مسكينة هذه المدينة .. لا ليلها ليل ولا نهارها نهار.. شهران انقضيا ويأتي بعدهما الثالث وسكانها على هذه الحالة البائسة من الخوف والقلق والفزع والسهر. لو قدر للضالع المدينة أن تنطق لصرخت بلحن حزين.. مكانني سهران.. فطر الخوف قلبي ,وأشعل في عروقي الفزع.. دوي التفجيرات و(لعلعة) الرصاص أطار النوم من عيون الساكنين، كثافة المواقع العسكرية والأمنية والدوريات ونقاط التفتيش، يكتم الأنفاس ويمنع الهواء من أن يدخل نوافذنا. أيها المتصارعون والمتقاتلون... دونكم شوارعي وحواريي .. إحرقوا أو تقرمدوا لا تجيئوا سمائي.. ففي الوديان والجبال مساحات شاسعة لإفراغ عبثكم وطيشكم وحقدكم وكرهكم.. دعوني وأهلي ننام بسلام لنصحو على فجر يوم مستقر.. كل المدائن ساكنة وأنا يسكنني الهلع، صبرت الكثير حتى مل الصبر من صبري، ترابي آسن من دماء الضحايا، ودياري مصدعة من الرصاص، وحاراتي مرعوبة من القصف ،وشوارعي ملت من الصراخ، وأنا على إبائي أهان ويجري تعذيبي بأيدي مهوسيين أدمنوا افتعال المعارك الوهمية، لا لتحقيق الانتصارات بل بكونها تدر عليهم الكثير من الأموال والميزانيات الطارئة. تعطلت مصالح الرجال.. وما عاد الأطفال يذهبون إلى مدارسهم..وحتى النساء ما عدنا يقدرن على نشر الغسيل على الأسطح وفناء المنازل. أيها العابثون.. ألا تعرفون من هي الضالع؟!، أنا المدينة الأولى التي كافحت الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، وكنت أول مدينة تشرق فيها شمس الاستقلال والتحرير. تربى في مهدي وحاراتي ثلة الرعيل الأول من الثوار والأبطال فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وما زلت المدينة المعطاءة ألد الرجال وأقود التغيير في الوقت الذي تخنع فيه الكثير من المدائن وتغط في نوم عميق. هذا تاريخي ، وهذه سيرتي الحافلة، فلماذا تعبثون بحاضري وتحيلونه إلى جحيم لا يطاق؟!.