دشن اليمنيون أولى أيام تاريخهم المعاصر نحو حياة مدنية حديثة يسودها الدستور والقانون ذا اقتصاد قومي قوي واستقلالية السيادة والقرار السياسي منذ الثامنة صباح اليوم بتوجههم إلى صناديق الاقتراع لانتخاب المشير عبدربه منصور هادي كمرشح توافقي رئيسا للبلاد لمدة سنتين بحسب المبادرة الخليجية واليتها التنفيذية والتي من المقرر ان يتم خلالهما إجراء العديد من الإصلاحات السياسية والاقتصادية وإعادة هيكلة قوات الجيش والأمن وغيرها من القضايا. . ويطوي اليمنيين بعد ساعات صفحة سوداء من الحكم العائلي الكهنوتي المتخلف الذي جثم على صدورهم 33 عاما هي فترة حكم الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح وبعد عام كامل من الدماء والشهداء على ساحات مختلفة من البلاد أجبرته أخيرا بالتنازل عن عرشه لنائبه مقابل حصانه تمنحه عدم الملاحقة القانونية عن جرائمه بحق شعبه. وتدعم قوى محلية وإقليمية ودولية الانتخابات الرئاسية المبكرة في اليمن بقوة للخروج به من المأزق الحالي ويرى الكثيرون ان نجاح الانتخابات هي الحل الوحيد للقضاء تماما على نظام صالح وخلاياه النائمة وللشروع في عملية التغيير الشاملة وتحقيق أهداف الثورة الشبابية والشعب اليمني كافة وفي مقدمتها الانتقال السلمي للسلطة وظمآن تداولها مستقبلا وفقا للنظام والقانون . ويستبشر الشارع اليمني بتحول جديد لمجرى الحياة اليمنية إلى الأفضل وتحديدا شريحتي لشباب والنساء اللذين يعتبرا ان حكم صالح وضعهما في خانة المنسيين طيلة حكمه واتجه إلى خطب ود القبائل والعسكريين من المقربين وذوي الجاه والقوة ما يعني تهميش كافة حقوقهم وبلا استثناء . وتقول رويدا محمد وهي ناشطة شبابية ان نظام صالح همش دور الشباب والنساء واعتمد على العسكريين والمشايخ كونه ينحدر من هذه البيئة وكان يحس دائما ان الشباب المتعلم يشكل خطرا كبيرا على نظام حكمه المتخلف فيما كان ينظر إلى المرأة بانها لا تعدوا كونها صوت انتخابي لا اقل ولا أكثر . ويعتلي القائد العسكري المنحدر من جنوباليمن عبدربه منصور هادي سدة الحكم في اليمن في انتخابات هو المرشح الوحيد فيها بعد أن توافق على اختياره أطراف الصراع في اليمن نتيجة اتفاق ترعاه دول الخليج العربية لإنقاذ اليمن من حالة انهيار الدولة والدخول في حرب أهلية. ويتوج هادي (66 عاما) كأول رئيس جنوبي بعد أن نجح في الوقوف على مسافة متساوية من أطراف الصراع طوال عام من الاحتجاجات المنادية بتنحية الرئيس علي عبدالله صالح عن الحكم مما أكسبه ثقة المعارضة والشارع. ولعل إعادة صياغة الوحدة بما يرضى الطرفين في الشمال والجنوب المطالب غالبيته بفك الارتباط الذين يشتكون ظلما وتمييزا منذ عام 1990 عندما دخلت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية في وحدة اندماجية اتفق عليها طرفي العملية السياسية في الشطرين . كما ان الأمن والقضاء على القاعدة التي أوجدها النظام السابق للقضاء على خصومه السياسيين وابتزاز الدول الإقليمية والدولية وكذا القضاء على الثارات والاقتتال القبلية وحل قضية صعدة بعد ستة حروب ظالمة نفذها النظام السابق على أهاليها مؤخرا . ويرى اقتصاديون ومتخصصون ان أهم التحديات التي تواجه هادي هي إعادة البناء الاقتصادي الذي تدحرج الى أدنى مستوياته نظرا لعدم الاستقرار السياسي وانتشار الفساد والرشوة وانعدام الرقابة نتج عنه مشاكل معيشية جمة وضاعف من حدة الفقر والبطالة لدى اليمنيين . وارتفعت نسبة البطالة ووصلت حسب بعض التقديرات إلى نصف عدد السكان القادرين على العمل، وارتفعت معدلات الفقر إلى مستويات قياسية فنحو 70 % من السكان يعيشون بأقل من دولارين يومياً، يقابلها تراجع احتياطات البلاد من النقد الأجنبي إلى نحو (4,5) مليار دولار، وفقد اليمن 31 % من الناتج المحلي الإجمالي على خلفية تعطل عمل المؤسسات وتوقف السياحة، وتراجع إنتاج النفط. وقالت تقديرات لخبراء اقتصاد محليين ودوليين إلى أن اليمن بحاجة إلى 15 مليار دولار في السنوات الثلاث المقبلة لتثبيت الأوضاع الاقتصادية، وهم رقما خياليا بالنسبة للكثيرين في ظل النتائج الهزيلة التي خرج بها مؤتمر دول المانحين في 2006 وأصدقاء اليمن في 2010. ورغم ذلك تبقى الآمال المعلقة على الدعم والمساندة الخارجية كبيرة في الانتقال السلمي للسلطة في اليمن وبناء الدولة المدنية الحديثة حيث اكد جون برينان، مستشار الرئيس الأمريكي باراك اوباما لشؤون الأمن القومي الأمريكي دعم بلاده لمستقبل اليمن وقال في رسالة حملها من اوباما لهادي"يقاوم الناس العنف ويتوحدون تحت قضية مشتركه. أريدك ان تعرف ان الولاياتالمتحدة ستكون شريكا قويا ويعتمد عليه." بالمقابل دعا مرشح التوافق الوطني للانتخابات الرئاسية اليمنية المبكرة عبد ربه منصور هادي الشعب اليمني إلى توحيد الكلمة ورص الصفوف في مواجهة كل التحديات، كما أكد أن مصلحة البلاد كانت السبب في قبوله بالمهمة التي ألقيت على عاتقه. وقال في كلمة وجهها للشعب اليمني البارحة "هذه الانتخابات كانت الوسيلة الوحيدة والفعل الضروري للحفاظ على اليمن من أن يتفكك ودماء اليمنيين من أن تسفك، ومخاوف كهذه هي من حفزت كل القوى الفاعلة والخيرة في البلد لإعلان مواقفها الداعمة للانتخابات حتى لا يكُونَ المستقبلَ حافلاً بأسبابِ الخطر". وأرجع نجاح اليمن في حلحلة الأزمة إلى "تعاون الأشقاء في دول الخليج.. وكذا الدول الصديقة ممثلة في الاتحاد الأوربي والولاياتالمتحدة والصين وروسيا" ودعا هادي الشعب إلى الحوار باعتباره "هو القادر وحده على كبح جماح التطرف وغلو المزايدين"، وشدد على أن القضية الجنوبية بِتداعِياتِها وما حدث ويحدث في صعدة وبعض المديريات أولويات تستدعي إعطائها الأولوية والوقوفِ أمامها. وكشف أنه تم التوافق بين جل المكونات السياسية والمجتمعية، وبِمباركة إقليمية ودولية على أن تكون فاتحة المرحلة الثانية بعد الانتخابات هي الدعوة لمؤتمر وطني يضع الأساسَ لبناء يمن المستقبلِ". وشدد على أن تداعيات الأزمة تضطر اليمن إلى طلب العون من الأشقاء والأصدقاء، وقال :"لهذا فإننا نجدد طلبنا من الدول الشقيقةِ والصديقةِ للإسراعِ في تبني الدعم العاجل لليمن من خلالِ تحريكِ ما تم رصده في مُؤتمرِ المانحين وأصدقاء اليمن". ويبلغ عدد الناخبين أكثر من 10 ملايين ناخب وناخبة بأصواتهم فى الانتخابات الرئاسية المبكرة وفقا لمبادرة مجلس التعاون الخليجى لحل الأزمة اليمنية وآليتها التنفيذية المزمنة والموقعة من قبل الأطراف السياسية اليمنية فى العاصمة السعودية الرياض خلال نوفمبر الماضي والمدعومة بقرار مجلس الأمن الدولى رقم 2014 للعام 2011. ويشارك فى إدارة الانتخابات 21 لجنة إشرافية و301 لجنة أصلية و28 ألفا و742 لجنة فرعية إلى جانب 732 لجنة فرعية إضافية خصصت لاستقبال الناخبين المتواجدين فى غير مواطنهم الانتخابية، وكذا 168 لجنة فرعية إضافية خاصة بالنازحين من أبناء محافظتى صعدة وأبين. ويصل إجمالى العاملين فى كافة اللجان الانتخابية 89 ألفا و892 عضوا، فى حين يتولى أكثر من مائة وثلاثة آلاف ضابط وجندى من الجيش والشرطة حماية اللجان والمراكز الانتخابية بما يكفل سير عملية الاقتراع فى أجواء آمنة. ويبلغ عدد الناخبين المسجلين فى الجداول الانتخابية عشرة ملايين و243 ألفا و 364 ناخبا، منهم أربعة ملايين و348 ألفا و485 ناخبة.. بينما استحدثت اللجنة العليا للانتخابات فى هذه الانتخابات نظاما تقنيا خاصا بهدف ربط لجان الاقتراع بمركز معلومات بيانات الناخبين فى المقر الرئيسى للجنة العليا، وذلك بهدف تمكين الناخبين المتواجدين فى غير مواطنهم الانتخابية من الاقتراع، فضلا عن تسجيل من بلغوا السن القانونية من غير المسجلين فى جداول الناخبين وتمكينهم من المشاركة فى الإدلاء بأصواتهم فى نفس يوم الاقتراع، وذلك استنادا على وثائق إثبات الهوية الشخصية. ولوحظ إقبالا كبيرا على الاقتراع خلال الساعات القليلة الماضية رغم تهديدات ومقاطعات وواضح الصحفي سعيد ثابت ان ذلك يبرهن شعور اليمنيين بواجبهم إزاء الخروج بالبلاد من المشاكل الراهنة وافتتاح عهد وتأكيدهم على دفن نظام صالح إلى الأبد الذي عانوا منه كثيرا .