شعبة الثقافة الجهادية في المنطقة العسكرية الرابعة تُحيي ذكرى الشهيد    الأرصاد يحذر من احتمالية تشكل الصقيع على المرتفعات.. ودرجات الحرارة الصغرى تنخفض إلى الصفر المئوي    الأهلي يفوز بكأس السوبر المصري على حساب الزمالك    الكثيري يُعزّي عضو الجمعية الوطنية الدكتور محمد باعباد في وفاة والده الشيخ المناضل أبوبكر باعباد    محافظ العاصمة عدن يكرم الشاعرة والفنانة التشكيلية نادية المفلحي    فعالية تأبينية في البيضاء للوزير الشهيد محمد المولد    قبائل وصاب السافل في ذمار تعلن النفير والجهوزية لمواجهة مخططات الأعداء    رايو فاييكانو يعرقل ريال مدريد ويوقف سلسلة انتصاراته بالتعادل السلبي    هيئة الآثار تستأنف إصدار مجلة "المتحف اليمني" بعد انقطاع 16 عاما    في بطولة البرنامج السعودي : طائرة الاتفاق بالحوطة تتغلب على البرق بتريم في تصفيات حضرموت الوادي والصحراء    وزير الصحة: نعمل على تحديث أدوات الوزارة المالية والإدارية ورفع كفاءة الإنفاق    تدشين قسم الأرشيف الإلكتروني بمصلحة الأحوال المدنية بعدن في نقلة نوعية نحو التحول الرقمي    جناح سقطرى.. لؤلؤة التراث تتألق في سماء مهرجان الشيخ زايد بأبوظبي    كتائب القسام تسلم جثة ضابط صهيوني أسير بغزة للصليب الأحمر    وزير الصناعة يشيد بجهود صندوق تنمية المهارات في مجال بناء القدرات وتنمية الموارد البشرية    رئيس بنك نيويورك "يحذر": تفاقم فقر الأمريكيين قد يقود البلاد إلى ركود اقتصادي    اليمن تشارك في اجتماع الجمعية العمومية الرابع عشر للاتحاد الرياضي للتضامن الإسلامي بالرياض 2025م.    صنعاء.. البنك المركزي يوجّه بإعادة التعامل مع منشأة صرافة    الكثيري يؤكد دعم المجلس الانتقالي لمنتدى الطالب المهري بحضرموت    إصابة 4 مواطنين بانفجار لغمين من مخلفات مليشيات الحوثي غرب تعز    بن ماضي يكرر جريمة الأشطل بهدم الجسر الصيني أول جسور حضرموت (صور)    رحلة يونيو 2015: نصر الجنوب الذي فاجأ التحالف العربي    رئيس الحكومة يشكو محافظ المهرة لمجلس القيادة.. تجاوزات جمركية تهدد وحدة النظام المالي للدولة "وثيقة"    الحراك الجنوبي يثمن إنجاز الأجهزة الأمنية في إحباط أنشطة معادية    خفر السواحل تعلن ضبط سفينتين قادمتين من جيبوتي وتصادر معدات اتصالات حديثه    ارتفاع أسعار المستهلكين في الصين يخالف التوقعات في أكتوبر    حزام الأسد: بلاد الحرمين تحولت إلى منصة صهيونية لاستهداف كل من يناصر فلسطين    علموا أولادكم أن مصر لم تكن يوم ارض عابرة، بل كانت ساحة يمر منها تاريخ الوحي.    كم خطوة تحتاج يوميا لتؤخر شيخوخة دماغك؟    محافظ المهرة.. تمرد وفساد يهددان جدية الحكومة ويستوجب الإقالة والمحاسبة    عملية ومكر اولئك هو يبور ضربة استخباراتية نوعية لانجاز امني    أبناء الحجرية في عدن.. إحسان الجنوب الذي قوبل بالغدر والنكران    نائب وزير الشباب يؤكد المضي في توسيع قاعدة الأنشطة وتنفيذ المشاريع ذات الأولوية    سرقة أكثر من 25 مليون دولار من صندوق الترويج السياحي منذ 2017    أوقفوا الاستنزاف للمال العام على حساب شعب يجوع    عين الوطن الساهرة (1)    هل أنت إخواني؟.. اختبر نفسك    الدوري الانكليزي الممتاز: تشيلسي يعمق جراحات وولفرهامبتون ويبقيه بدون اي فوز    جرحى عسكريون ينصبون خيمة اعتصام في مأرب    قراءة تحليلية لنص "رجل يقبل حبيبته" ل"أحمد سيف حاشد"    الهيئة العامة لتنظيم شؤون النقل البري تعزّي ضحايا حادث العرقوب وتعلن تشكيل فرق ميدانية لمتابعة التحقيقات والإجراءات اللازمة    الوزير البكري يحث بعثة اليمن المشاركة في العاب التضامن الإسلامي في الرياض على تقديم افضل أداء    مأرب.. فعالية توعوية بمناسبة الأسبوع العالمي للسلامة الدوائية    المستشفى العسكري يدشن مخيم لاسر الشهداء بميدان السبعين    وفاة جيمس واتسون.. العالم الذي فكّ شيفرة الحمض النووي    بحضور رسمي وشعبي واسع.. تشييع مهيب للداعية ممدوح الحميري في تعز    الهجرة الدولية ترصد نزوح 69 أسرة من مختلف المحافظات خلال الأسبوع الماضي    القبض على مطلوب أمني خطير في اب    في ذكرى رحيل هاشم علي .. من "زهرة الحنُّون" إلى مقام الألفة    المحاسبة: من أين لك هذا؟    مأرب.. تسجيل 61 حالة وفاة وإصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام    على رأسها الشمندر.. 6 مشروبات لتقوية الدماغ والذاكرة    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    صحة مأرب تعلن تسجيل 4 وفيات و57 إصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام الجاري    ضيوف الحضرة الإلهية    الشهادة في سبيل الله نجاح وفلاح    "جنوب يتناحر.. بعد أن كان جسداً واحداً"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحرب والشذوذ

الحروب بطبيعتها العامة تمثل شذوذاً عما هو إنساني وأخلاقي، لاسيما الحروب الأهلية، التي يقتل الأخ فيها أخاه. إذ يتحول الإنسان فيها إلى آلة قتل، يقتل بالدرجة الأولى مشاعره الإنسانية في داخله ويُضعف عناصر الخير في تكوينه البشري، ويصبح قتل الآخر المواجه له هدفاً وغاية. ولكن للشذوذ في الحروب درجات، تتمايز بقدر التمسك بقواعد الحرب، التي رسختها عبر تاريخ البشر الأعراف والتقاليد والتعاليم الدينية وماتوافق عليه المجتمع البشري في العصر الحديث من قواعد وضوابط تحكم سلوك المتحاربين. فالقتل دون إفراط، يمكن تبريره في حالة الإشتباكات. ولكنه محرم في حالة الأسر، أو في حالة انهزام طرف من أطراف القتال وهروبه أو استسلامه. فالمنهزم الهارب لايجوز قتله، لأن قتله من الخلف جريمة، ولا ينم عن شجاعة القاتل، ولايجوز أن يلاحق إلا بهدف أسره. أما قتل الأسير أو حتى تعذيبه، فهو شذوذ صارخ عن القيم الأخلاقية والدينية وقواعد وأعراف الحروب.
عندما أُسر وزير الدفاع في لحج، وهو يقاتل على رأس الوحدات العسكرية الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي، خاطب الشاب المكلف بحراسته، بحسب الحوار المنشور حينذاك، متمنياً لو أنه، أي الشاب، قد عجل بوضع رصاصة في رأسه. ربما كان الوزير في تلك اللحظة يتوقع أن يُهان ثم يُقتل. لكن الشاب أجابه: "ماتقولش هكذا يافندم، بايقع خير". هذا الحوار يعكس أخلاقاً أخرى غير ما أصبحنا نشاهده، يعكس أخلاق اليمنيين، التي ترسخت عبر آلاف السنين وأصبحت الآن مهددة بالإندثار. فهل استمرار الحرب هو السببب في تكوُّن أخلاق جديدة، لاعهد لنا بها؟ أم هو تكوين ثقافي ونفسي وأخلاقي خطر، مستورد من بيئات أخرى غير البيئة اليمنية؟
ما حدث مؤخراً في تعز من قتل الأسرى والتمثيل بجثثهم أمر خارج عن المألوف. إنه شيء مرعب ومقزز ولا يمت إلى طبيعة اليمنيين وأخلاقهم بصلة، فما بالك بطبيعة وأخلاق تعز وأهلها، عقل اليمن ومخزن مدنيته الواعدة وموطن نخبته المثقفة، بل وموطن الطبقة الوسطى، التي تمثل في كل المجتمعات البشرية قاعدة التوازن والإعتدال والقيم الأخلاقية والبناء والتعمير والعلم والثقافة والتنوير. إن ما حدث يعكس حالة من التردي الأخلاقي، الذي تغذيه الحرب، والذي نخشى من تأثيراته المستقبلية على تعايش مجتمعنا من جديد، بعد أن تضع الحرب أوزارها وتُطوى بمآسيها وشرورها. إن ما حدث لايمكن التعبير عن بشاعته بالكلمات. وقد عبر الكثير من أبناء تعز ومن كُتَّابها وناشطيها وقادتها السياسيين عن صدمتهم وإدانتهم لهذا السلوك الشاذ.
نعم إن الحرب شذوذ بطبيعتها. ولكن أشدها شذوذاً هو ماشاهدناه، من قتل الأسرى وتعليق جثثهم كالخراف وتقطيع أوصالهم وسحلهم. إنه تعبير صارخ عن هزيمة أخلاقية مني بها اليمنيون جميعهم. ولذا فليس أبناء تعز وحدهم معنيون بالوقوف في وجه هذا الإنحطاط الأخلاقي، بل هي مهمة كل اليمنيين في كل مناطقهم. فما حدث في تعز يمكن أن يحدث في أية منطقة يمنية أخرى. وقد سبق أن شاهدنا نذره في حضرموت، عندما أُحرق بائع متجول وهو حي يصرخ، حتى لفظ أنفاسه الأخيرة. ثم عندما أُنزل بعض المجندين الشباب من حافلة ركاب مدنية، وهم في طريقهم إلى قراهم وأسرهم، بملابسهم المدنية لايحملون سلاحاً، وتم ذبحهم على مرأى ومسمع من بقية الركاب. وشاهدنا بعد ذلك عملية الذبح وقتل الأسرى تتكرر في مناطق أخرى. ولم يشعر معظم اليمنيين بفظاعة الأمر وخطورته، ولم يكترثوا إلا عندما بلغ الشذوذ درجة التعليق والسلخ والسحل في الشوارع.
وهنا لابد من القول بأن على اليمنيين جميعهم، بمختلف اصطفافاتهم أن يبذلوا جهودهم للمحافظة على القيم السوية التي سادت في مجتمعهم وأسبغت عليهم قدراً من التميُّز، عبر عنه الرسول الكريم في حديثه المشهور. فهم أرق أفئدة وأسمى أخلاقاً وأوفى عهوداً وأكثر مراعاة لبعضهم ولسواهم وحتى لأعدائهم. إنهم حضر يتميزون بأخلاق الحضارة ورقيها ورقتها وإنسانيتها. فإذا انتهت الحرب إلى تدميرنا مادياً، فلن يبق لنا مانحرص عليه إلا أخلاقنا وإنسانيتنا. فإن فرطنا بهما، خسرنا كل شيء.
وعلى المقاومين في تعز، وهم المعنيون بهذا الأمر بالدرجة الأولى، عليهم أن يتصدوا لهذا الشذوذ، بدءاً بالتعبير الواضح عن إدانتهم ورفضهم لهذه الأفعال الإجرامية المشينة، وانتهاءً بمحاسبة مرتكبيها، محاسبة علنية. حتى يرتدع سواهم مستقبلاً عن فعل مافعل هؤلاء، وحتى لايتبادر إلى الأذهان بأن ما حدث قد يكون عنواناً لمشروع قادم، يُعد في الخفاء لليمن ولشعبه الطيب. وعلى عقلاء اليمن أن يبذلوا جهودهم الحثيثة لإيقاف الحرب والدفع بالمتحاربين إلى طاولة الحوار للتوافق على كل الترتيبات، الكفيلة بانسحاب جميع المليشيات المتقاتلة من المدن والأرياف وتسليم أسلحتها لجهة محايدة، يتم التوافق عليها، وتطبيع الحياة وتهيئة المناخ الملائم للشروع في بناء الدولة الحامية للجميع، قبل أن تصبح الحرب أكثر وحشية مما رأيناه حتى الآن، ويغدو الشر أكبر مما يمكن للعقلاء تداركه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.