محاولة اغتيال لشيخ حضرمي داعم للقضية الجنوبية والمجلس الانتقالي    الحزب الاشتراكي اليمني سيجر الجنوبيين للعداء مرة أخرى مع المحور العربي    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    احتجاجات للمطالبة بصرف الراتب في عدن    "تسمين الخنازير" و"ذبحها": فخ جديد لسرقة ملايين الدولارات من اليمنيين    الكشف عن آخر التطورات الصحية لفنان العرب "محمد عبده" بعد إعلان إصابته بالسرطان - فيديو    دورتموند يقصي سان جرمان ويتأهل لنهائي دوري أبطال أوروبا    ذمار: أهالي المدينة يعانون من طفح المجاري وتكدس القمامة وانتشار الأوبئة    ردة فعل مفاجئة من أهل فتاة بعدما علموا أنها خرجت مع عريسها بعد الملكة دون استئذانهم    اعلامي مقرب من الانتقالي :الرئيس العليمي جنب الجنوب الفتنة والاقتتال الداخلي    نيمار يساهم في اغاثة المتضررين من الفيضانات في البرازيل    دوري ابطال اوروبا: دورتموند يجدد فوزه امامPSG    قصة غريبة وعجيبة...باع محله الذي يساوي الملايين ب15 الف ريال لشراء سيارة للقيام بهذا الامر بقلب صنعاء    إهانة وإذلال قيادات الدولة ورجالات حزب المؤتمر بصنعاء تثير غضب الشرعية وهكذا علقت! (شاهد)    زنجبار أبين تُودّع أربعة مجرمين... درس قاسٍ لمن تسول له نفسه المساس بأمن المجتمع    اتفاق قبلي يخمد نيران الفتنة في الحد بيافع(وثيقة)    شبكة تزوير "مائة دولار" تُثير الذعر بين التجار والصرافين... الأجهزة الأمنية تُنقذ الموقف في المهرة    الأمم المتحدة: لا نستطيع إدخال المساعدات إلى غزة    صنعاء.. إصابة امين عام نقابة الصحفيين ومقربين منه برصاص مسلحين    وداعاً صديقي المناضل محسن بن فريد    البنك المركزي اليمني يكشف ممارسات حوثية تدميرية للقطاع المصرفي مميز    وزير المياه والبيئة يبحث مع اليونيسف دعم مشاريع المياه والصرف الصحي مميز    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34789 شهيدا و78204 جرحى    قيادات حوثية تتصدر قائمة التجار الوحيدين لاستيرات مبيدات ممنوعة    فرقاطة إيطالية تصد هجوماً للحوثيين وتسقط طائرة مسيرة في خليج عدن مميز    الاتحاد الأوروبي يخصص 125 مليون يورو لمواجهة الاحتياجات الإنسانية في اليمن مميز    أبو زرعه المحرّمي يلتقي قيادة وزارة الشؤون الإجتماعية والعمل    مركز الملك سلمان للإغاثة يدشن توزيع المساعدات الإيوائية للمتضررين من السيول في مديرية بيحان بمحافظة شبوة    ارتفاع اسعار النفط لليوم الثاني على التوالي    العين يوفر طائرتين لمشجعيه لدعمه امام يوكوهاما    ريال مدريد الإسباني يستضيف بايرن ميونيخ الألماني غدا في إياب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    تنديد حكومي بجرائم المليشيا بحق أهالي "الدقاونة" بالحديدة وتقاعس بعثة الأمم المتحدة    الأمم المتحدة: أكثر من 4.5 مليون طفل في اليمن خارج المدرسة مميز    مجلس النواب ينظر في استبدال محافظ الحديدة بدلا عن وزير المالية في رئاسة مجلس إدارة صندوق دعم الحديدة    باصالح والحسني.. والتفوق الدولي!!    هل السلام ضرورة سعودية أم إسرائيلية؟    وصول باخرة وقود لكهرباء عدن مساء الغد الأربعاء    طلاب تعز.. والامتحان الصعب    كوريا الجنوبية المحطة الجديدة لسلسلة بطولات أرامكو للفرق المقدمة من صندوق الاستثمارات العامة    الهلال يهزم الأهلي ويقترب من التتويج بطلا للدوري السعودي    الرئيس الزُبيدي يبحث مع مسئول هندي التعاون العسكري والأمني    دار الأوبرا القطرية تستضيف حفلة ''نغم يمني في الدوحة'' (فيديو)    صفات أهل الله وخاصته.. تعرف عليها عسى أن تكون منهم    وتستمر الفضايح.. 4 قيادات حوثية تجني شهريا 19 مليون دولار من مؤسسة الاتصالات!    شاهد: قهوة البصل تجتاح مواقع التواصل.. والكشف عن طريقة تحضيرها    ضجة بعد نشر فيديو لفنانة عربية شهيرة مع جنرال بارز في الجيش .. شاهد    البشائر العشر لمن واظب على صلاة الفجر    الشيخ علي جمعة: القرآن الكريم نزَل في الحجاز وقُرِأ في مصر    البدعة و الترفيه    حقيقة وفاة محافظ لحج التركي    تعز: 7 حالات وفاة وأكثر من 600 إصابة بالكوليرا منذ مطلع العام الجاري    ها نحن في جحر الحمار الداخلي    يا أبناء عدن: احمدوا الله على انقطاع الكهرباء فهي ضارة وملعونة و"بنت" كلب    الثلاثاء القادم في مصر مؤسسة تكوين تستضيف الروائيين (المقري ونصر الله)    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زّخات متناثرة في ذكرى مرور 40 عاماً على استشھاده: عبد القادر سعید.. زعیم وطني لزمن لم یأِت بعد
نشر في الاشتراكي نت يوم 09 - 06 - 2014

ما الذي نستنتجھ عندما یصفھ مفّكر یمني كبیر ومناضل صلب كالأستاذعبدالباري طاهر ب «إنھ جزء أصیل من الضمیر والوجدان الوطني. ویُجمع كلمن عرفوه على أنھ رجل المھمات الاستثنائیة بامتیاز، في حین إن حضورهالفرید بین أوساط العمال والمثقفین والطلاب والتّجار والعسكر والوجھاء ساهمكثیراً في انتشار شعبیة الحزب الدیمقراطي ووفرة المنتمین النوعیین إلىصفوفھ».
وماذا یمكننا أن نفھم من وصف «حكیم أدباء الیمن» الأستاذ أحمد قاسم دماجالذي كان حاضراً لحظات زفاف جسده المسموم إلى الرفیق الأعلى حینما قال:«كان عبد القادر سعید حیویاً وعمیقاً، ومثقفاً من طراز نادر، كما تمتاز مھارتھبالتوازن الھادف والنقد الذاتي والاحتواء، وتلك البدیھة العقلانیة والعاطفیة التيكالبرق».
وما الذي كان یرمي إلیھ الشھید جار الله عمر قبل أن یغادر زمن وطن مازالواقفاً عند عتبات الفجر منذ بضعة عقود، وكأنھ كان على یقین بدنو الفراق الذيتأجل مرات عدة فأراد أن ینقل وصیة تاریخیة لا یجب أن تتأخر حین انبرىمختزلاً شھادتھ: أقول للتاریخ إن عبد القادر سعید، كان الرجل الأكثر نضجاً والأكثر تطوراً منا جمیعاً.
ثمة شھادات مھمة أخرى سنأتي علیھا في ثنایا هذه الشذرات المتناثرة في ذكرى مرور 40 عاماً على استشھاد زعیم وطنيلزمن لم یأِت بعد هو الشھید عبد القادر سعید أحمد طاهر الذي رحل كعشرات العظماء قبل الأوان.
توطئة لا بد منھا قبل بضعة سنوات كتبت مقالة قصیرة بعنوان «عبد القادر سعید... ماذا تبقى من سیرتھ النضالیة النادرة؟» نشرتھا صحیفةالثوري وفیھا دعوت كل من كانت تربطھ صلة بالفقید من رفاق دربھ في النضال السیاسي أو النقابي أو معاصریھ فيالحركة الوطنیة أو من أصدقائھ الذین عملوا معھ خلال عقد الستینیات وبدایة عقد السبعینیات الكتابة عما یعرفونھ عنھ براءةللتاریخ والذمة.
لكن و یا للأسف الشدید ذهبت دعوتي تلك أدراج الریاح باستثناء أربعة مقالات لم تُكتب ممن كنت أنتظر منھم المبادرةبتذكر رحلاتھم النضالیة وغیرها من المواقف التي لا یجب أن یطمرها النسیان عن الشھید عبد القادر سعید، وإنما أربعةمقالات من جیل ولد في فترة نضال الشھید عبد القادر سعید نحو الكاتب أمین محمد شرف أو جیل ولد بعد رحیلھ نحومقالات للزملاء الرائعین (خالد عبد الھادي، وفتحي أبو النصر، وأحمد عثمان)، وبات واضحاً أن هذین الجیلین أكثر وفاًءمن المجایلیین أكانوا رفاقاً أم كتّاباً لھذا الزعیم الوطني العابق حبھ في قلوب المستنیرین من شرفاء الوطن ومثقفیھ الحقیقیین.
ولھذا لا غرابة إن وجدت ثمة مفردات أو جمل أو أفكار مقتبسة من مقالتي (أبو النصر، وعبد الھادي) في سیاق هذه المادةمن قبیل الاتفاق معھما على تأصیل ما بلغنا أو وصلنا من بقایا زخات أسفار هذا المناضل الذي یُظلم وهو میت شھید أكثرمما ظُلم وهو حي مناضل.
أهمیة الكتابة عن عبد القادر سعید إن إعادة الكتابة عن الشھید عبد القادر سعید، وغیره من رموز الحركة الوطنیة تعتبر في جوهرها محاولات ضئیلة لتطھیرتاریخنا القریب مما لحقھ من طمس وتحویر وتزیف ممنھج اضطلع بھ الذین حكموا هذه البلاد خلال العقود الثلاثة الأخیرةفعاثوا فیھا الفساد.
لقد أتوا على كل تاریخ الحركة الوطنیة.. طمسوا جل معالمھ.. زیفوه.. وشوهوا حقائقھ إلى حد تمكنوا فیھ من خلق قطيعة سواء بین حقائق الأحداث، وعامة الناس التي عاصرت تلك الحقائق أو بینھا والجیل الذي تلاها.
ومن نتائج تلك القطیعة إنھم تمكنوا من الاستمرار ما یقارب العقود الأربعة في السیطرة على حكم البلاد ورقاب العبادبالعنجھیة، والغطرسة، والجھالة، واستنزاف الثروات والأموال، ووأد فرص التحول، وشروط ممكنات التطور التي كانتتُتاح من وقت إلى آخر.
إن أیة قطیعة لجیل مع ما سبقھ من حقائق وقعت تجعلھ غیر قادر على الانطلاق صوب المستقبل لكون المنطلقات التي یجبأن ینطلق منھا تكون مزیفة غیر صحیحة فوعیھ مشدود بإرث مشّوه یصعب الفكاك منھ، یستحیل إزاءه أن یتنازل عن ذلكالإرث حتى وإن خسر في سبیلھ كل شيء.
ونحن معشر الكتّاب وقبلنا رموز الاستنارة والتنویر من رواد الصحافة الرسمیة نتحمل المسؤولیة التاریخیة عن استمرارتلك القطیعة بین هذا الجیل وما سبقھ من حقائق الأحداث.
من هذا القبیل وفي تصوري وكثیرین یقفون إلى جانبي لسنا مستعدین لأن تبقى هذه القطیعة قائمة عندنا ما دمنا قریبین منالجیل الذي سبقنا، وقادرینا على إبطال ما زیف أو إظھار ما ردم من تاریخ وسیر مناضلین صدقوا ما عاهدوا الله علیھ،خصوصاً، وان كثیراً من معطیات الأحداث قد أثبتت صحة ما وصل إلینا من أنباء الوقائع التي راح ضحیتھا الكثیرون منخیرة أبناء هذا الوطن الذي یعد الفقید عبدالقادر سعید طاهر واحداً منھم.
فلمصلحة من تبقى سیرة واحد من أهم رجال التحدیث، والحوار الوطني، والنضال في صفوف الحركة الوطنیة الحدیثة فيالیمن مغیّباً كل هذا التغییب؟ لھذا سأغامر في كتابة هذه المادة على نحو مغایر لما سبق أن كتبتھ عن (الشھید) وعن كتابات آخرین.. سأكتب كتابة تقومعلى استقراء المعالم الواضحة من معطیات التحولات التاریخیة التي كان الشھید مشاركاً في تشییدها مع من شیدها، وعلىطبیعة الصیرورة الزمنیة لحركة الأحداث التي وقعت، وكان حاضراً داخلھا بقوة، وعلى من رثاه من الشعراء الكبار، أووصف جنازتیھ سواء الحقیقیة في تعز أو الرمزیة في عدن، وعلى شھادات الذین عاصروه.. كیما أقف بالقارئ أمام الملامحالباقیة من الزخات المتناثرة لسفر نجم كان هناك یقود البحر إلى ذاَت حیِن غایاٍت كبیرٍة من أجل أن نأتي نحن هذا الجیل، وقدقُطع شوط كبیر في مسار التغییر الذي ما نزال نحلم بھ وننشده.
وامتثالاً لما قالھ (صندوق الیمن) وفقید الحركة الوطنیة المناضل الكبیر عمر الجاوي: (والذین یحبون الحركة الوطنیة الیمنیةویناضلون من أجل ازدهارها، علیھم أن یدرسوا مآثر وحیاة هذا الشاب الفذ "عبد القادر سعید أحمد طاهر" حتى یتمكنوا منالاستفادة منھا في الظروف التي نعیش. لقد كان رسول سلام بین الحركة الوطنیة بكل الصفات الشاملة. ولذا یتطلب وضعتجربتھ أمام الجماهیر لدراستھا والاستفادة منھا. !!)(2) ، ومن هذه الجملة الأخیرة التي یطالب مناضل كبیر بحجم الأستاذعمر الجاوي وضع تجربة المناضل عبد القادر سعید أمام الجماهیر لدراستھا والاستفادة منھا نكتشف أهمیة الكتابة عنھ.
ولكن ماهي الكتابة التي یجب أن ننتقي نوعھا ونحن نكتب عنھ؟ منھجیة تدوین بقایا شذرات ِسفره النضالي.
إن من یضطلع بمھمة البحث عن المنابع الأساسیة الأولى التي تكونت منھا الروافد الموضوعیة لتجربة الشھید عبد القادرسعید المتعددة المجالات سیصطدم باستحالة اقتفاء آثار أي من تلك الروافد ومعرفة منابعھا.
وأول ما یصطدم بھ هو عدم معرفة تاریخ المیلاد بدقة ما تشیر المعلومات إلى أنھ من موالید عام 1941م.
لكن متى من هذا العام؟ أفي بدایتھ ولد أم في ربعھ؟ في نصفھ أم في نھایتھ؟
كما إن حیاتھ خلال السنوات ال (18) سنة الممتدة من عام 1941 حتى نھایة العام 1958 من إجمالي (34) سنة وهي الأكثرمن عمر الشھید عبد القادر سعید لا تزال في طي المجھول ناهیك عن أن تفاصیل السنوات ال (15) سنة من 1959 حتىتاریخ استشھاده هي أیضاً تكاد تكون شبھ مغیبة إن لم تك قد ُغیبت عدا تلك القصائد التي رثتھ عقب استشھاده كقصیدة(الرحیل قبل مجيء الفَْجر) للدكتور عبدالعزیز المقالح، وقصیدة (مْرثِی َّة لَفَقِْید اْلَحَرَكة اْلَوطَنِی َّة عْبُداْلقَاِدر سِعْیدأَحَمد طَاِهر) لرفیق دربھ المناضل الخالد الذكر رئیس جمھوریة الیمن الدیمقراطیة الأسبق الشھید عبد الفتاح إسماعیل.
وما عدا تلك الرثائیات ثمة شھادات ذات عبارات معدودة الكلمات من بعض المناضلین كثر الله خیرهم أنھم قالوها غیرأنھا وإن كانت قویة الدلالة الفكریة والفلسفیة تظل عبارات معدودة لا تشبع جوع المؤرخ ولا الكاتب ولا الباحث الراغب فيوضع تجربة الشھید موضع الدراسة لتستفید منھا الأجیال، لأن تلك الشھادات وبعض الكتابات لم تتحدث عن مواقف سیَِری َّة(بكسر السین والراء، وفتح الیاءین مع تشدید الیاء الثانیة) وإنما عبارات إنشائیة استعراضیة للمخزون اللفظي والسیاسيلھذا الشاهد أو ذاك الكاتب منحصرة عن مناقب وسمات وصفات لیس إلا.
وهنا لا أسال فقط رفاق الشھید وحزبھ الذي كان من أوائل مؤسسیھ، وإنما أسأل كل المعنیین بمستقبل هذا البلد من شرفائھسیاسیین ومؤرخین ورواد صحافة وفكر وأدب: هل تستطیعون سرد سیرتھ في مؤلف تاریخي أو روائي أو فیلم وثائقي أوسینمائي؟ ولأن الإجابة بالتأكید: لا.. فإنھ یستحیل أن نضع تجربة هذا الرمز الوطني موضع الدراسة كما یرى (الجاوي) ما دامھا لمتوثق حتى الآن، لھذا یجب اعتماد منھجیة معینة لتدوین بقایا شذرات الِسفر النضالي الذي كباقي وشٍم یلوح على جبینتاریخنا المعاصر.
وأهم عناصر هذه المنھجیة أولاً: أقاربھ ینبغي علیھم تدوین ما یقدرون علیھ من سیرتھ الإنسانیة التي كانوا على صلة بھاوثانیاً: رفاق دربھ النضالي في الحزب الاشتراكي الیمني و تحدیداً أعضاءه من فصیلي " الحزب الدیمقراطي الثوريالیمني" و "منظمة المقاومین الثوریین" برصد محطات سیرتھ النضالیة والسیاسیة، وثالثاً: الذین عملوا معھ أكانوا في البنكالمركزي الیمني أو في غیرها من الأعمال الأخرى برصد دوره المھني والإداري والاقتصادي، ورابعاً: إشراك خصومھالسیاسیین من الأحزاب السیاسیة الأخرى، فھم غیر معفیین أیضاً من الكتابة عن الكیفیة التي كان یدیر علاقاتھ واختلافاتھالفكریة معھم، وعلاوة على هؤلاء هناك كثیر من المثقفین والكتاب والصحافیین ممن عاشوا فترتھ، واقتربوا منھ واستمعواإلیھ.. كل أولئك ملزم تبرئة ساحتھ مما یعرفھ عن الفقید ولم یكتبھ أو یوثّقھ.
أما بالنسبة لي فقد اعتمدت منھجیة للكتابة عن الشھید: تقوم على توظیف طریقتین:
- الطریقة الأولى: المقارباتیة، وأقصد بھا مقاربة شذرات من سیرتھ بربطھا بأحداث وتحولات كان الشھید حاضراً فیھابفاعلیة ودینامیكیة سواء على مستوى الحیاة داخل التكوینات السیاسیة والنقابیة التي شارك في تأسیسھا أو على الحیاةخارجھا وأقصد بھا علاقاتھ ببقیة أطراف الحركة الوطنیة وفصائلھا المختلفة.
- الطریقة الثانیة: الاستقرائیة القائمة على عنصري الملاحظة والتجربة (منھجیة فرانسیس بیكون). بید أنني علاوة على هاتین الطریقتین أعتمد كل ما جمعتھ من معلومات متناثرة منذ أكثر من عقد ونصف العقد من السنواتمن كثیرین عن قرب تعرفوا إلیھ أكانوا من رفاقھ أو ممن عملوا معھ، ومن خلال قراءات مكثفة لتاریخنا المتشابك والبالغالتعقید ولطالما رأیت ضوء اسمھ یلمع بین كلمات سطور تلك القراءات مؤكداً حضوره الاستثنائي.
لھذا سأكتب عنك أیھا الشھید الحي هذه الشذرات.. لكن قبل أن أكتب اعذرني على التقصیر الذي ستلاحظھ.. لأن ثمة رفاقاًوتلامیذ، وأقارب وشھوداً عاصروك أخطأوا مرتین مرة حینما ظنوا أنك خصم لا یجب أن یُسمع، ومرة ثانیة حینما أخطأواتقدیرات استقراءاتك المبكرة التي سبقتھم بعقود ومع ذلك لا یزالون صامتین.. أولئك كانوا أجدر بذلك مني، ولیت بعضھماكتفوا بتعمد نسیانك، بل تمادوا إلى حد سرقة تاریخ نضالك.
المنبع الأول
ضمن مكونات التجربة ودعونا نتخیّل بدایة انبجاس النبع الأول في التكوین.
في یوم ربیعي من عام 1948 اصطدم ابن السنوات ال (7) بمشھد سیظل یلعب دوراً أساسیاً في تصویب خیاراتھ المتزنةنحو غایاتھ الكبیرة، وفي تحدید مساراتھ النضالیة، ومواقفھ الوطنیة العظیمة. كان المشھد وصول أبیھ (سعید أحمد طاهر) محمولاً بین سواعد رجال من القریة. وفجأة امتلأت الدار بالزائرین رجالاً، ونساًء، وأطفالاً. وجمیع الزائرین یكّررون ذات الأسئلة: كیف أُصبت؟.. كیف نجوت وأنت مصاب؟ ولماذا فشلت الثورة؟ كان منظر الجرح على إحدى ساقیھ بلیغاً جراء الإصابة بواحدة من شظایا قذائف جیش الإمام التي أحدثت فیھ إعاقة بائنة فيسیره لازمتھ حتى وفاتھ.
أمام الزهو الذي غمره بشجاعة أبیھ الثائر ضد مملكة الظلم الإمامي انتابھ الحزن جراء الإصابة التي طالت ساقھ. ومن طرفي (الحزن، والزهو) توازنت ذاتھ واستقامت روحھ، فلا الزهو بسماعھ لأهالي القریة وهم یرددون قصة شجاعةوالده قاده للغرور، ولا الحزن بفقدانھ لجزء من ساقھ أودت بھ إلى دركات الیأس. لقد أدرك أن أباه كان ضمن (المتدسترین) الذین التحقوا بثورة (17 فبرایر 1948م) الدستوریة... تلك الثورة التي لم تصمدحتى شھراً كاملاً إذ سقطت یوم 13 مارس 1948م أمام جیش الإمام والقبائل التي هاجمت معھ صنعاء وجعلتھا مدینةمفتوحة لاستباحة عكفھ وأنصاره یعبثون فیھا كیفما یشاؤون.
ذلك هو المنبع الأول الذي ارتشف منھ (عبد القادر) جرعة التوق الأولى لأن یغدو ثائراً كأبیھ المتجلجل اسمھ فوق ألسنةأهالي قریة (الأجران) من عزلة (الأغابرة) التابعة لمدیریة حیفان. اللحاق بأبیھ إلى عدن لم یلبث (سعید أحمد طاهر الأغبري) كثیراً في القریة رغم ساقھ المصابة خشیة أن یقع في أیدي عكف الإمام وأعوانھ فانتقلإلى مدینة عدن كبقیة الذین نجوا من الوقوع في الأسر.
كما أن إعجاب أهالي القریة بشجاعة والده الثائر الدستوري، وذكائھ في مخادعة عیون وجنود وأعوان الإمام صارتمضرباً للأمثال تركت أثراً بالغاً في نفسیتھ جعلتھ یحن إلى اللحظة التي سیلتحق فیھا بأبیھ في عدن. ولم ینقض وقت طویل حتى كان (عبد القادر) قد أقنع خالتھ زوجة أبیھ علماً أن أمھ سیدة من إحدى قرى الصلو تركھا أبیھ
وهو في سن الطفولة بالسماح لھ بالسفر مع (طبَل القریة) إلى عدن.
وفي عدن أقام في حي الشیخ عثمان وألحقھ أبوه بالمدرسة الأهلیة لأن مدارس البریطانیین كانت موصدة في أوجھ أبناءالفقراء والفلاحین ومحصورة بأبناء السلاطین والمشایخ والوجاهات وأعوانھم فأكمل الابتدائیة والإعدادیة لیلتحق بعدهامباشرة بكلیة عدن وحصل منھا على شھادة الثقافة العامة. خلال الفترة التي أقام فیھا بمدینة عدن، عقد الخمسینیات تكونت بقیة المنابع التي شّكلت تجربتھ الثوریة المبكرة، وانتضجتفیھ السمات والصفات القیادیة المتعددة. عدن حاضنة كل الیمنیین من المناطق.. عمالاً وتجاراً.. طلاباً وأحراراً.. أحزاباً ونقابات ومسارح وفنوناً و آداباً، وثقافة،وأجناساً من جمیع أنحاء العالم، وأخباراً تنقل من مصر حكایات وخطابات عبد الناصر.
النبوغ القیادي المبّكر
مع مطلع عام 1959م كانت قیادة حركة القومیین العرب في كل من بیروت والقاهرة قد استقطبت ستة من الطلاب الیمنیینوأوكلت إلیھم مھمة تأسیس فرعین لھا في كل من عدن وتعز. وفي حین لم یتمكن (یحیى عبد الرحمن الإریاني، عبد الكریم الإریاني) العائدان من القاهرة من تأسیس خلایا سریة في تعزعلى نحو سریع استطاع الأربعة الآخرون فیصل عبد اللطیف الشعبي العائد من القاهرة، وسلطان أحمد عمر، وعبدالحافظ قائد، وعبد الملك إسماعیل العائدون من بیروت إلى عدن وبحذر من عیون جواسیس الاحتلال الإنجلیزي استطاعواالانتقاء الدقیق للعناصر الأولى التي كانت أكثر من غیرها مھیأة لتحمل كافة مترتبات النضال في ظروف العمل السريالشاق.
و بحسب المعلومات التاریخیة مثّلت تلك العناصر طلیعة العمل الحركي الوطني المنظم والنواة الأولى لحركة القومیینالعرب في مدینة عدن نحو( علي أحمد السلامي، طھ أحمد مقبل، سیف الضالعي، وعبدالقادر سعید، وعبدالفتاح إسماعیل،سعید أحمد إسماعیل الجناحي، سالم زین محمد، عبد الرحمن محمد عمر، وعبدالقادر أمین، عبد الله الخاوي، علي عبدالعلیم، محمد سعید مصعبي، أحمد صالح السلامي، محمد سعید، عبد الرزاق شائف، محمد عبده علي، سالم ربیع علي، عليصالح عباد (مقبل)، محمد سلیمان ناصر، أبوبكر شفیق، علي عبد الرزاق عولقي، علي فرج با عبید،)(3)، وغیرهم.
كان عبد القادر سعید من أولئك الذین ینطبق علیھم الوصف (أمة)، و(نسیج وحده) مخلصاً للأهداف الكبیرة التي مثّلت فيوعیھ الوقاد المنطلقات الأولى للتحرر من الاحتلال والاستبداد الملكي، وتجلّى إخلاصھ في بروز قدراتھ القیادیة الذاتیة،وسرعة استلھام كل متطلبات صقل تلك القدرات من التثقیف الذاتي القائم على استقراء معطیات التاریخ الیمني، والعربي منناحیة، وفھم معطیات اللحظات التاریخیة التي یعیشھا واقع الوطن، وراهن العرب، ومتغیرات العالم من ناحیة أخرى.
إن شاباً لم یتجاوز العشرین عاماً ویمتلك من مواهب السمات القیادیة، والوعي الكافي، والنشاط الدؤوب وبتعبیر آخر یمتلكنبوغاً قیادیاً مبّكراً سیكون من الطبیعي أن یحجز لھ مكاناً في الصفوف القیادیة الأولى للحركة. ُسندت إلیھ مھمة الإشراف والتأسیس للخلایا السریة فجعل من بیتھ المتواضع في الشیخ عثمان مقراً سریاً یستقطب إلیھ منیرى أنھ قد صار مؤهلاً للانتماء إلى الحركة، وهناك (في دكان الأغابرة بحي العمال بالقلوعة قاد أول خلیة عمالیة) (4)سریة أسسھا، وخطر تأسیس تلك الخلیة التي أسسھا وأشرف على تربیتھا وتثقیفھا أنھا كانت داخل أهم وأوسع قطاع عماليحینھا في عدن وهي (مصافي النفط) بحسب شھادة مناضل مخضرم (أطال الله في عمره) هو عبدالله مطلق صالح الحالميحیث قال: (وفي نوفمبر 59 أّسسنا حركة القومیین العرب التي تبنت خیار الكفاح المسلح فقد جاءنا المناضلون: علي السلامي وعليناصر محمد وآخرون وقالوا: إن جمال عبد الناصر یؤید قیام تنظیم قومي واسع یسمى حركة القومیین العرب وكانت أولحلقة سیاسیة دخلناها ونحن ما نزال في مصافي عدن وكنا خمسة أشخاص مؤسسین وكانت القیادة والإشراف مناطة بعبدالقادر سعید.. كان یأتي إلینا بالأدبیات والكتب والمنشورات وبدأنا ننشر أفكار الحركة أنا وسیف الضالعي، وطھ مقبل،وسالم زین، علي السلامي، وعبدالقادر سعید، وعبدالقادر أمین)(5). یتخّرج من كلیة الثقافة بمدینة عدن ومن ثم یتجھ إلى التدریس في إحدى مدارسھا. ومعلوم أن الیمن خلال فترة السنوات الثلاث من نھایة الخمسینیات حتى لیلة قیام تنظیم الضباط الأحرار باقتحام قصرالبشائر بصنعاء والإطاحة بالإمام خاصة في مدینة تعز وعلى نحو أخص في مدینة عدن شھدت بروز تطورات جدیدةعلى الواقع تمثّلت في تأسیس الحركات النقابیة العمالیة وتعدد الأحزاب والحركات السیاسیة التي كانت تأخذ في البدایة طابعالعمل السري قبل الإشھار عن وجودها وأنشطتھا العلنیة.
ومعلوم أیضاً أنھ كان قد سبق ظھور تیار حركة القومیین العرب فرع الجنوب مع نھایة عام 1959 تأسیس خلایا(یساریة)سریة في تعز، وعدن عبر عبد الله باذیب الذي أسس لاحقاً منھا حزب اتحاد الشعب الدیمقراطي عام 1961م، وكذلك تأسیسكل من حزبي البعث العربي الاشتراكي عام 1956 في عدن، وعام 1959 في صنعاء، وفي عام 1958 تأسست الجبھةالوطنیة ، وشھد العام 1960 تأسیس الفرع الثاني لحركة القومیین العرب في مدینة تعز وتشكلت أول قیادة لإقلیم الیمنتتكون من (فیصل عبد اللطیف، علي أحمد السلامي، طھ أحمد مقبل، سلطان أحمد عمر، سیف أحمد الضالعي، یحیى عبدالرحمن الإریاني، عبد الحافظ قائد)(6). وبإشراف مباشر من هذه القیادة لا سیما بعد صیاغة الحركة برنامجاً سیاسیاً واضحاً دقیقاً تمحورت أبرز أهدافھ فيإسقاط نظام الحكم الإمامي في شمال الوطن أولاً كیما تتخذ منھ قاعدة لخوض حرب شعبیة مسلحة لتحریر جنوب الوطنالیمني تالیاً وإلى جانب البرنامج الفكري القومي التثقیفي الإلزامي ناهیك عن طبیعة التنوع الأیدیولوجي السیاسي الذيأشرت إلیھ من تنامي وتزاید الأحزاب المتعددة.. من كل تلك وغیرها من المعطیات التي ظلت تتوالى وتتغیّر على كافةمستویات تلك الفترة في الیمن والمنطقة والعالم جعلت الشھید (عبد القادر سعید) یتشّدد في مضاعفة مسألتي التكوین والتثقیفالذاتیین تكویناً من حیث التسلك بكل متطلبات صفات وسمات القائد، وتثقیفاً مضاعفاً یتجاوز ما یوكل إلیھ من واجبات التثقیف من أجل فھم طبیعة الظروف التاریخیة المعاصرة وتحدید أدوات ووسائل التعاطي معھا بأخلاق حضاریة أولاً وقبلكل شيء فاستطاع بما یمتلك من تزاحم المھارات القیادیة، واتساع حجم الكثافة الثقافیة الواعیة إفعال شخصیتھ الكاریزمیةفي قلوب وأذهان كل من یجلس أو یتعرف علیھ أو یستمع إلى حدیثھ أو یخوض معھ حواراً في أمر ما.
أكرر إنھ من كل تلك السجایا الذاتیة وغیرها صارت الرؤیة أكثر وضوحاً أمام عینیھ، وهو ما ظل یمّكنھ من تحقیقإنجازات عملیة متلاحقة في كل ما یُقدم إلیھ من مھام ابتداًء من تأسیس أول خلیة سریة في مصافي النفط مروراً بتأسیسعشرات الخلایا السریة في مدیریات التواهي، والشیخ عثمان والقاهرة والقلوعة وصولاً إلى المشاركة في تأسیس قیادةحركة القومیین العرب، وغیرها من التیارات السیاسیة التي سنأتي علیھا في سیاق هذه المقالة.
قیادة أول طلائع لدعم وحمایة ثورة سبتمبر ما أن سمعت الحركة مذیاع صنعاء یعلن عن الإطاحة بحكم البدر وقیام ثورة حتى سارعت قیادة الحركة بتكلیف عبد القادرسعید ضمن عدد من قیادییھا على قیادة أول الطلائع الثوریة المنظمة لمساندة الثورة حد ما جاء في شھادة راشد محمد ثابت(في ثاني یوم من الثورة انتقلت عناصر القیادة من عدن إلى الشمال ومنھم علي أحمد السلامي وعبدالقادر سعید وعبد الحافظقاید، وسالم زین محمد وعبد الرحمن غالب وأعني بھؤلاء مجموعة القیادات الرئیسیة التي انتقلت إلى الشمال ثم لحقھم فیصلعبداللطیف وقحطان الشعبي من القاهرة إلى صنعاء وتعین حینھا قحطان مستشاراً للرئیس السلال لشؤون الجنوب بدرجةوزیر، فبدأ قحطان مع القیادات الشمالیة والجنوبیة الرئیسیة بالتھیئة للثورة في الجنوب ضد الاحتلال البریطاني)(7). لم یلبث الشھید عبد القادر سعید وبقیة مجموعة القیادة في تعز سوى الیوم الثاني للثورة فقد كانت المدینة ترتج من تلاطمالأمواج البشریة على جنباتھا، وما أن التحمت قیادتا الحركة بعدن وتعز مع الحشود البشریة حتى تشّكلت أفواجاً وجماعاتوتّواً اتجھت صوب صنعاء الثورة بعضھا التحقت مباشرة بجبھات القتال، والبعض منھا تشّكلت داخل أول لواء عسكريهو لواء الثورة والبعض أسندت إلیھم مھمات التعبئة الثوریة للجماهیر فكان في طلیعة الذین أُسندت إلیھم مثل هكذا مھام. تأسیس مدارس لیلیة للتوعیة كان الشھید یدرك جیداً بحدس القائد، ووعي المفكر إن أول أخطر أعداء أیة ثورة في التاریخ هي جھل الذین من أجلھم تقومالثورات فاقترح أن تتأسس مدارس لیلیة للتوعیة ونشر المعرفة، وكان فیصل عبد اللطیف وقحطان الشعبي قد سارعابالانتقال من القاهرة إلى الانضمام إلى أعضاء قیادة الحركة القومیة من الجنوب والشمال الذین وصلوا صنعاء، وفي اجتماععقد في عاصمة الثورة أقروا تأسیس تنظیم شعبي للقوى الوطنیة مھمتھ دعم وحمایة الثورة غیر أن الظروف لم تك مناسبةلتأسیسھ في صنعاء. إن للتوقد الشامل الذي صار وعیاً وحركة أعطى لحضوره في الوسط الثوري لوناً مائزاً وإیقاعاً متفرداً إلى الحد الذي وجدنفسھ ملزماً بتأدیة واجبات مزدوجة ثوریة وحركیة ثوریة حیث كلّف بما یمتلك من قدرات الإقناع والتأثیر والتثویر للقیامبواجب حشد الجماهیر للدفع بھا للحرس الوطني الجدید ومساندة جیش الثورة في جبھات المواجھات مع القِوى الملكیة،وحركیة في التحضیر لتأسیس تنظیم شعبي للقوى الوطنیة جاء في خبر نشرتھ صحیفة الجمھوریة بعددها الرابع: (المؤتمرالشعبي یدعو للمشاركة.. تقوم لجنة التبرعات في المؤتمر الشعبي العام بحملة تبرعات واسعة لدعم میزانیة المؤتمر لیقومبرسالتھ العظیمة في نشر التوعیة، والمعرفة والثقافة بین صفوف المواطنین بمختلف الوسائل، ومن ذلك افتتاح المدارساللیلیة، وستفتح أول مدرسة قریباً،س فشارك المؤتمر بالتبرع لھذا العمل العظیم)(8). یؤّسس أول حزب بعد ثورة سبتمبر لم یكد یمر شھران على قیام الثورة حتى كان الشھید قد أنھى التحضیرات لتأسیس أول حزب سیاسي یمني بعد ثورة سبتمبرفلم ینتھ شھر نوفمبر من عام 1962م إلا وقد شھدت مدینة تعز تأسیس «تنظیم المؤتمر الشعبي العام للقوى الوطنیة» ضمداخلھ مختلف الكیانات الوطنیة التي لم تكن قد أشھرت عن تواجدها سیاسیاً، وضم كذلك الشرائح العمالیة والشبابیةوالاجتماعیة وانتُخب (سعید الجناحي) رئیساً لھ والشھید عبد القادر سعید أمیناً عاماً لأمانتھ العامة: (تنظیم ضم فئات واسعة من القوى الوطنیة المؤیدة للثورة أُسس بھدف حمایة الثورة والدفاع عنھا خاصة وأن قوى التآمرالملكیة بدأت تكتل قواها لإجھاض الثورة والنظام الجمھوري، وكان لأعضاء حركة القومیین العرب وخاصة العناصرالمثقفة دور بارز في تأسیس المؤتمر الشعبي وقیادتھ، وجد المؤتمر الشعبي تأییداً كبیراً من أبناء الشعب وحصل علىإمكانات من التجار الوطنیین وفتحنا مقراً لھ فیما كانت تسمى «العقبة» في تعز.. وبسبب الخلاف العدائي الذي كان محتداً بینحزب البعث العربي الاشتراكي وحركة القومیین العرب، والذي ساد في ظل الصراع السیاسي بین الزعیم جمال عبدالناصر وحزب البعث)(9).. فقد أوعز البعثیون للرئیس السلال أن الحزب یمارس أعمالاً تغّذي الطائفیة الأمر الذي حدابالسلال إلى إغلاقھ قبل أن یحول علیھ عام كامل. اتساع بریق إسم عبدالقادر خلال الأعوام الثلاثة من عام 1963 وحتى نھایة عام 1965م أخذ اسم عبد القادر سعید یكتسب بریقاً متزایداً في مختلفالفعالیات الوطنیة الثوریة دفع بمجلس قیادة الثورة إلى القیام بتعیینھ سكرتیراً لصحیفة (الثورة) الرسمیة الیومیة مطلع العام1963م .. واتسمت كتاباتھ لصحیفة الثورة بتحریض الوجدان الثوري والوطني في الوعي الشعبي(10) بھدف توسیع قاعدةجماهیر الملتحقین بالثورة والدفاع عنھا.
وخلال نفس العام تم تكلیفھ بمھام المسئول السیاسي لتنظیم حركة القومیین العرب شمال الیمن 1963م. وذهب عند تواجده بصنعاء خلال هذه الفترة إلى جانب عملھ في صحیفة الثورة مع بقیة قیادة حركة القومیین العرب یفكرونبفكرة تأسیس جبھة لتحریر الجنوب المحتل.
وفي إحدى جلساتھم في بیت عبد الحافظ قائد بصنعاء (11) اختمرت الفكرة على ضرورة الإسراع بتشكیل جبھة لتحریرالجنوب المحتل تم الدعوة إلیھا، وتحدید موعد إعلانھا. وقد یطول بنا المقام بشأن مشاركتھ في تأسیس الجبھة القومیة لتحریر الجنوب المحتل نظراً لكثرة الأحداث وازدحام المواقفالتي مرت بھا الجبھة بسبب انعكاس العلاقات بین (عبد الناصر، والبعثیین) على كافة فعالیات الأنشطة التي كانت الجبھةالقومیة تتبناها أو تتخذها في سبیل تحقیق أهدافھا.
ولطول هذا المقام والتشابكات التي اتسمت بھا طبیعة الفترة منذ الإعلان عن تأسیس (جبھة تحریر جنوب الیمن المحتل) أولمرة في 24 فبرایر 1963م إلى أن أخذت اسمھا النھائي (الجبھة القومیة لتحریر جنوب الیمن المحتل) في 19 أغسطس مننفس العام إلى أن عقدت الجبھة أول مؤتمر عام لھا في تعز (22 یونیو 1965) وما تلا ذلك من دمجھا مع جبھة التحریر في13ینایر 1966م وقاد الشھید مبادرة رفض عملیة الدمج تلك. نظراً لسعة مقام الحدیث حول الجبھة القومیة لتلك الفترة سأركز فحسب على إسھاماتھ معھا. فأقول شارك (في اللقاءات والحوارات التي أفضت إلى تشكیل تنظیم (الجبھة القومیة لتحریر جنوب الیمن) وتم اختیارهعضواً في مجلسھا التنفیذي (یعادل المكتب السیاسي حالیاً)، وأسندت إلیھ مھمة تمثیل الجبھة القومیة في شمال الیمن. وفي عام 1965 اختاره مركز القیادة في بیروت لعضویة القیادة المركزیة لحركة القومیین العرب عن شمال الیمن 1965م. وهذا المركز جعل كلاً من قیادة الحركة في الشمال والجبھة القومیة تكلفانھ بمسئول القیادة التنسیقیة بینھما خصوصاً بعد أنأعلنت الجبھة القومیة عن نفسھا رسمیاً في مؤتمرها الأول في 22 یونیو 65م بتعز حیث كلفتھ قیادتھا بأن یكون المسئولالأول عن تنسیق المساعدات العسكریة والمالیة لثورة 14 أكتوبر من الشمال فكان یشرف على جمع التبرعات، واستلامالأسلحة وتسلیمھا للمكلفین في جبھات الثورة في الجنوب بالتواصل معھ، ولم تقف المھام المناطة بھ عند هذا الحد بل أُسندتمسئولیة إدارة العلاقات السیاسیة مع الحكومة الشمالیة الداعمة لسیاسة الجبھة القومیة، وعلاوة على ذلك كلفتھ الجبھةللتحدث باسمھا مع سفراء الدول الأجنبیة في الشمال. هذا فیما یخص المھام السیاسیة التي كلّف بھا من قبل كل من قیادة حركة القومیین العرب فرع الشمال وقیادة الجبھة القومیة.محاور سیاسي فرض حضوره في المؤتمرات الجمھوریة وفیما یخص المھام الوطنیة والثوریة فھذا مجال واسع للحدیث فیھ. اختاره مجلس قیادة الثورة في معظم المؤتمرات التي كانت تنعقد بین الجمھوریین والملكیین، ولعب دوراً كبیراً في طرحمسألتي الثورة والجمھوریة على أنھما صارتا واقعاً یجب على الملكیین الاعتراف بھ أولاً وقبل كل شيء، وبسبب هذاالطرح فشل مؤتمر خمر1963م.
وفي مؤتمر الجند الذي انعقد لانتخاب واختیار الممثلین للوفد الجمھوري لحضور مؤتمر حرض تم الشھید ضمن الذینانتخبوا لھذه المھمة، ومثلما لعب دوراً في طرح مسألتي الثورة والجمھوریة في خمر كمسألتین لا تفاوض حولھما استطاعإقناع رئیس الوفد الجمھوري (القاضي الإریاني) بطرح خیاري الثورة والجمھوریة كخیارین لا تراجع عنھما في مؤتمرحرض الذي انعقد في 23 نوفمبر 1965، وهو ما أصر الملكیون على رفضھ لینتھي المؤتمر قبل أن یكمل جلسات أعمالھبالفشل بالنسبة للملكیین والانتصار بالنسبة للجمھوریین. قیادة مبادرة رفض دمج القومیة بالتحریر سیلاحظ منذ بدایة العام 1966 والأعوام التالیة قیامھ بعدد من المبادرات الوطنیة والسیاسیة أفصحت في مضامینھا عنحرصھ الشدید على ضرورة أن تفضي كل مسارات وأحداث ثورتي سبتمبر وأكتوبر إلى تحقیق أهدافیھما المعلنة.
ففي مطلع العام 1966م قام الشھید بقیادة فرع حركة القومیین العرب في الشمال بمبادرة رفض الدمج (رفضاً مطلقاً) داعیاًإلى: عودة القیادة العامة للجبھة القومیة إلى الداخل ومواصلة معركة التحریر الوطني المسلحة بالاعتماد على جماهیر العمالوالفلاحین وكافة الفئات الوطنیة والتقدمیة في الساحة)(13) وقام الشھید بالتحضیر للمؤتمر الذي ُعقد في مدینة (جبلة الیمن الشمالي في حزیران 1966،.. وفیھ قرر المؤتمر القبولبالبقاء في إطار جبھة التحریر مع توضیح رأیھا في الأسس التي ینبغي القبول بھا في هذا الإطار، وعلى رأسھا رفضالقبول بوجود السلاطین في العمل الوطني، وقد رفع هذا الموقف في تقریر أرسلتھ الجبھة إلى القیادة المصریة وإلى عبدالناصر) (14). جبھة التحریر بسبب قیام بعض أعضاء قیادة الجبھة القومیة بالتوقیع على بیان 13 ینایر 1966م القاضي بدمج الجبھتینمعاً دون موافقة بقیة القیادیین أو موافقة مجلسھا التنفیذي وقیام وقد اتخذ المؤتمر قراراً بتجمید أعضاء المجلس التنفیذيالموقعین على بیان الدمج و(أبقت مقعدین لكل من قحطان الشعبي، وفیصل عبد اللطیف، وأرسلت رسالة إلى عبد الناصرتطالب بالإفراج عنھما، وانتخبت قیادة جدیدة ضمت كلاً من: عبد الفتاح إسماعیل، أمیناً عاماً وعضویة كل من محمودعشیش، وأحمد الشاعر، وعلي سالم البیض، ومحمد أحمد البییشي، وعلي عنتر، وفیصل العطاس، وعلي صالح عباد (مقبل)وسالمین، وسیف الضالعي ، ومحمد علي هیثم، وعبد الملك إسماعیل(15). وسیُلاحظ هنا أن مؤتمر جبلة خرج بقرارات مضادة لموقف عبدالقادر سعید وقیادة فرع الحركة في الشمال الرافض كلیة
للدمج غیر أن القیادة الجدیدة بعد تأكدها من تواطؤ موقف المخابرات المصریة لصالح جبھة التحریر خصوصاً عند استمرارحجز قحطان الشعبي لما یزید عن سنة ونصف، وفیصل عبد اللطیف لثمانیة أشھر لتعود لاحقاً لتتبنى الموقف الرافض الذيسبق أن أعلنتھ قیادة الحركة فرع الشمال والتي كان عبد القادر سعید المسؤول السیاسي لھا.
إدراك مخطط 5 نوفمبر ورفضھ حینما كانت المعطیات تشیر إلى وجود انقلاب قد یُنفذ ضد الرئیس السلال دعا عبد القادر سعید قیادات حركة القومیینالعرب إلى منزلھ في تعز والذي كان قد استقر فیھ عقب زواجھ في مدینة تعز وفي اللقاء بحسب شھادة الجناحي: عقد اجتماع موسع للعناصر القیادیة في الحركة في منزل الرفیق عبد الباقي محمد سعید برئاسة الرفیق عبد القادر سعیدأحمد طاهر وحضره الرفیق الراحل یحیى عبد الرحمن الإریاني وآخرون.. في ذلك الاجتماع تم تدارس الوضع والخروجبموقف تجاه قیام حركة لإقصاء الرئیس عبد الله السلال وبعد تقییم الوضع حینھا.. أدركنا أن كل الدلائل والمسّوغات تشیرإلى حركة انقلابیة تُدبّر ومن الصعوبة إیقافھا.. رغم أننا توقعنا أن الوضع الذي سیخلف عھد السلال سوف یسیر نحوتسویة بحماس، مما سیضعف النظام الجمھوري، وللحقیقة وضعت هذه المقارنة لعلمنا إن المرشح لخلافة المشیر السلال..القاضي عبدالرحمن الإریاني، وقلت: إن السلال قائد وطني یشّكل الضمانة لحمایة الثورة والجمھوریة وأن القاضي الإریانيسیعتمد على القوى التقلیدیة في السلطة وسیسعى إلى تسویة ستؤدي إلى ضرب القوى التقدمیة ورغم وجھة نظري هذه إلاأني التزمت بالقرار الذي توصلنا إلیھ وفحواه: «أن یكون موقف أعضاء الحركة ومناصریھا عدم المشاركة في الحركةالمرتقبة حینھا وعدم مجابھتھا أو تأییدها، وبالنسبة لأعضاء الحركة من العسكریین علیھم إطاعة الأوامر وعدم تنفیذهابحماس.. بما یعني أن الموقف اتسم بالتحفّظ(14).
الرئیس الإریاني لا یُرد مطالبھ
على إثر الاجتماع الذي اتخذتھ قیادة الحركة في منزل عبد القادر سعید أبدى (الجناحي وجھة نظره) خارج ذلك الاجتماعفوصلت إلى السلطات التي قامت باعتقالھ مع آخرین: (تم اعتقالي الساعة الخامسة صباح یوم 5 نوفمبر 1967م حین داهم عدد من الضباط والعسكر من الشرطة وجھاز الأمنالوطني – وكان في بدایة تأسیسھ - ونُقلت إلى فیللا تابعة للأمن الوطني (مقر الحزب الاشتراكي الیمني حالیاً وكانت قدتفیدت ثانیة عقب حرب 94م) تقع بجانب منزل القاضي عبد الرحمن الإریاني، وبعد وقت قصیر أضیف إل َّي كل من: محمدمطھر، وعبد الله مطھر، أخوان لعبد الغني مطھر - وبقیة المعتقلین كانوا من المرتبطین بالمصریین أو من المؤیدین للرئیسالسلال.. ونُقلت في الیوم الثاني إلى معسكر العرضي وفي الیوم الثالث أُطلق سراحي، لم توجھ لي تھمة.. أو یُحقق معي وماعلمتھ هو أن الرفیق عبد القادر سعید اتصل بالقاضي الإریاني، رئیس المجلس الجمھوري.. وبتوجیھ منھ أطلق سراحي).(15)دوره في المقاومة الشعبیة لفك الحصار عن صنعاء برز الشھید عبد القادر سعید كواحد من أبرز القیادیین للمقاومة الشعبیة التي تكونت من العمال والطلاب والفلاحین والتجارومختلف الشرائح الاجتماعیة والوطنیة. ونظراً لموقعھ القیادي في قیادة حركة القومیین العرب، ومسئول العلاقات للجبھة القومیة مع الحركة والحكومة الیمنیة،والسفارات الأجنبیة فقد وظّف كل تلك المراكز التي یشغرها في دعم حركة المقاومة الشعبیة التي كان للجبھة القومیة دوركبیر في رفدها بالمقاومین والسلاح وغیرها من لوازم متطلبات دحر القوى الملكیة التي بدورها كانت قد أعدت كل مقوماتإسقاط الثورة والجمھوریة ودخول صنعاء. ولعب الشھید من خلال نادي الشباب الثقافي الذي أّسسھ في تعز1966م دوراً بارزاً تجلّى في حشد الشباب والطلابالمتطوع للالتحاق بصفوف المقاومة الشعبیة التي استطاعت مع عناصر الجیش وتحدیداً قوات المضلات والصاعقةوالمدفعیة فك الحصار ودحر جیوش الملكیین المدعومة یومھا من السعودیة والأردن وإیران، و (الطائرات الإسرائیلیة التياستمرت بتزوید المرتزقة الأوروبیین عبر زعیمھم (جیم جونسون،) وقبل ذلك دعم الملكیین بالأسلحة لمدة سنتین) (17).
محطات ما بعد فك 1967 لقد تمیّز الشھید عبد القادر سعید عن غیره من رموز الحركة الوطنیة الیمنیة في الشمال والجنوب بعد تحقیق الانتصار سواءعلى الاحتلال وتحقیق الاستقلال في الجنوب أو على الملكیین وتثبیت النظام الجمھوري أنھ سلك مسلكاً یقوم على التعایشبین القوى الوطنیة المختلفة، واتخاذ الحوارات الوطنیة منھجاً حضاریاً لتحقیق ذلك التعایش والقبول بالآخر ونبذ منطقالعنف وتجلّت مواقفھ بعد عام 1967 على النحو التالي:
1 - مبادراتھ للدولة الجدیدة في الجنوب عندما رأى احتدام الخلافات بین كل من الجبھة القومیة وجبھة التحریر تقدم بمبادرة لحل الخلافات بینھما من منطلق أنالثورة المسلحة في الجنوب كانت من منظور وطني ملائمة للكفاح ضد الاستعمار، وغیر ملائمة بین الیمنیین، معلناً رفضھلمنطق وفكرة الانقلابات، مقترحاً للجبھة القومیة ضرورة التزامھا بتحقیق المشاركة السیاسیة للأحزاب في عدن. فلم ینحز عقب الاستقلال لطرف ضد طرف آخر سواء للجبھة القومیة ضد فصائل العمل الوطني الأخرى في عدن أو ضدالمواقف التي أخذت تتباین بین قیادة الجبھة نفسھا، وهو ما أراد رفیق دربھ في النضال (الشھید عبد الفتاح إسماعیل التعبیرعنھ في القصیدة التي رثاه بھا عقب استشھاده أن یوضحھ حینما هزج یقول: فَقَْدنَاك ... َوُكْنت تَْحِمل َعن َّا هُمْوْمنا... َكَشِم اْلِجبَال... َوتَُصاِرع بِِعْلٍم ... بِفٍَن ... تَُعانِي... تَُع ِّذب... تُْرَمى... َعلَْیك قُیُوَدا ثِقَالا ...َوَرْغم اْلَعنَاء... ِعْشت حّراً شِرْیفَاً... َوُكْنت عنُْوداً صبُْوَراً... تَُواِصل مِسْیَرة شْعبِك... َجنُْوبِا... ِشَمالاً... فََكل َّت قَُواك... لَِكْثَرةما قَد صنَْعت... َشِھْیداً سقَْطت... فَطُوبِي... طُّوبِي لَِما قَد فََعلَت.
2 - المشاركة في تأسیس الحزب الدیمقراطي الثوري الیمني على إثر هذه الأحداث التي أعطت مؤشرات لما ستكون علیھ طبیعة مرحلة ما بعد أحداث مارس 68م في كل من الشطرین،وكذلك مؤشر الخلافات بین القیادة المركزیة لحركة القومیین العرب في بیروت والتي نجم عنھا قیام فرع الیمن بفك الارتباطالتنظیمي الیمني من المركز، وحل فرعھ في الشمال لا سیما و أن فرع الجنوب كان قد ذاب إلى جانب عدد من فصائلالحركة الوطنیة الجنوبیة داخل إطار الجبھة القومیة قبل ذلك. كل هذه المؤشرات وغیرها حدت بعبد القادر سعید لأن یكون ضمن النخبة المھیأة لتأسیس إطار سیاسي وطني جدید یضطلعبمھمة النضال من أجل بناء دولة دیمقراطیة لكل الیمنیین، وهدف كبیر یحتاج إلى إطار تنظیمي منظم یضطلع بمھمة تحقیقذلك الھدف، ولأجل ذلك اجتمع قرابة 70 كادراً في 28یولیو 1968م بقریة حارات الأعبوس بمنزل الفقید عبد الرحمن محمدعمر یمثّلون قیادة حركة القومیین العرب فرع الشمال، ونخبة من العسكریین والسیاسیین والقیادات النقابیة أبرزهم (سلطانأحمد عمر, جار الله عمر, عبد الحافظ قائد, عبد القادر سعید, علي مثنى جبران, علي الآنسي, وعبد الرحمن أحمد عمر,والشھید علي قاسم سیف, وعبد الرحمن غالب , وعبد الحمید حنیبر, عبد الرقیب الحربي ، عبد الوراث عبدالكریم، حمودناجي سعید، أحمد قاسم دماج، عبد الحفیظ بھران، مالك الاریاني، ویحیى عبد الرحمن الإریاني ، وعلي مھدي الشنواح،أحمد أمین زیدان ، محمد ناصر العنسي) وعشرات آخرین، وفي المؤتمر أُنتخب سلطان أحمد عمر رئیساً للحزب، وعبدالقادر مسؤولاً سیاسیاً ، وعبد الحافظ قائد مسئولاً تنظیمیاً وشیئاً فشیئاً - حد تعبیر فتحي أبو النصر - (انتشرت فروع هذاالحزب الواعد شمالاً وجنوباً حتى كان من الفصائل القلیلة التي لھا فروع خارج الیمن أیضاً من الطلاب والمغتربینالوطنیین، رغم ظروف العمل السري الرهیبة، وتأثیر الدعایة السامة المعادیة للیسار بالذات).
3 - الدعوة إلى قیام جبھة وطنیة للنضال السیاسي على إثر الواقع الذي آلت إلیھ الأوضاع في البلاد بدأ الشھید عبدالقادر سعید یخوض حوارات فردیة مع عدد من القیاداتالسیاسیة كقیادات البعثیین، والإخوان المسلمین وتحدیداً مع أحد أبرز مؤسسیھا (الشھید عبده محمد المخلافي) حد ما كتبھالزمیل أحمد عثمان (ولم أكن أتصّور أن أجد بجانبھ القائد الاشتراكي (عبد القادر سعید) وعلى عكس السائد وقتھا یبحثان معاًرغم اختلافھما في التوجھ عن كیفیة إنقاذ الوطن بعمل مشترك وإخراج العمل الحزبي من شرنقة التعّصب وآفة الإقصاءوثقافة إزاحة الآخر وتخوینھ أو تكفیره، لقد كانا یبحثان معاً في جلساتھما في تعز ومدارسھا ومقھى (الإبّي) الشھیر كملتقىسیاسي شعبي وزوایا شارع 26 سبتمبر عن صیغة للعمل المشترك بین القوى المتناحرة التي كانت تختصم على حسابالوطن ولصالح الاستبداد)(18). لقد كانت دعوة الشھید لقیام جبھة وطنیة للنضال السیاسي في الیمن تستند على رفض فكرة الكفاح المسلھح تحت أي مبرركان وهذا الموقف هو ما حدا بالشھید جار الله عمر یصّرح قبیل وفاتھ بسنوات قائلاً: أقول للتاریخ إن عبد القادر سعید كانالرجل الأكثر نضجاً والأكثر تطوراً منا جمیعاً.
3 - دوره الاقتصادي حینما نبحث عن دوره في بناء أسس الدولة الجدیدة سنجد أن أبرز دور لعبھ هو المشاركة في تأسیس البنك المركزي الیمني،فمن عملھ كموظف في لجنة الرقابة على النقد نھایة الستینیات إلى ترّؤسھ فرع هیئة الرقابة على النقد بتعز، إلى تعیینھ أولمدیر عام للبنك المركزي الیمني فرع تعز.
4 - علاوة على ما سیق أسھم الشھید بفاعلیة في توحید الحركة النقابیة العمالیة في الیمن وبِحِث الأدباء والكتّاب في الشطرینعلى تأسیس اتحاد الأدباء والكتّاب الیمنیین مطلع السبعینیات.
أطرف مخبر أمني
حینما كان الشھید مدیراً للبنك المركزي الیمني بتعز كلّف حارس الخزانة بمراقبة كل تحركاتھ ومن یستقبل أو یزوره فيالبنك، ومن هم الموظفون الذین یختلي بھم أو یجتمع بھم باستمرار. أدرك الشھید ببدیھتھ فكان یكلّف ذلك الحارس بالذهاب للتسوق الیومي وإیصالھ إلى بیتھ، وبیت رفیق آخر، وللمخبر الأمنينفسھ. حینما تأكد لھ أن المخبر لیس لدیھ عائلة لم یعاتبھ على أنھ كان یستغلھ بأخذ ثُلث التسوق لعائلتھ بینما هي موجودة، وتعیشفي إحدى جبال كوكبان، وإنما قال لھ: لماذا لا تأتي بأسرتك إلى تعز حتى تدّرس أبناءك فیھا، ویتعلمون ویصبح لھممستقبل. تذرع الرجل أنھ لا یمتلك سكن.. فساعده على توفیر أرضیة من أوقاف تعز، ومن ثم في بنائھ، وذهب المخبر وأحضرزوجتھ وأطفالھ إلى تعز حیث ألحقھم بالمدرسة. وبمرور الأیام اكتشفت زوجة الرجل أنھ یقوم برفع تقاریر أمنیة عنھ فما كان منھا إلا أن وبّختھ وهّزأتھ على رّده لصنیعالرجل معھ بتلك الصورة.
استیقظت داخل الرجل مشاعره فما كان منھ إلا أن اتجھ إلى بیت عبدالقادر سعید في وقت متأخر من اللیل وحینما وصلواستقبلھ شرع یبكي ویعتذر ویسوق الحقیقة لھ، وسألھ: لماذا إذاً یراقبونكم؟ فما كان منھ إلا أن رّد علیھ: لأننا نرید من الناس أن یكونوا مثلما عملت معك.. نریدهم أن یُدخلوا أبناءهم المدارس، ویبنوابیوتاً لھم، ویطوروا هذا البلد. ومضت السنوات وتخّرج ابن ذلك الرجل من كلیة التجارة وصار قبل بضعة سنوات مدیراً للبنك المركزي فجاء والدهلزیارتھ حیث كان یجلس فوق كرسي عبد القادر سعید فقال لإبنھ: صحیح أن تجلس فوق هذا الكرسي غیر أن هذا الكرسي ما یلیقش (لا یلیق) بغیر عبد القادر.
وأطرف محاولة اغتیال
نظراً لاختلافھ مع بعض قیادات الحزب الدیمقراطي الثوري فیما یخص بعض المسائل بشأن رفضھ لفكرة النضال الجبھويالمسلح وإصراره على رأیھ «أوردت حكایة طریفة في مقالة كتبتھا قبل سنوات ست جاء فیھا: كلّف شخص للقیام بمھمة تصفیة عبد القادر سعید.. وذهب ذلك الشخص مع آخر لتنفیذ المھمة.. فاستضافھ عبدالقادر سعیدوأكرم وفادتھ.. وشھد مجلسھ الذي ضّم عدداً من المثقفین والأدباء والسیاسیین وانتظر المكلّف بالمھمة إلى أن انتھت الجلسةحیث انبرى یصارح الشھید بالحقیقة بعد أن رأى منھ ما رأى من أخلاق وكرم وثقافة عالیة ومقدرة في الإقناع ورؤیة ثاقبةوعملیة وممكنة في التعاطي مع الأحداث.. وكانت المفاجأة أن أعطاه المسّدس الذي حملھ قصد تصفیتھ بھ، وحذرهبالاحتراس وأخذ الحذر ممن یخططون لتصفیتھ من رفاقھ في العمل السیاسي.. فرد علیھ: (إذا كان هذا القرار قد اتخذ من قبل القیادة الجماعیة للحزب فأنا أرّحب بھ). رجل مثلھ لا ینبغي أن یعیش في ضوء الشذرات المتناثرة فیما سبق، وفي ضوء معطیات الظروف التي شھدتھا الیمن خصوصاً منذ تصالحت القِوىالملكیة، والقِوى (العسقبلیة) بروز ما یسمى بالقوة الجدیدة (الجملكیة) لاسیما وقد تحّددت الوجھة وصارت الدولة تحت هیمنةوسیطرة الجارة السعودیة، والتبعیة للمعسكر الغربي كان لشخصیة مثل الشھید عبدالقادر سعید بصرف النظر عن اتجاهھالیساري فلیست الخطورة هنا بقدر ما تكمن الخطورة في ذاتھ هو نفسھ. شخصیة هذا الإنسان محل إجماع وطني، وتلتقي في تكوینھ الذاتي كل مفارقات التعایش بین مختلف التباینات السیاسیة،شخصیة كھذه لا یجب أن تعیش لیس فقط من خصومھ بل في بعض الأحیان حتى من رفاق دربھ. أما من خصومھ خصوصاً الأجھزة الرسمیة في الدولة فقد فرضت علیھ الإقامة الجبریة لأكثر من مرة في تعز، وفي یونیوعام 1973 اعتقلتھ حكومة القاضي الحجري في صنعاء مع رفاق لھ من الحزب الدیمقراطي، وتعّرض لمحاولات اغتیالمتكررة.
في فترة ُعّدت من أسوأ فترات الیمن الجمھوري كما یسمیھا البردوني لتمییزها عن العھد الإمامي.. فترة ملبّدة بالغیوم..تحجب الرؤیة عن الوجھة التي یُفترض أن یسیر صوبھا الوطن. فترة شرعت القوى الجملكیة بعد تصالح الجمھوریین، والملكیین تكّشر عن أنیابھا في وجوه الدعاة لبناء یمن الثورة.. الیمنالجمھوري.
تصالح خلق اصطفافاً من نوع جدید بین أعداء الثورة، والجمھوریین القبائلیین ضد أصحاب المصلحة الوطنیة من الثورة. اصطفاف حّدد ماهیة وأشكال الأسالیب التي یجب اتباعھا في التخلّص من دعاة الثورة، والتغییر، وبناء الیمن الجدید. توفرت لذلك الاصطفاف رغم (صغر حجمھ) بالقیاس إلى حجم حملة المشروع الثوري كل مقومات الانتصار.. خزینةالدولة، والوظیفة العامة، والجیش الجملكي تحت خدمة المتصالحین المصطفین.. ناهیك عن الراعي الأساسي للمتصالحینودعمھ اللوجستي. كل تلك عوامل ساهمت في تنفیذ أسالیبھا المختلفة لتسویة الأرضیة السیاسیة لخدمة وتنمیة ذاتھا، وتصفیة كل من سیقفضدها أو إزاحتھ من طریقھا تارة بالقتل، وتارات أُخر بالنفي، بالسجن، بالإخفاء.. حتى صارت الیمن أشبھ بأرضمھجورة.
كان المخطّط الذي أفصح عن سرهھ لنا نحن هذا الجیل اللاحق یقوم على تصفیة كل المشاریع الكبیرة نھائیاً لا فرق بینیساري أو قومي ناصري، لیبرالي بدلیل أن اغتیال محمد أحمد نعمان اللیبرالي عام 1973م ینفي أن الیسار هو الذي یجب أنیُمنع من ممارسة أیدیولوجیتھ، اغتیل لأنھ كان صاحب مشروع دولة بامتیاز، ومحل توافق وطني حتى مع وبین معارضیھ.ففي العام الذي تلاه صعقت الحركة الوطنیة الیمنیة في الشمال والجنوب باستشھاد أحد أبرز زعماء الحركة الوطنیة الیمنیةفي العصر الحدیث الشھید عبد القادر سعید طاهر الأغبري.
كیف رحل ابن 34 سنة بھذه السرعة؟ تحكي أسرتھ أن راعي أغنام نقلھ إلى البیت حیث وجده مرمیاً خارج المدینة، فقامت بإسعافھ تواً إلى مستشفى المعمدانيبجبلة المعمداني، وبینما كان یرقد على سریر المستشفى جاءت رسمیة بسرعة إسعافھ للخارج، وحین كانت أسرتھ تنتظرهفي المطار وصلھا الخبر بالعودة إلى تعز فقد رحل حبیب الثوار.. حبیب الشرفاء.. حبیب قادم الیمن. وفي بیان لھ صدر عقب انتشار الخبر اتھم فیھ الحزب الدیمقراطي الثوري الیمني أحد عقداء المخابرات المركزیة الأمریكیة الذي كان یعمل طبیباً في المستشفى بأنھ وراء وفاتھ بسحب جمیع السوائل من جسمھ.
ویوم دفن جثمانھ بمدینة تعز خرجت جنازتان الأولى في تعز عبّرت عن حق بموقع الشھید في نفوس الذین عرفونھ أمام أقزاموأشباح الظلام. ومن عظمة الجنازة احتارت السلطات أیكون جمیع أولئك الذین حضروا الجنازة أعضاء في حزبھ، كثیرون أكدوا لي أنھمسافروا من محافظات یمنیة شمالیة للمشاركة في تشییع جثمان الشھید (كاشفین جباهھم التي لا تنحني للمخبرین، في تح ٍّد ساطع انتصرت فیھ جذوة الشرف وعزیمة الرفض للاستلاب) حد تعبیر (فتحي أبو النصر)، ویُقال إن الذین لم یكونوا قدعرفوا أنھم ینتمون إلى حزبھ عرفوا في ذلك الیوم، بل كان من غاب ذلك الیوم عن عملھ حتى وإن لم یشارك في الجنازة یتھمبحضور الجنازة وقد یشتبھ بانتمائھ لحزب الشھید مالم یأِت ببرهان ساطع. والجنازة الثانیة في عدن.. جنازة رمزیة مھیبة شھدت مشاركة شعبیة واسعة شارك فیھا جمیع قیادات الدولة ورفاق دربالشھید جابت عدداً من شوارع المدینة.
وأطلق الدكتور عبد العزیز المقالح للقصیدة حریة أن ترثیھ فأنشدت: (احترْقَت لكیما تنیَر، أضاَء رحیلَُك للقادمیَن مَع الفَْجِر، لیتََك لم تحترْق. كاَن صوتَُك للقادمیَن دلیلاً، وكاَن زئیُرَك مقبرةًللوجوِه الغریبْة، یا فماً، ویداً، وحساماً فقْدناهُ في وحشِة الل َّیِل.. هذا زماُن العیوِن المدّماِة حزناً، زماُن الفجیعِة والقھِر وال َّسفَِرال َّدَمِو ِّي على الناِر نحَو النھاِر الجدیِد، زماُن ال َّرحیِل إلى الفَْجِر َعْبَر بحاِر الظلاِم الكئیبْة. كل َّما انطفأَْت شعلةٌ في الطریِق إلى َغِدنا، تتضاعُف أحزانُنا، ویطوُل الطریُق، یحاصُرنا الیأُس؛ لكن َّنا فوَق ِجْسِر الدموِعسنمضي، ستمضي الجموُع التي أثقلَْتھا المخاوُف والحزُن، لْن یتوق ََّف زحُف ال ِّرفاِق إلى مدِن الُحْلِم.. ك ُّل فتى سوَف یحمُلإنجیلَھُ - دامیاً - وصلیبْھ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.