ننتظر ميلاد وطن، لأن اليمن لاتزال تحمل وعدها، حبلى بالتحول... بالبرق وبالرعود... وعندما تنطلق صوب المخاض، عندها لن يستطيع أقزام جنح الليل مطاردة ولادة صبح الحياة الجديد. ماذا فعلنا بكم حتى تلحقوا بنا كل هذا الأذى؟... وماذا بعدك أيها الرئيس؟ كتبت ذات يوم، وتحديداً منذ ثلاث سنين عجاف، من أصل ثلاثون اُخرى مثيلات لها، ما أعتبره اليوم إلهاماً طرياً اُهديه إلى شباب الحرية في ساحات التغيير... ماذا بعدك أيها الرئيس؟ في الأفق البعيد، أرى عاتيات تتناسل سحب مخضبة بالإخصاب، عند بشرى وصولها سنشرّع مواسمنا الخضرآء عبر إمتدادات الأحلام... من بدايات نزع الوجع حتى نهايات اليقين. ننتظر ميلاد وطن، لأن اليمن لاتزال تحمل وعدها، حبلى بالتحول... بالبرق وبالرعود... وعندما تنطلق صوب المخاض، عندها لن يستطيع أقزام جنح الليل مطاردة ولادة صبح الحياة الجديد. بعدك... ستنهض اليمن من خرائبها... وسنسبح حمداً لأنامل قدتك من صلصال قابل للتحلل إلى زوال... وحين يتفسخ كل ماحولك، سنسبح أيضاً تلك القدرة البديعة التي فصلتك كساعة رملية، تستنفذ ذاتها في ذاتها حتى الصفر. - سنتذكرك مجرد حادث عرضي... كطاعون انفلت عبثاً من أسمال بالية، حملت في ثناياها من القذارات ما لايجوز ذكره. ليس لأنك لست منا... بل لأنك لم تمنح الصبح فرصة! - تربعت على عرش من الزَّبد الوهمي، تعتصر خمراً عذابات الإنسان الجريح، وتشارك الأمر من يتلهون بالبصق في وجه حرية جمهوريتنا الموءودة. تحت هذه السماء، في وطن خيّر مغروس وسط ثروات لاحصر لها من المناهل، والجبال، والمناجم الراقدة بسهوله في سبات أهل الكهف. وطن أوتي من كل شيء، ومن الممكن ان يكون المصدر الأول بدون منافس لمكونات غابات الإسمنت المسلح، تلك التي تناطح عنان السحب في شبه الجزيرة كلها - حتى القرب فقط يؤهله للمنافسة. صناعات كان من شأنها أن تثري حساباتك السويسرية أكثر، وتبعد عن أيادي عمالة اليمن، العاطلة والرخيصة رخص التراب، على الأقل شبح الجوع. لكنك فاجئتنا ذات يوم أننا على أعتاب "ثورتك الدخنية وصيد الوزف". عن أي دخن وصيد كنت تهرف؟!، في حين أنك لم تخرج بعد من عصرك الحجري، تأتينا شاحباً، هزيلاً، شاحتاً فتاتاً منقوصاً من صدقات أيادي الغير، فتمني الأميين أمثالك زوراً الدخول في عصر الدخن، تلك الزراعة التي سيجتها بالجحيم، والغوص البدائي الذي منعت عنه التنفس. - حتى عهد الدخن أنت غير قادر عليه، وغير مؤهل له، بل نتحداك أن تعيد بعض الوضع الذي اتيته، مهما كان متواضعاً، وهو عامر على أحسن حال، قبل أن تسيس الكهل وتعسكر الرضع! منذ ان سحبت الوطن من تحت اقدامنا، لاحشرجة لك يمكنها أن تبرر الأفعال التي سحقت ألق وجودنا فوق هذه الأرض، ولا شيء يشفع لجريمة إغتصاب وتحريف "ثورة" إلى "ثروة". - وبالتحديد: ثروتك أنت! - وقبل إنتهاء موسم خصي الرجال، ومطاردة الحكايات الشعبية عن الشجعان، سنشعل الف سؤال وسؤال. ... ماذا فعلنا بكم حتى تلحقوا بنا كل هذا الأذى؟ ذلك هو سؤالنا الأول ولن يكون الأخير، ولسوف يأتي اليوم الذي تسألون فيه عمّا كنتم تعملون؟!... كما أنه نفس سؤال أرملة ثكلى انتحبت بمرارة امام عدسة فضائية، وسيظل سؤالها - إلى الأبد - مدوياً في الضمير والآذان، لتضيف: كيف يظل الناس على إنتمائهم - ويخيل لي أنها قالت إيمانهم - وذلك الفندم يطبخ لنا الكارثة تلو الكارثة على مدى ثلاثين عاماً؟ - لاعليكِ يا أُماه، الكل ينتظر سفور الآلام عن وجوهنا الصفراء من تعب الكوابيس. - إن شاء الله، ستتقدمين الجمع، كل الجمع، شباباً وكهولاً إلى الوطن المرتجى، منتفضين على الآلام، خالعين قمصان العويل والبكاء، لتعانقين الهواء القادم من فضاءات بِكر ما زالت تحفظ نقاوة اسلافنا. فالتاريخ يا أُماه، مليءٌ بسقوط الروايات الملفقة، وإهتراء ترسانات الحديد المتكئة على شرعية اساطير مصطنعة... لاعليكِ، وعدالة السمآء أنه سوف يرحل رغم انفه، ومعه المفتونون بممارسة طقوس الشذوذ على جثث المطحونين. - قري عيناً، لن تكنسنا الأحقاد يوم إحتشادنا.. إحتشاد الضحايا... بل، الإنسان المعذب بالأصفاد سيكنس وحل اليوم، كما تكنس المدن القمامة العفنة من أرضها وتطهرها من الأوبئة. صلي معنا - يا أُماه - من أجل الخلاص ودقي على أبواب وجدران الله... نعم، أيقضي سكون هذا السديم، لأن عروش الفراعنة تهتز عند مناجاة رب العرش العظيم، كما أن قيود القتلة تذوب أمام نشيد الشعوب الهادرة والطالعة إستدعاءاتها من أعماق التاريخ. بعدك... سوف تمطر سماؤنا - مرةً اخرى - عرساً للأرض يلغي نشاز أوتار الكون... عرساً يملأ أقداح الدنيا خيراً وعطآءً وحياةً وصلوات. بعدك... ستزرع الصحراء حدائق أمنها الغذائي، قمحاً وعنباً ونخلاً وابداعاً وإنتاجاً وعلماً وفخراً... وسيكون لنا أيام ومهارات وصناعات ونهارات جديدة ساطعة بالشموس تؤدي الى الجنتين... أرض أولوا القوة وأولوا البأس والحكمة... إلى وطن يشبه تاريخه على مر الأزمان. بقلم العملاق /عبدالله عبدالكريم فارس