التلويح بالحرب هو تعبير واضح عن أزمة المراكز النافذة، وإشارة لكونها فقدت الحيل التي ظلت تروجها كي يتسنى لها الإفلات من رقابة المجتمع عبر تتويهه وتنويمه ان جاز التعبير بمسكنات تشل فاعليته لبعض الوقت. تلك المسكنات لم تعد تجدي، فمجرد التفكير بها مجدداً وإعادة ترويجها ضرب من التخريف لم يمهل الديكتاتوريات سوى أيام تهاوت على إثرها عروشها الخرافية. لا تمضي الحرب سوى على ظهور الفقراء ولا تحصد سوى رؤوسهم فالهدف منها في كل مرة هو التخلص من فائض الغضب والمعارضة التي يصبح لتحركاتها أصداء هنا وهناك، وبث الرعب والخوف لدى من تبقى منها، ليس بالضرورة ان تكون المعارضة حزباً أو ائتلافاً فهي احتدام لمشاعر السخط وتنامي للغضب الشعبي من جملة التدهور الذي يقضي على أملها بإمكانية الاستمرار والتطور، وهي فكرة قبل كل شيء. حين يلوح صالح بالحرب فهو يفصح عن ذروة أزمته للجميع ومجرد الحديث عن الوحدة وبث مخاوف الانفصال هو من قبيل الخرف الذي لا يمكن معه التفريق بين معطيات الأمس واليوم، فالتاريخ لا يعيد نفسه سوى كمهزلة لن يجد معها صالح أو غيره من الطامحين شيئاً يمكنهم حكمه، عوضاً عن عدم قدرتهم على حسم أي حرب قد يدفعهم الغرور وذروة أزمتهم لإشعالها. لا مسار واضح لدى اليمنيين سوى مجاهيل التشظي واحصائيات متضاربة وغير واضحة عن اليمن التي يمكن ان تبرز على رقعة الجغرافية الحالية التي يدق الزعيم اليوم طبول الحرب عليها.لا يمكن التسليم بالحرب كخيار حتمي، فلدى الناس مخاوف كبيرة من نماذج المنطقة العربية التي لم تتعاف بعد، وإمكانية تعافيها ما زالت خارج الحسبان، بيد ان على هذه المخاوف ان تترجم الى مواقف واعية وعملية يظل الشارع السلمي هو مسرحها الدائم لرفض تقاسم البلد أو مصادرته وارتهانه للخارج كأسوأ الخيارات. يحتاج اليمنيون اليوم أكثر من أي وقت مضى للوقوف مع مستقبل ابنائهم عبر إداركهم لمغزى الاصطفافات القائمة وتحديد وجهتهم كشعب اصطفافاته دائماً عابرة للتخندقات، عابرة لكل الأشكال الزائفة والمراوغة، وفي عمق حاجتهم الاجتماعية. الحوار هو سلاحنا الوحيد والفاعل لكبح جماح القوى التقليدية عن مساعيها الجنونية، لا يمكن ان نعوّل على القوة والسلاح فهذه أدوات يمتلكونها هم ونفتقدها نحن كشعب ظل يناضل من أجل بناء دولة عادلة ويبحث عن مواطنة. الشيء المهم الذي يجب ان ننتبه له هو ضرورة ان يستمر الحوار بالتوازي مع حركة الشارع التي ينبغي ان لا تتوقف، فحين تخرج الجماهير إلى الشارع لرفض الحرب فهي بذلك تقدم استفتاء واضحاً على رفض المغامرات وإدانتها، وهي ما تزال نوايا في أذهان أصحابها. على أن الاقتصار على الحوارات دون سند شعبي ضاغط وحاضر في صلب اهتمامات المتحاورين هو تقاسم للسلطة يحصل فيه الأقوى على ما يريد ويظل حواراً سلبياً، وحين ينتفض الشارع دون ترجمة خروجه الى مواقف سياسية ضاغطة يظل خروجاً لا معنى له وفي هامش اعتبارات السياسيين. المرحلة خطيرة وتنذر بالشؤم وأمامنا خياران، إما أن نتصدى بوعي ومسؤولية لدعوات الحرب وبوسائلنا السلمية، او ان ننجر لمربع المواجهة والاحتراب الذي لن ينتصر فيه أحد سوى غلبة النهب والغنيمة ولن نحظى معها بوطن يمكن لأحدنا العيش فيه؛ فلغة الحرب تحتشد في اكثر من جهة وتتعدد شعاراتها وكلها تصب في خدمة مشاريع تقليدية لا تخدمنا. الحرب من حيث المبدأ خيار كارثي، ومن حيث موقعنا لن تكون في صالحنا او في صالح المجتمع. حين تتحدث البندقية تخرس الألسن، ولا صوت يعلو على هدير المدافع. وهنا يتطلب الأمر منا مغادرة وعي الحرب الى وعي السياسة والنضال السلمي، قد تكون الكلفة باهظة نوعاً ما، لكنها أقل بكثير من تلك التي يدفع ثمنها أجيال متلاحقة من حرياتهم وحقوقهم ومواطنتهم وأحلامهم، عندما تندلع الحرب. لن يبقى لنا أمل في إمكانية بناء دولة للأجيال القادمة. تستطيع الحرب أن تهزم أي أمل قد يحتفظ به المرء إلى أوقات الشدة، تستطيع ان تفعل هذا دائماً. يبدأ وعي السياسة بمغادرة وعي الحرب، أتحدث عن السياسة بما هي تعبير عن مصالح الناس وإدارة لها، لا بالتعبيرات السلبية والشكلية التي يتم ترويجها للناس كوهمٍ لا جدوى منه، عندما تحضر فيها الحرب كإحدى وسائل لممارسة ذلك الوهم الذي يدعونه"سياسة". ما زال الوعي بالسياسة قاصراً جداً، فمشاركاتنا إما ان تأتي تابعة للقوى الأخرى، أو اننا نتيه في زحمة التوافقات والتناقضات وننسحب معلنين لعنتنا التاريخية على السياسة وجدواها. الشارع يفرض خياراته على الجميع ولديه تجربة في هذا وينبغي ان يظل الرهان عليه، فحين ينتصر الشعب لذاته فإنه يتجاوز ما فوق الركام وما ينبعث من وسطه ولا تبدو معه هذيانات صالح عن الحرب سوى حالة نفسية تستدعي الشفقة عليه وعلى قطيع واسع من مؤيديه. لكن من الذي يجب ان يقود الشارع وكل الأطراف متربصة ببعضها وتتحين الفرص المؤاتية لتنقض على كل شيء؟، الذي يقود الشارع هو الوعي الحتمي بكون خلاصنا الفردي لا يأتي إلا بخلاص جميع اليمنيين، وهذا الوعي نتمثله نحن ومئات الآلاف من اليمنيين، فقط نحتاج لحامل سياسي يلتقط اللحظة ويوجه ويوظف مطالب الناس لمصالحهم، نحتاج للحزب الاشتراكي كرؤية وفعل شعبي وسياسي وقيادي، فما زالت القوى الاجتماعية تراهن عليه وما زال عبر أدائه السياسي يمثل مصالحها ولو ظل فعله هذا محجوباً عن الناس بفعل عدم امتلاكه لمنظومة إعلامية حقيقية تسهم في إيصال مواقفه وتوضيحها لهم. الحزب الاشتراكي اليوم هو الحاجة الماسة للخروج من الوضع المؤسف وعليه ان يدرك هذا ويسند مواقفه السياسية بضغط شعبي يمتلكه الاشتراكي ويستطيع ان يجعله فاعلاً متى أراد.