مأساة في حجة.. وفاة طفلين شقيقين غرقًا في خزان مياه    لماذا صراخ دكان آل عفاش من التقارب الجنوبي العربي التهامي    بن مبارك بعد مئة يوم... فشل أم إفشال!!    البنك المركزي يذكّر بالموعد النهائي لاستكمال نقل البنوك ويناقش الإجراءات بحق المخالفين    الجوانب الانسانية المتفاقمة تتطلّب قرارات استثنائية    وفاة طفلة نتيجة خطأ طبي خلال عملية استئصال اللوزتين    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    عبد الله البردوني.. الضرير الذي أبصر بعيونه اليمن    مكاتب الإصلاح بالمحافظات تعزي رئيس الكتلة البرلمانية في وفاة والده    الثالث خلال أشهر.. وفاة مختطف لدى مليشيا الحوثي الإرهابية    هجوم حوثي مباغت ومقتل عدد من ''قوات درع الوطن'' عقب وصول تعزيزات ضخمة جنوبي اليمن    تغير مفاجئ في أسعار صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية    أقرب صورة للرئيس الإيراني ''إبراهيم رئيسي'' بعد مقتله .. وثقتها الكاميرات أثناء انتشال جثمانه    الريال يخسر نجمه في نهائي الأبطال    بعثة اليمن تصل السعودية استعدادا لمواجهة البحرين    انفراد.. "يمنات" ينشر النتائج التي توصلت إليها لجنة برلمانية في تحقيقها بشأن المبيدات    مدرب مفاجئ يعود إلى طاولة برشلونة    ماذا يحدث في إيران بعد وفاة الرئيس ''إبراهيم رئيسي''؟    عودة خدمة الإنترنت والاتصالات في مناطق بوادي حضرموت بعد انقطاع دام ساعات    مدارس حضرموت تُقفل أبوابها: إضراب المعلمين يُحوّل العام الدراسي إلى سراب والتربية تفرض الاختبارات    كنوز اليمن تحت رحمة اللصوص: الحوثيون ينهبون مقبرة أثرية في ذمار    قادم من سلطنة عمان.. تطور خطير وصيد نوعي في قبضة الشرعية وإعلان رسمي بشأنه    أول فيديو من موقع سقوط طائرة الرئيس الإيراني ووصول فريق الإنقاذ "شاهد"    الدوري الفرنسي : PSG يتخطى ميتز    هادي هيج: الرئاسة أبلغت المبعوث الأممي أن زيارة قحطان قبل أي تفاوض    الليغا .. سقوط البطل المتوج ريال مدريد في فخ التعادل وفوز برشلونة بثلاثية    تناقض حوثي مفضوح حول مصير قحطان    غموض يحيط بمصير الرئيس الايراني ومسؤولين اخرين بعد فقدان مروحية كانوا يستقلونها    قبيل مواجهة البحرين.. المنتخب الوطني يقيم معسكر خارجي في الدمام السعودية    إنتر ميامي يتغلب على دي سي يونايتد ويحتفظ بالصدارة    إلى متى نتحمل فساد وجرائم اشقائنا اليمنيين في عدن    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 35,456 شهيداً و 79,476 مصابا    الجامعة العربية: أمن الطاقة يعد قضية جوهرية لتأثيرها المباشر على النمو الاقتصادي    وزير المياه والبيئة يبحث مع المدير القطري ل (اليونبس) جهود التنسيق والتعاون المشترك مميز    عدن.. وزير الصحة يفتتح ورشة عمل تحديد احتياجات المرافق الصحية    رئيس هيئة النقل البري يتفقد العمل في فرع الهيئة بمحافظة تعز مميز    رئيس الهيئة العليا للإصلاح يعزي الهجري في وفاة والده    تقرير: نزوح قرابة 7 آلاف شخص منذ مطلع العام الجاري    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    نهائي دوري ابطال افريقيا .. التعادل يحسم لقاء الذهاب بين الاهلي المصري والترجي التونسي    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    جريمة لا تُغتفر: أب يزهق روح ابنه في إب بوحشية مستخدما الفأس!    دعوات تحريضية للاصطياد في الماء العكر .. تحذيرات للشرعية من تداعيات تفاقم الأوضاع بعدن !    الاستاذة جوهرة حمود تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقة    الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد تصدر توضيحًا بشأن تحليق طائرة في سماء عدن    الجيش الأمريكي: لا إصابات باستهداف سفينة يونانية بصاروخ حوثي    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من الذاكرة الوطنية.. المناضل والنقابي عبدالله الوصابي مميز

زهاء النصف قرن وأكثر هو عمر الحركة الوطنية اليمنية الحديثة، مسيرة طويلة زاخرة بالكثير من التضحيات تساقط فيها الكثيرون على الدرب وما يزال الدرب والتضحيات بانتظار آخرين، من بين ذلك الصف الطويل من المناضلين تختار «الثوري» هذا العدد من الذاكرة الوطنية واحداً من أهم وألمع نجومها ومثقفيها الذين جادت بهم الحركة لليمن شمالاً وجنوباً، ورغم ذلك ما زال النسيان يحاول جاهداً طي صفحته وغمر تاريخه وإيداعه بعيداً عن مستقبل اليمنيين في أرشيف النسيان الذي تحول الى آفة يمنية وعربية بامتياز.
المناضل النقابي الأستاذ عبدالله الوصابي أول نقيب للصحفيين ومؤسس «الثوري» هو من اختارته الصحيفة، صحيفته، لتقديمه لقرائها ممن يجهل أو تناسى تاريخ الرجل. لم يرشحه لذلك انه مؤسسها «الثوري» فحسب، بل تاريخ حافل بالإنجازات الوطنية رصدنا منها ما استطعنا الى ذلك سبيلا والشكر كل الشكر للاستاذة آزال والدكتور نبيل والفندم أنور أبناء الفقيد على ما قدموه لنا من معلومات نرصدها في السطور التالية:
ولد فقيد الحركة الوطنية والنقابية الأستاذ عبدالله أحمد علي الوصابي في العام 1940 في مدينة جبلة بمحافظة إب وتلقى تعليمه الاولي في جامع جبلة (جامع الملكة أروى) على أيدي العديد من مشائخ العلم الذين اشتهرت بهم المدينة، قبل ان يغادر مدينته للمرة الأولى ولم يتجاوز عمره العاشرة الى مدينة تعز بحثاً عن العمل وحظه في الحياة الذي تضاءل كثيراً أمام اليمنيين في ظل حكم الإمام أحمد حميد الدين، وفي تعز عمل لفترة من الوقت كعامل أحجار قبل ان تقوده خطاه الى العمل في الطباعة ومنها برزت موهبته الاستثنائية في الكتابة والعمل الصحافي ويلتقي هناك مع الأستاذ والمفكر عبدالله باذيب الذي كان يصدر صحيفة الطليعة ليعمل محرراً فيها.
تعرض الأستاذ عبدالله الوصابي للاعتقال الأول في تلك الفترة المبكرة من حياته ومن عمله كصحافي على خلفية مقالة له هاجم فيها الإمام احمد عنونها ب«صاحب الجلافة» مما أزعج الإمام كثيراً وطلب بالتحقيق مع صاحبها، وعندما حاول أحد المحققين إيجاد مخرج للفتى اليافع الذي يقف أمامه وتقييد ما حدث في المقالة بخطأ مطبعي إنبرى الفتى متحدثاً بحماسة ان ما قام به كان مقصوداً ولا يوجد خطأ مطبعي في موضوعه، ليحكم عليه ونتيجة لاعترافه بالسجن وينقل بعدها من تعز الى صعدة ليقضي في سجن السنارة مدة العقوبة الصادرة بحقه.
وبعد خروجه من السجن التقى ببعض الضباط الأحرار وساهم معهم في كتابة المنشورات والعمل الدعائي والتحريضي ضد حكم الأئمة، وبحسب شهادة أوردتها أم الشهيد اللقية في برنامج إذاعي أذيع عقب قيام ثورة سبتمبر 1962 ان ولدها الشهيد ومعه مجموعة من أصدقائه بضمنهم الأستاذ عبدالله الوصابي كانوا يقومون بكتابة المنشورات وتوزيعها في صنعاء وتعز.
وفي أعقاب فشل حركة 1955 وإعدام قائدها الملازم أحمد الثلايا وعدد من أعضاء حركته هرب المناضل عبدالله الوصابي الى عدن وهناك التحق بالعمل في صحيفة الأيام وحصل على فرصة للسفر الى القاهرة للتدريب والتأهيل في مجال العمل الصحفي عبر منحة من صحيفة الأهرام وفيها تدرب لمدة عام قبل ان يعود الى عدن وينخرط في صفوف حركة القوميين العرب التي تبنت الكفاح المسلح ضد الانجليز وعمل على تأسيس منشور الشرارة الذي هاجم وحرض فيه الجماهير في الجنوب على الثورة ضد الاستعمار البريطاني.
عاد بعدها الى شمال الوطن في العام 1962 فور اندلاع ثورة سبتمبر وتحديداً الى مدينة تعز وأسس فيها وفي العام نفسه صحيفة الأخبار كأول صحيفة يومية تصدر في شمال الوطن عقب الثورة مباشرة. وفي العام 1964 سافر المناضل عبدالله الوصابي الى القاهرة ضمن الوفد الصحفي المشارك في تأسيس اتحاد الصحفيين العرب الذي عُقد في القاهرة في فبراير من العام ذاته بدعوة من الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر.
وعقب انفصال حركة القوميين العرب فرع اليمن عن بيروت عقدت الحركة اجتماعين لها احتضنهما الشمال، الأول في الأعبوس بينما الثاني احتضنته مدينة جبلة في العام 1966 وأوكل للمناضلين الأستاذ عبدالله الوصابي والأستاذ أحمد قاسم دماج والأستاذ احمد منصور أبوأصبع مهمة إعداد وتأمين المؤتمر.
وحول هذا الموضوع نورد شهادة أحد رفاق الأستاذ عبدالله، يقول المناضل محمد محسن الرحبي في حوار أجراه معه الدكتور نجيب الغرباني لجريدة التغيير الالكترونية ونشر بتاريخ (23/10/2008): انفصلت حركة القوميين العرب في اليمن عن بيروت نتيجة لبعض الأحداث والانشقاق في صفوف الأمة العربية، إحنا كنا لا نعلم ما يحدث إلا عن طريق محاضرات تلقى علينا عن طريق الفقيدين عبدالله الوصابي وجار الله عمر وكانت تلقى في النادي الثقافي بجبلة حيث كانت جبلة مركزاً لتجمع الشباب المناضلين أمثال محمد الغشم، يحيى مجلي، عبدالله الخديري، أحمد أسحم، عبدالفتاح أسحم وآخرون، وكانت المحاضرات علنية بأيام الرئيس الارياني وكان يهدف من هذا العلن احتياجه لمقاومة الملكيين تحديداً في سنة 1969، وكان هدفنا تأسيس وضع سياسي جديد وتطبيق النظرية العلمية. (ومما جاء فيها، المقابلة، أيضاً): إب هي المحافظة الثانية بعد محافظة تعز التي قدمت لثورة 26 سبتمبر و14 أكتوبر دعمها المشهود والمعهود ولا غرابة ان يتزامن هذا الاحتفال بالذكرى الأربعين لانتفاضة ثوار الجبهة القومية يوم 20 يونيو 67 واستيلائهم على مدينة كريتر 17 يوماً كرد لهزيمة 5 يونيو 67 والاستقلال الوطني ال30 نوفمبر 67، حيث كانت مدينة جبلة قد احتضنت ثوار الجنوب وفيها انعقد المؤتمر العام الثاني لثوار الجبهة القومية في يونيو 1966 وكان عبدالله الوصابي واحمد منصور أبوأصبع من المكلفين برعاية المؤتمر (وصولاً الى ان يقول): واستمررنا في اجتماعات سرية وحتى بداية تشكيل الجبهة القومية عندما بدأت الحرب بين البريطانيين والثوار، الجنوب شكلت الجبهة القومية وعند تشكيلها حصل انفصال بين الجبهة القومية وبين الناصريين نتيجة خلافات سياسيه تدريجياً، كانت هناك حوارات في الشمال وطرح الآراء حول الوضع السياسي وكانت تنزل إلينا محاضرات عن الوضع الثوري والقومي وإحياء العمل الثقافي والعمل الحزبي، والهدف تغيير الوضع السياسي آنذاك وكانت علاقتنا في الجنوب علاقة سرية، كان الاجتماع سرياً، كنا في خلية لا تزيد عن أربعة وكانت تصل إلينا المعلومات عن طريق المرحوم عبدالله الوصابي واحمد قاسم دماج وغيرهما، كانت الدولة تعرف كل شيء ولكن لم يكن لديها قمع أو نزعة للقمع والسجن وكان الجنوبيون يأتون إلى الشمال عن طريق الشخصيات المقبولة والمرموقة كان المسؤول عنهم المرحوم عبدالله الوصابي.
عبدالله الوصابي من رعيل حزب القوميين العرب الأول وهو من مؤسسي الحزب الديمقراطي الثوري اليمني سنة 1968. من أنضج مثقفي اليمن ومن أكثرهم انحيازاً لقضايا الحياة فيه.
وهنا ننهي شهادة المناضل الرحبي لنعود الى العام 1967 ونزول الفقيد الى عدن وتأسيسه لنشرة الثوري عام 1967 بعدن والتي تحولت الى جريدة الثوري الناطقة باسم الجبهة القومية وبعدها الحزب الاشتراكي.
وبعد عودته من عدن تعرض الأستاذ عبدالله للاعتقال الثاني في صنعاء بعد أحداث أغسطس 1968 أيام الرئيس الارياني وبعد خروجه من السجن عاد مرة أخرى الى عدن وشارك بتاريخ 13 مايو 1971 في الاجتماع التأسيسي لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين كأول كيان نقابي موحد على مستوى الشطرين. وفي العام 1972 عين وكيلاً لوزارة الإعلام في صنعاء وبعدها نائباً لوزير إعلام الرئيس إبراهيم الحمدي الأستاذ المناضل أحمد دهمش وبعدها تم تعيينه وكيلاً لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.
في تلك الفترة من سبعينيات القرن المنصرم سعى فقيدنا بمعية مجموعة من الصحفيين الى تأسيس كيان نقابي للصحافيين في عموم اليمن، انطلاقاً من الدعوة اليه، وقد اختير عضواً في اللجنة التحضيرية، ورأس الاجتماع التأسيسي للنقابة سنة 1976 وانتخب رئيساً للهيئة الإدارية كأول نقيب للصحفيين اليمنيين. وكان آخر منصب تقلده مديراً للمؤسسة العامة للتجارة الخارجية والحبوب في تعز، ونتيجة لسياسته في بيع الحبوب للتجار والمواطنين بدون فارق كبير في السعر اشتكاه التجار الى العقيد علي عبدالله صالح والذي كان يشغل حينها منصب قائد لواء تعز، وعلى إثر الشكوى زار صالح الأستاذ الوصابي في مكتبه وبادره بالكلام قائلاً: أيش قلبتها اشتراكية يا وصابي؟، ورد عليه: المؤسسة مؤسسة المواطنين، ودخلا في فاصل من الجدل قبل ان ينسحب صالح ويغادر مكتب الوصابي.
وفي ليلة اغتيال الرئيس الحمدي والكلام هنا للدكتور نبيل الابن الأكبر للأستاذ عبدالله كان الوالد يجهز شنطته للسفر الى عدن رفقة الرئيس الحمدي للقاء الرئيس سالمين للتوقيع على اتفاقية الوحدة حسب ما فهمت وقد اتصل به الحمدي وطلب منه مرافقته الى عدن ليفاجأ بخبر مقتل الحمدي وبعدها تم اعتقال الوالد في قبو الأمن الداخلي قبل ان ينقل الى سجن الشبكة ولم يتم الإفراج عنه إلا بعد وساطة الرئيس علي ناصر محمد في لقائه مع الرئيس صالح في تعز وقد اشترط صالح مغادرة أبي للشطر الشمالي، وقبل بذلك علي ناصر محمد، وبالفعل أخرج الوالد من السجن الى صنعاء مكث فيها معنا لبعض الوقت قبل ان يغادر الى عدن. وفي عدن يقول الدكتور: تم استقبال الوالد وتخصيص فيلا وسيارة له مع وعد بترتيب وضعه هناك ونقلنا (أسرته) من صنعاء الى عدن.
وعن ظروف اعتقال والده يقول: كانت الظروف سيئة حيث تم سجنه انفرادياً لفترة طويلة من الوقت في زنزانة ضيقة لا تتسع لكي يمدد أقدامه وينام، ووجهت له تهمة قيادة تمرد للسجناء داخل السجن، وحدث ان قمت يوماً بزيارته وكان الآنسي مدير الأمن يوجه لي وللوالد شتائم ويصفه بالماركسي والشيوعي وببذاءات لم احتملها فقمت بالرد على إهانته فما كان منه إلا أن أمر الجنود بأخذي الى السجن، وفعلاً تم إيداعي السجن ليوم كامل ومن حسن الحظ ان الأستاذ عبدالقوي الحسيني كان موجوداً في الزنزانة نفسها التي أنزلني فيها الجنود فآنس ذلك وحشتي كثيراً.
ويستمر نبيل في التذكر سارداً قصة أخرى حدثت في مدينة إب حيث أوقف الأستاذ عبدالله الوصابي حكماً بالإعدام بحق امرأة في ميدان عام وتدخل مع حراستها جسدياً وتم الاعتداء عليه بشكل مبرح قبل ان يقتادوه الى المحافظ والذي كان على ما اعتقد الرويشان الذي انتابه الهلع وهو يتعرف على شخصية الوصابي ويصيح في وجه الجنود هكذا تعملون بهيكل اليمن وبالفعل تم إيقاف حكم الإعدام..
انتقل المناضل الوصابي وبناء على الاتفاق بين الرئيسين ناصر وصالح الى عدن استقر فيها فترة قليلة من الوقت قبل ان يغادرها للمرة الأخيرة الى أثيوبيا في رحلته الأبدية نحو الخلود حيث توفي في العاصمة أديس أبابا بتاريخ 16 مايو 1981 في ظروف وملابسات يشوبها الكثير من الغموض وتسابقت قيادة الشطرين في نعيه، وأرسلت طائرتان لنقل جثمانه، الأولى من عدن، والثانية من صنعاء. ونقل جثمانه في الطائرة التي أرسلت من عدن، وعقب وصول جثمانه الى جبلة منع رجال الأمن أفراد أسرته ومحبيه من رؤيته. ولم يتوقف الأمر عند حدود ذلك بل تجاوزه حد تعيين حراسة على قبره لفترة من الزمن.
يقول الأستاذ علي إدريس احد من حضروا جنازته رحمة الله على روحه الطاهرة والخزي والعار للقتلة، أدرك جيداً وقد كنا ندرس في الثانوية، وأحضروا الشهيد في تابوت (صندوق)، ومنعت المخابرات فتح الصندوق لإلقاء النظرة الأخيرة من قبل أهله ومحبيه!، وقد خرجت جبلة عن بكرة أبيها لتشييع الشهيد. كان لي الشرف ان أكون أحد من يحملون جسده الطاهر على أعناقهم، وفوجئنا بالدماء تسيل من التابوت الى أعناقنا، وعندها تيقن الجميع من (سر) إصرار المخابرات المرافقة على عدم السماح بفتح التابوت. لن يهدأ لنا بال حتى يقدم القتلة الى العدالة.
بذلك يختم ادريس شهادته. بلا شك ان طريق الكفاح الصعب الذي شقه المناضل الوصابي كان يقترب من محطته النهائية وفي محطاته الكثيرة أعطى أكثر مما تستطيعه جماعات وأحزاب للوطن وللحركة الوطنية، آمن بالشعب وعاش من أجله ومات في سبيل ما آمن به.
رحم الله الأستاذ عبدالله الوصابي والعزاء لأسرته وللحركة الوطنية فيما تركه من تاريخ حافل بالعطاء وبالانتماء للمشروع الكبير اليمن جنوبه وشماله، ومثلما شيعته جبلة شيعته عدن أيضاً، عدن التي أحبها ودعته بجنازة رمزية شارك فيها معظم قيادات الدولة والحزب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.