شبكة البيضاء الاخبارية / الاسلام اليوم / بقلم طه بافضل أعني بهم أولئك الذين لا يروق لهم أن يروا إخوانهم ينافسونهم في العمل، مع أن العمل أياً كان شكله ونوعه، حق إنساني بالدرجة الأساس، وليس حكراً على فئة بعينها؛ فالربّ الخالق الرازق سبحانه أمر به في قوله: (وقل اعملوا) أي؛ جميعاً، بكافة طوائفكم وأشكالكم وألوانكم وجنسياتكم؛ فهي دعوة عامة للعمل، أما من هو الصادق، ومن هو المخلص، ومن هو الذي سيصل إلى الهدف، ومن الذي سيحقق برنامجه ومشروعه النجاح كاملاً أو جزئياً فهذا مردّه الى حكم الشهود الذين نصبهم الإله الحق ليكونوا شهداء على الناس في مسيرتهم ودأبهم وطريقتهم (فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً).فهي مسألة عامة، ومساحة واسعة من العمل والاجتهاد والنتيجة لمن كان محققاً لنواميس السنن الكونية، ولمن عرف الموازين الإلهية، وخبر الحياة البشرية بكافة تقلّباتها وتعرّجاتها وصداماتها، وقرأ مسيرة البشر على مدى تاريخهم المليء بالأحداث المكتظة بالتوافقات والمتناقضات وبالصراعات والنكبات والدمار.. المهم أنها مسيرة حافلة بالكثير والكثير من المشاهد المتنوعة والهادفة إلى تحقيق الوجود على هذه المعمورة.هذا الفهم الواعي للمعطيات العملية في الواقع تدفع العقلاء إلى التعامل مع المنافس بروح إيجابية فاعلة ومتحركة ومتمثلة لكل القواعد العملية التي من شأنها الدفع بعجلة الرقي والنمو للجماعة المنضوي تحت لوائها؛ فالهدف هو تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب والرقي بل والتربع على قمة المجد والسؤدد الذي هو ليس حكراً على أحد بعينه، بل هو لمن حقق وعمل بالأسباب الموصلة إليه.أما مسألة أن يتعامل الناس بفكر إقصائي على طريقة الأنا القاتلة؛ "فالأنانيون في كل مجتمع لعنة ماحقة، تحترق في سعيرها الفضائل والمصالح، وتذوب في مرضاتها الأفراد والجماعات"، على طريقة الإقصاء؛ حتى يخلو لهم الجو والميدان ليعبثوا ويلهوا فيه كيفما أرادوا، ولكن للأسف على حساب الآخرين الذين تم سحقهم أو تنحيتهم أو التضييق عليهم، بالوشاية أو التآمر أو الدسّ أو الكيد، فهذه وسائل لن توصل أحداً إلى هدفه، حتى وإن وصل، فإن وصوله إلى ما أراد، هو بحد ذاته كارثة عمياء على الوطن والأمة برمتها.إن الإقصاء المتعمد للآخرين، والذي تعتمده أشكال متعدّدة من الطيف السياسي بثوبها العلماني أو الشيوعي أو الإسلامي هو أسلوب فاشل وسيئ للغاية ونتائجه ماثلة للعيان في واقع الحياة، لا تحتاج لميكروسكوب لتوضيحها أو تقريبها للرائي؛ فهي تتحدث باللغة الفرعونية المتغطرسة الحمقاء (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى)، وبالطريقة الدكتاتورية التي عفى عليها الزمن، لتقع في شراك التيه والتخبّط والتهوّر في كثير من خطواتها ومساعيها.لكن الأسوأ أن يأتي هذا الإقصاء ممن تزيّن بزيّ التديّن والشريعة، وهم فئة ما كان لهم أن يتعاملوا مع إخوانهم ومن هم على تقارب معهم في المفهوم العام للتدين والانضباط بالضوابط الشرعية من يزعمون أنهم يمثلون الدين، ومن يسعى للوصول إلى الحل المخلص للأمة من نكباتها وآلامها، عن طريق صندوق الاقتراع بطريقة الديموقراطية العفنة.إن هذا السلوك الغريب من هذه الفئة يقوّي دعائم الفشل في مسيرتها السياسية والإصلاحية، ويوقعها في حلقة مفرغة من دوّامة الملاحقات وحياكة التآمر والتدمير والتفشيل لمن يرونهم أخطر من منافس ظالم باغ، أو متحرّر من قيود الشريعة!! بل العجيب أن تجد جرثومة الإقصاء، تدبّ في فصائل هذا التنظيم الإقصائي نفسه! ليتشتت أوزاعاً بين صقور وحمائم وأذيال لا تجد لها إلاّ التمايل بين الاتجاهين.ما نعانيه اليوم لن يبعد كثيراً من تنازع محموم ولهث خلف سراب ضائع لا يروي العطشان، ولا يشبع الجوعان، بل يهلك الحرث والنسل، ويطيل مدة الوصول إلى مستقبل يحقق للجميع التطلّعات والآمال.فكم يا ترى بعد هذه المقدمة المخزية ستكون المدة؟!