه، لعنها واعتبرها كارثةً يجب التخلص منها. رأينا ذلك في مواطن عديدة، خصوصاً في مرحلة ما بعد الربيع العربي التي حملت الإسلاميين إلى السلطة، ما دفع خصومهم إلى السعي بكل قوة لإطاحتهم، كما حدث في مصر، وكاد أن يحدث في تونس.

"كشفت حالة الانفصام السياسي والأخلاقي لدى تيار عريض من النخبة العربية حجم العجز والتخبط اللذين تمر بهما مجتمعاتنا" .

ثانيها، أنه تيار إقصائي لا يؤمن بالتعدّدية أو التسامح في الخلاف الفكري والإيديولوجي، في وقت يرمي فيه خصومه بالإقصائية. وبالنسبة إلى كثيرين من أنصار هذا التيار، فإن حكم العسكر أفضل من حكم الإسلاميين، مهما كان اعتدالهم وبراغماتيتهم، ومنطق "الدبابة" أفضل من "صندوق الاقتراع"، طالما أتى بخصومهم الإيديولوجيين.

ثالثها، أنه تيار لا يمانع في سحق مخالفيه، بل ويهلل لذلك، تحت دعاوى متهافتة، وفق منطق إنهاء خطرهم المحتمل. وهو، هنا، يتجرّد من كل حسٍّ أخلاقي وإنساني، ويوفر غطاءً سياسياً للأنظمة العسكرية، من أجل التخلص من معارضيها. رأينا ذلك حين صمت كثيرون من هؤلاء "صمت الحملان" على مذابح ميداني رابعة والنهضة في القاهرة ومذابح حلب.

رابعها، أنه تيار يسعى، دائماً، إلى فرض وصايته على الشعوب، ويتعامل بكبر وغطرسة مع اختياراتها. ولا يعترفون بأن للشعوب إرادةً حرةً، تؤهلها لاختيار من يحكمها. ولتبرير ذلك، يدّعون تبنيهم خطاباً "تنويرياً" يسعى إلى تحرير الشعوب من ربقة الإيديولوجيا و"الاختيارات الخاطئة" حسب وصفهم. فالشعب، حسب منطقهم، "غير ناضج سياسياً"، ولا يعرف معنى الديمقراطية. لذا، يجب أن يتم الاختيار نيابة عنه.

خامسها، أنه تيار فاشل سياسياً وتنظيمياً، ولا يمتلك القدرة على مواجهة خصومه الأكثر تنظيماً. وتصبح أهم أدوات بقائه ليس بتقوية نفسه، وتوسيع قاعدة مؤيديه، وإنما بالمطالبة بالتخلص من معارضيه، باعتبارهم خطراً وجودياً يهدّد بقاءه.

سادسها، أنه تيار يعمد إلى قلب المفاهيم وتحويرها، كي تتناسب مع أهدافه ومصالحه. وهنا، يصبح انقلاب "3 يوليو" في مصر ثورةً، وانقلاب فصيل من الجيش التركي "انتفاضة"، ومجازر الأسد "تصدياً للمؤامرة" الكونية على سورية.

سابعها، أن كثيرين من المنتمين لهذا التيار إما مستفيدون من الأنظمة السلطوية القائمة، أو متعاونون معها، أو متواطئون مع جرائمها. وهم يفعلون ذلك، من دون خجل أو استحياء. وقد رأيناهم في مصر يتدافعون في خدمة السلطة العسكرية القائمة، ويبرّرون جرائمها وإجراءاتها السلطوية التي طاولت بعضاً ممن ينتمون إلى تيارهم الإيديولوجي نفسه، كما الحال مع اليساريين المعتقلين الآن.

يطالب هؤلاء، الآن، الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بالتحلي بالديمقراطية في التعاطي مع الانقلابيين في بلاده، وينتقدون الحملة التي يقوم بها من أجل تطهير المؤسسات التركية من المتورطين في التخطيط للانقلاب. في حين أنهم أنفسهم الذين انقلبوا على الديمقراطية في مصر قبل ثلاثة أعوام، وحرّضوا الجنرال عبد الفتاح السيسي على اقتلاع خصومهم، والتخلص منهم، تحت شعار "افرم يا سيسي".

ينزعج هؤلاء لاعتقال الحكومة التركية حوالى 6 آلاف شخص متورط في الانقلاب بشكل أو بآخر، ويتغافلون عن نحو 60 ألف شخص اعتقلهم النظام السلطوي الحالي في مصر. يدّعي هؤلاء، الآن، الحكمة والموضوعية والعقلانية والسعي إلى التوافق، وهم الذين رموا كل هذه القيم وراء ظهورهم، حين اختلفوا مع خصومهم، وقرّروا التصعيد مع الرئيس المعزول محمد مرسي، حتى تدخل الجيش وحسم الصراع لمصلحته.

كشفت حالة الانفصام السياسي والأخلاقي لدى تيار عريض من النخبة العربية حجم العجز والتخبط اللذين تمر بهما مجتمعاتنا، وهو ما يتطلب نخبةً جديدةً، تؤمن بالتوافق، وتدافع عن مبادئ الحرية والعدالة والديمقراطية، بغض النظر عن الاختلاف الإيديولوجي والفكري مع خصومها.

*خليل العناني
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية. عمل كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط، وباحثاً في جامعة دورهام البريطانية، وباحثاً زائراً في معهد بروكينجز


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.