في بيانين هامين .. القوات المسلحة تؤكد: توسيع مجال الحظر الجوي والبحري على العدو الصهيوني    الحكومة توجه بتزويد محطات كهرباء عدن بالوقود الإسعافي لتخفيف المعاناة    أكد أن نصرة المستضعفين من أبناء الأمة شرف وفضل كبير في الدنيا ولآخرة..الرئيس المشاط يتوجه بالشكر والعرفان لجماهير الشعب اليمني لتلبيتهم نداء الواجب ودعوة السيد القائد    مبعوث ترامب يهاجم حكومة نتنياهو ويتهمها بإطالة أمد الحرب في غزة    بحاح يناقش آلية دمج الطلبة اليمنيين في المدارس المصرية وتحديث اتفاقية التعاون    الدكتوراه للباحث محمد القليصي في الأدب والنقد والبلاغة    حكم قضائي يُلزم الحكومة باسترداد آثار يمنية مهربة في عدة دول    أمريكا.. وَهْمٌ يَتَلَاشَى    مرض الفشل الكلوي (4)    رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر الخامس للطب المخبري ل" 26 سبتمبر ": المؤتمر سيكون نافذة للأبتكار    المدارس الصيفية ودورها في تعزيز الوعي    قطاع غزة.. 100 بين شهيد وجريح خلال 24 ساعة    ترامب في الخليج.. ماذا يُراد للمنطقة ومن المستهدف؟    أقنعة الشرعية... وخنجر الخيانة    شركة النفط تحذر من الشائعات وتوجه دعوة للمواطنين    اعلان هام لجميع مالكي السيارات ..    ضربة الشمس والإنهاك والفرق بينهما؟    وزير الشباب والرياضة يعزي في وفاة نجم المنتخبات الوطنية السابق عبدالله مكيش    سقطرى    محمد الحوثي يعزّي في وفاة العلامة محمد بن حسن الحوثي    البحرية البريطانية تحذر الاقتراب من موانئ اليمن    اختتام فعاليات أسبوع المرور العربي في المحافظات المحررة    عندما يصبح النور مطلباً للنضال    ملخص مباراة برشلونة ضد ريال مدريد بالدوري الاسباني    البرنامج الوطني لمكافحة التدخين يدشن حملة توعوية في عدن تحت شعار "فضح زيف المغريات"    هدية بمليارات $.. قطر ستهدي ترامب طائرة رئاسية فاخرة    القنصلية اليمنية تصدر تعليمات هامة للطلاب والمسافرين الى الهند    وزير الشباب يلتقي إدارة نادي شباب الأحمدي الرياضي برداع    شركات أمنية رافقت نساء المنظمات والشرعية يوم أمس    بدء الجولة الرابعة من المفاوضات بين طهران وواشنطن في مسقط    عن خروج حرائر النساء للشارع.    زيارة ترامب للمنطقة ومحطتها الاولى الرياض والملفات الشائكة    توقف مفاوضات النصر السعودي مع كريستيانو رونالدو    الريال السعودي في الجنوب عمالة وفي اليمن وطنية    وفاة شخص وإصابة آخر إثر انقلاب مركبة وسقوطها في عرض البحر بمدينة المكلا    دراسة: المصريون القدماء استخدموا "تقنية بركانية" وآلات قديمة عالية التقنية لبناء الأهرامات    نجل الخائن العليمي يحصل على القطاع اس -5 بشبوة    انتشار فيديوهات مفبركة بالذكاء الاصطناعي ل"كوكب الشرق"    تسجيل 17,823 إصابة بالملاريا والأمراض الفيروسية في الحديدة منذ بداية 2025    ثورة النسوان.. تظاهرة لم تشهدها عدن منذ رحيل بريطانيا    بايرن ميونخ يتوج بطلاً للدوري الألماني اثر تغلبه على بوروسيا مونشنجلادباخ    الموسم المقبل.. 6 أندية إنجليزية في دوري الأبطال    الملك سلمان يرعى نهائي كأس خادم الحرمين الشريفين    بايرن ميونيخ يحتفل بلقب الدوري للمرة ال 34 ويودع نجمه المخضرم توماس مولر    رسالة الحرائر إلى رأس الافعى الذي منع توريد وقود الكهرباء    "صوت النساء يعلو".. احتجاج نسوي واسع يطالب بإنهاء التدهور الخدمي والمعيشي في عدن    مايهزك نبيح ياعدن    مرحلة عصيبة ومعقدة تمر بها عدن    وثيقة عقوبات قبلية تثير استياء واسع في اوساط المثقفين اليمنيين    الفن بين المرآة والسيف: خطر مشهد السحل في الدراما "طريق إجباري" نموذجًا    - كيف ينظر وزير الشباب والرياضة في صنعاء لمن يعامل الاخرين بسمعه اهله الغير سوية    المقالح يبدي خشيته من استغلال اتفاق مسقط لتعزيز الكيان الانفصالي    العدالة للداخل قبل الخارج..!    الإعلان عن القائمة الأولية لمعسكر المنتخب الوطني الداخلي في المكلا    كفى عبثا كفى إذلالا.. أهذه شراكة أم استعمارٌ مقنّع؟    وزير الأوقاف: تفويج حجاج اليمن سيبدأ الثلاثاء القادم    الأتباع يشبهون بن حبريش بالامام البخاري (توثيق)    وزارة الأوقاف تعلن بدء تسليم المبالغ المستردة للحجاج عن موسم 1445ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحرب والشذوذ

الحروب بطبيعتها العامة تمثل شذوذاً عما هو إنساني وأخلاقي، لاسيما الحروب الأهلية، التي يقتل الأخ فيها أخاه. إذ يتحول الإنسان فيها إلى آلة قتل، يقتل بالدرجة الأولى مشاعره الإنسانية في داخله ويُضعف عناصر الخير في تكوينه البشري، ويصبح قتل الآخر المواجه له هدفاً وغاية. ولكن للشذوذ في الحروب درجات، تتمايز بقدر التمسك بقواعد الحرب، التي رسختها عبر تاريخ البشر الأعراف والتقاليد والتعاليم الدينية وماتوافق عليه المجتمع البشري في العصر الحديث من قواعد وضوابط تحكم سلوك المتحاربين. فالقتل دون إفراط، يمكن تبريره في حالة الإشتباكات. ولكنه محرم في حالة الأسر، أو في حالة انهزام طرف من أطراف القتال وهروبه أو استسلامه. فالمنهزم الهارب لايجوز قتله، لأن قتله من الخلف جريمة، ولا ينم عن شجاعة القاتل، ولايجوز أن يلاحق إلا بهدف أسره. أما قتل الأسير أو حتى تعذيبه، فهو شذوذ صارخ عن القيم الأخلاقية والدينية وقواعد وأعراف الحروب.
عندما أُسر وزير الدفاع في لحج، وهو يقاتل على رأس الوحدات العسكرية الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي، خاطب الشاب المكلف بحراسته، بحسب الحوار المنشور حينذاك، متمنياً لو أنه، أي الشاب، قد عجل بوضع رصاصة في رأسه. ربما كان الوزير في تلك اللحظة يتوقع أن يُهان ثم يُقتل. لكن الشاب أجابه: "ماتقولش هكذا يافندم، بايقع خير". هذا الحوار يعكس أخلاقاً أخرى غير ما أصبحنا نشاهده، يعكس أخلاق اليمنيين، التي ترسخت عبر آلاف السنين وأصبحت الآن مهددة بالإندثار. فهل استمرار الحرب هو السببب في تكوُّن أخلاق جديدة، لاعهد لنا بها؟ أم هو تكوين ثقافي ونفسي وأخلاقي خطر، مستورد من بيئات أخرى غير البيئة اليمنية؟
ما حدث مؤخراً في تعز من قتل الأسرى والتمثيل بجثثهم أمر خارج عن المألوف. إنه شيء مرعب ومقزز ولا يمت إلى طبيعة اليمنيين وأخلاقهم بصلة، فما بالك بطبيعة وأخلاق تعز وأهلها، عقل اليمن ومخزن مدنيته الواعدة وموطن نخبته المثقفة، بل وموطن الطبقة الوسطى، التي تمثل في كل المجتمعات البشرية قاعدة التوازن والإعتدال والقيم الأخلاقية والبناء والتعمير والعلم والثقافة والتنوير. إن ما حدث يعكس حالة من التردي الأخلاقي، الذي تغذيه الحرب، والذي نخشى من تأثيراته المستقبلية على تعايش مجتمعنا من جديد، بعد أن تضع الحرب أوزارها وتُطوى بمآسيها وشرورها. إن ما حدث لايمكن التعبير عن بشاعته بالكلمات. وقد عبر الكثير من أبناء تعز ومن كُتَّابها وناشطيها وقادتها السياسيين عن صدمتهم وإدانتهم لهذا السلوك الشاذ.
نعم إن الحرب شذوذ بطبيعتها. ولكن أشدها شذوذاً هو ماشاهدناه، من قتل الأسرى وتعليق جثثهم كالخراف وتقطيع أوصالهم وسحلهم. إنه تعبير صارخ عن هزيمة أخلاقية مني بها اليمنيون جميعهم. ولذا فليس أبناء تعز وحدهم معنيون بالوقوف في وجه هذا الإنحطاط الأخلاقي، بل هي مهمة كل اليمنيين في كل مناطقهم. فما حدث في تعز يمكن أن يحدث في أية منطقة يمنية أخرى. وقد سبق أن شاهدنا نذره في حضرموت، عندما أُحرق بائع متجول وهو حي يصرخ، حتى لفظ أنفاسه الأخيرة. ثم عندما أُنزل بعض المجندين الشباب من حافلة ركاب مدنية، وهم في طريقهم إلى قراهم وأسرهم، بملابسهم المدنية لايحملون سلاحاً، وتم ذبحهم على مرأى ومسمع من بقية الركاب. وشاهدنا بعد ذلك عملية الذبح وقتل الأسرى تتكرر في مناطق أخرى. ولم يشعر معظم اليمنيين بفظاعة الأمر وخطورته، ولم يكترثوا إلا عندما بلغ الشذوذ درجة التعليق والسلخ والسحل في الشوارع.
وهنا لابد من القول بأن على اليمنيين جميعهم، بمختلف اصطفافاتهم أن يبذلوا جهودهم للمحافظة على القيم السوية التي سادت في مجتمعهم وأسبغت عليهم قدراً من التميُّز، عبر عنه الرسول الكريم في حديثه المشهور. فهم أرق أفئدة وأسمى أخلاقاً وأوفى عهوداً وأكثر مراعاة لبعضهم ولسواهم وحتى لأعدائهم. إنهم حضر يتميزون بأخلاق الحضارة ورقيها ورقتها وإنسانيتها. فإذا انتهت الحرب إلى تدميرنا مادياً، فلن يبق لنا مانحرص عليه إلا أخلاقنا وإنسانيتنا. فإن فرطنا بهما، خسرنا كل شيء.
وعلى المقاومين في تعز، وهم المعنيون بهذا الأمر بالدرجة الأولى، عليهم أن يتصدوا لهذا الشذوذ، بدءاً بالتعبير الواضح عن إدانتهم ورفضهم لهذه الأفعال الإجرامية المشينة، وانتهاءً بمحاسبة مرتكبيها، محاسبة علنية. حتى يرتدع سواهم مستقبلاً عن فعل مافعل هؤلاء، وحتى لايتبادر إلى الأذهان بأن ما حدث قد يكون عنواناً لمشروع قادم، يُعد في الخفاء لليمن ولشعبه الطيب. وعلى عقلاء اليمن أن يبذلوا جهودهم الحثيثة لإيقاف الحرب والدفع بالمتحاربين إلى طاولة الحوار للتوافق على كل الترتيبات، الكفيلة بانسحاب جميع المليشيات المتقاتلة من المدن والأرياف وتسليم أسلحتها لجهة محايدة، يتم التوافق عليها، وتطبيع الحياة وتهيئة المناخ الملائم للشروع في بناء الدولة الحامية للجميع، قبل أن تصبح الحرب أكثر وحشية مما رأيناه حتى الآن، ويغدو الشر أكبر مما يمكن للعقلاء تداركه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.