الحديث هنا ليس عن الشخصية المكتملة من حيث الطبيعة أو الانتماء، او المواقف الشجاعة التي اجترحها، او الثقافة التي امتلكها، او العلاقات الاجتماعية والسياسية التي نسجها، او البطولات التي سطرها، او القدرات المتعددة التي اكتنفها، وبها تمتع بموقع مميز في نفوس خصومه قبل محبيه. الحديث هنا، ليس عن مسيرة حياه "من الصرخة الاولى حتى الشهقة الاخيرة"، وما توسط بينها من معاناة وريادة وحنكة وتميز. او عن بصماته الواضحة في الاحداث التاريخية المتعاقبة، والقراءة العميقة لها، والرؤى الثاقبة لتجاوز أسبابها ونتائجها المعيقة لحركة التطور واحتوائها، بوحدة القوى والفعاليات بالتحرك السريع والإبتكار النافذ لعناصر التوحد والنجاح لافاق الحاضر والمستقبل. الحديث هنا عن اكتمال الشخصية الوطنية بمفهومها الاجتماعي والثقافي والسياسي، والاخلاقي والادبي. لا شك أن هذا الإكتمال لا يأتي فجأة ولا حتى بالفطرة، وليس بالتكوين الجيني -البيلوجي- اللذان لا يشكلان سوى النسبة الضئيلة اذا جاز القول، بل ناتج سلوكي يستوعب كافة التأثيرات الخاصة والعامة، الداخلية والخارجية وعلى مستويات عدة: تربوية، إخلاقية، تجارب كفاحية، مقدرات ذهنية (تستوعب وتميز بين مؤثرات الماضي واستحقاقات الحاضر وأفاق المستقبل)، وثقافة عامة بكل سماتها وتنوعاتها الفنية والادبية والروحية، وتلوناتها التاريخية (تراث، فكاهة، حكاية) وموروثات شعبية (تقاليد، عادات، وليمات متعددة). كلها عناصر تختزن في ذهنية وتكوين الشخصية الوطنية المتكاملة. ذات يوم وفي غمرة الانتخابات البرلمانية 1993م كان (جار الله عمر) يعمل بوتيرة عالية عن نجاح التجربة الديمقراطية الوليدة. الكفيلة -بحسب تعبيرة- "بتجاوز جزء تاريخي كبير من التمزق والحروب والفرقة، كأحد اهم المشاريع الوطنية المنبثقة عن الوحدة اليمنية وصمام امان لضمان استمرارها في اطار الدولة الوطنية الحديثة". اتذكر انه كان يطوف الليل والنهار حينها متنقلا بين المراكز والمديريات، محفزا لرفاقة واصحابة ولمن لا يعرفه من كل الاطياف السياسية باهمية هذه التجربة ونجاحها متجردا من إنتمائه السياسي ومن انحداره الجغرافي، عندما قال له احد ابناء منطقته: "يا رفيق جار الله! زرت كل المناطق، ما عدا منطقتنا... فرد عليه حينها بكل هدوء وروية: لست ابن النادرة... انا ابن اليمن" عندها بدأ وعي ما يغزو تفكيري، عن مفهوم الشخصية الوطنية المتكاملة... وبدأت افتش في صفحة ذاكرتي الذهنية عن شخصيات وطنية حقة (وفي حدود وعيي حينها)، ومن بين الاسماء الخالدة: الشهيد ابراهيم الحمدي، والشهيد عبدالفتاح اسماعيل، والشهيد سالم ربيع علي... وفي صباح يوم كانت الفضائيات في السابع والعشرين الاسود ديسمبر من العام 2002 المشؤوم، تبث كلمة الوداع الاخير، عندما كان (جار الله) يعدد مساوئ تخلفنا واسباب تأخرنا وإتساع رقعة الدم وقضايا الثأر تحت سمائنا وما يهدد حياتنا ومستقبل أولادنا -حيازة السلاح واستخدامه ضد بعضنا وكانت الوصية غير المرتقبة "اصدار قانون منع حيازة السلاح" وفور انتهائه جاءت الطلقة الغادرة لتسكن قلبا إتسع لوطن بأكمله... وعندها أدركت تماما ماذا يعني مفهوم الشخصية الوطنية المكتملة، وأي خسارة على الشعب والوطن "جار الله عمر" وبحجم وطن!!!. قناة الاشتراكي نت تليجرام _ قناة اخبارية للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة https://web.telegram.org/#/im?p=@aleshterakiNet