ما يجري حالياً في اليمن، أفقر دولة في العالم العربي وآخر مرشح في الشرق الأوسط لفشل الدولة، هو وضع خطوط المعركة. فإذا وكما يبدو محتملاً على نحو متزايد اندلعت حرب مفتوحة في وقت قريب، فسوف تتيح لأسو صراع يحصل من أجل التفوق الإقليمي بين المملكة العربية السعودية وإيران. لقد أثبتت كل من القوى أنها حريصة على تسليح جماعات تعتقد أنهم يستطيعون السيطرة عليها، على الرغم من تراث هذا التنافس الهدام الذي يحدث بالفعل في سورياوالعراق. وإذا ما تكررت القصة في اليمن، والذي بدأ بالفعل صراع السلطة على السيطرة بين الفصائل المتناحرة، فمن المحتمل أن تنزلق اليمن إلى حرب أهلية وحشية وطائفية على نحو متزايد من شأنه أن يمزق البلاد، بحسب تقرير لصحيفة "فورين بوليسي". وعلى مايبدو أن الصراع المنهك زاد حدته منذ أن سيطرت جماعة الحوثيين على العاصمة صنعاء نهاية سبتمبر الماضي، بمساعدة القبائل الشمالية الأخرى، وإيران. وبعد هروب الرئيس هادي الذي كان محاصراً في صنعاء، والذي سحب استقالته التي قال إنها جاءت عن إكراه وإجبار، يخطط الآن لتشكيل حكومة جديدة في عدن، وهذا ما اعتبرته "فورين بوليسي" أنه تشكيل حكومة في المنفى داخل اليمن نفسها. وتضيف الصحيفة، لا يمكن القول إن هذه الحرب جديدة أو مستحدثة بفعل الأحداث الأخيرة في الداخل اليمني والمنطقة برمتها، بل هي قديمة يمكن إرجاعها إلى بدايات المواجهات العسكرية مع جماعة الحوثي، لكنها عملياً تحدثت بشكل كبير، وارتفعت أسهمها أكثر بفعل الصراعات والحروب التي تمر بها المنطقة. لم تكن الأدلة والمؤشرات منعدمة أو ناقصة للحكم على أن ما يحدث في اليمن ليس سوى امتداد لصراعات الوكالة بين القوتين العظميين في الإقليم، أو ما يمكن وصفهما ب"قطبي الرحى" في منطقة الشرق الأوسط: السعودية (بكونها حامل لواء السنة)، وإيران (بكونها فارسة التشييع العالمي). تراجع النفوذ السعودي في اليمن من جانبه، يقول ليونيد سوكياتين، بروفيسور في المدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، إن وفاة ملك السعودية في يناير هذا العام أدى إلى تراجع النفوذ السعودي في اليمن، وارتفاع دعم إيران للحوثيين الشيعة. وإن نجاح جماعة الحوثي الشيعية في السيطرة على السلطة في اليمن من شأنه أن يغير الوضع الإقليمي، وتتعرض دول مجلس التعاون الخليجي التي يقودها السنة محاصرة دول الشيعة جنوباً وشمالاً. بالإضافة إلى ذلك، يشعر العالم الخارجي بالقلق من احتمال انتشار الاضطرابات في اليمن إلى بلدان أخرى. في الواقع، إن الحدود البرية الطويلة (1456كم) بين اليمن والسعودية جعل الأخيرة قلقة من امتداد الاضطرابات اليمنية إلى قبائل شيعة في السعودية. من جهتها، علقت صحيفة المصلحة الوطنية الأمريكية، أن السعودية وإيران هما قوتان مهمتان لهما تأثير قوي في الشرق الاوسط. وأن الصراع الطائفي بين الشيعة والسنة في السعودية وإيران الطويل الأمد تسبب في فتور العلاقات، كما زادت الأزمة السورية في السنوات الأخيرة المشاكل سوءاً. وتشعر السعودية بالاستياء من دعم إيران للرئيس السوري بشار الأسد، ومن جهتها تتهم إيران السعودية بأنها تدعم الإرهابيين في سوريا. وإذا كانت إيران تتدخل في الصراع في اليمن، فإن السعودية لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي، وقد تصبح اليمن في المستقبل ساحة مواجهة ساخنة بين البلدين. وعلى صعيد آخر، علقت صحيفة كوميرسانت الروسية، أنه على مدى السنوات ال20 الماضية، أصبحت السعودية الدولة الأكثر تأثيراً في الشرق الأوسط، وأصبحت الدولة الوحيدة في المنطقة يمكن أن تواجه إيران سياسياً ودينياً. وأن السعودية وإيران لن توقفا الاقتتال الداخلي من أجل التنافس على منصب القوى الإقليمية. حرب الوكالة يقول مراقبون، بينما ظل اليمن، طوال نصف القرن الماضي، ما يمكن اعتباره جزءاً ملحقاً بالمملكة العربية السعودية، فقد بات من غير الممكن اليوم مواصلة الحديث على ذلك النحو السهل. ليس بعد اكتمال تشكل قوة داخلية مقلقة مثل جماعة الحوثي المسلحة، التي تحولت خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة إلى ثقل مؤثر لمصلحة الخصم التاريخي اللدود للمملكة السعودية. وفي لحظة من تلك المتغيرات، تغاضت الرياض عن توسعات جماعة الحوثي الأخيرة في محافظة عمران، وبعد تجاوز الحوثي للحدود المرسومة في خيال الرياض، وسيطرته كلياً على عمران، بدأ القلق يراود المملكة من المغامرات اللاحقة التي ستترتب عليها تلك السيطرة، حتى شرعت بالتواصل مع الرئيس هادي من أجل إحداث مصالحة مع صالح وخلق اصطفاف وطني واسع لمواجهة الحوثي، وسط وعود بدعم سخي لتجاوز أزمات البلاد الاقتصادية. عملياً اقتصر حدوث ذلك التصالح على تسريبات صحافية. وحين تقدمت المليشيات صوب صنعاء لإسقاطها، ارتفعت المخاوف السعودية أكثر. حيث كان من الملاحظ أن توسعات الحوثي تتزامن، تقريباً، مع توسعات وانتصارات تنظيم "داعش" في العراق. وعليه، فقد فسر ذلك التسارع الكبير للأحداث في صنعاء من قبل مليشيات الحوثي (التي أصبحت العاصمة اليمنية الآن تحت رحمة مسلحيها)، على أنه محاولة من طهران لخلق جبهة جديدة قوية تناور عبرها المملكة وحلفائها في الخليج والعالم. وأكد الرئيس المستقيل هادي، مثل ذلك، في تصريحات صحفية أطلقها بعد رفض الحوثيين كافة المفاوضات لإنهاء الأزمة وسحب مسلحيهم من العاصمة وحولها، متهماً دولاً إقليمية بالسعي إلى مقايضة دمشقبصنعاء. ومؤخراً، أيضاً، نشرت تصريحات خطيرة في هذا السياق، نسبت لقائد الحرس الثوري الإيراني، اللواء محمد علي جعفري، أشار فيها إلى أن إيران سوف تدخل في حرب شاملة مع الدول العربية "المعادية للثورة الإسلامية الإيرانية" في المنطقة. حسب ما نسبته الصحافة لموقع "عماريون" التابع للحرس الثوري الإيراني. وأشار مجلس الأمن الدولي إلى مثل تلك التدخلات الإقليمية في اليمن، عندما دعا "جميع الدول الأعضاء إلى الامتناع عن التدخل الخارجي الذي يهدف إلى إثارة النزاعات وزعزعة الاستقرار"، وذلك في بيانه الصادر بشأن اليمن في 30 أغسطس الماضى. وحيث يرجح البعض أن تكون "حرب الوكالة" هي العامل الأقوى المسيطر على مسار الأحداث الراهنة والقادمة، إلا أن ثمة اعتقاداً سائداً يرى أن هذا الضغط الحوثي إنما يسعى إلى خلق واقع مشابه للبنان، من خلال الوصول إلى معادلة الشراكة في السلطة والقرار السياسي على قاعدة "الثلث المعطل". جسر جوي إيراني حطت، الخميس، في مطار صنعاء الدولي طائرة إيرانية ثانية محملة ب"المساعدات" لحلفائهم الحوثيين، وفقاً لما ذكرته وكالة سبأ للأنباء التي يسيطر عليها الحوثيون، بينما يؤكد عدد من المراقبين أن الرحلات الجوية، التي بدأت تتكثف على العاصمة اليمنية تنتظم في سياق "جسر جوي عسكري" غير معلن لنقل عتاد حربي وضباط نظاميين ومقاتلين شيعة متطوعين من دول عربية وإسلامية عديدة لدعم صمود الحوثيين في مواجهتهم مع السلطات الشرعية مثلما يحصل خاصة في سوريا. وقال مسؤول في منظمة إغاثية إيرانية، إن المساعدات "تزن سبعة أطنان وتشمل بطانيات وسجادات ومستلزمات طبية وصحية". وأضاف مسؤول منظمة "إمداد ونجاة" التابعة للهلال الأحمر الإيراني، أمير الدين روحنولز، أن هناك مساعدات أخرى مقدمة من الهلال الأحمر الإيراني للهلال الأحمر اليمني "ستصل قريباً" إلى اليمن. وهذه هي المرة الثانية في غضون أربعة أيام التي تصل فيها مثل هذه المساعدات، منذ توقيع اتفاق الطيران بين الحوثيين والإيرانيين. وكانت طائرة إيرانية وصلت، الأحد، إلى صنعاء قادمة من طهران، وهي الأولى من نوعها منذ الوحدة بين الشطرين، الشمالي والجنوبي، لليمن عام 1990. ويقول مراقبون، بحسب صحيفة "التلغراف" البريطانية، إن الأحداث في المنطقة وخاصة في العراقوسوريا ومن قبل ذلك في لبنان، بينت أنه لايمكن الوثوق بطبيعة "المساعدات" الإيرانية؛ لأن طهران تعودت فقط على إرسال الأسلحة والمقاتلين، بزعم الدفاع عن المقدسات والأقليات من حلفائها الشيعة. ولذلك فإن ما يحصل في اليمن لن يكون استثناء. وبحسب الصحيفة، يؤكد خبراء في شؤون السياسة الإقليمية الإيرانية أن طهران - وكما هي العادة - حسمت خيارها في اليمن من خلال المنحى المسلح عبر المليشيا التي تتبعها (الحوثيين)، كما هو الحال في سورياوالعراقولبنان. ويقرأ الخبراء من العدد الهائل للرحلات الجوية التي تسيرها إيران، أنها قررت فتح جسر عسكري جوي لدعم الحوثيين كما تفعل مع الرئيس السوري بشار الأسد وحزب الله في لبنان. ويقول مختصون في قانون العلاقات الدولية، إن "تسيير إيران رحلات جوية إلى اليمن بالاتفاق مع الحوثيين وليس مع الرئيس الشرعي للبلاد والحكومة التي هي مستقيلة الآن ودون مصادقة البرلمان، عمل غير قانوني، ويمكن لليمن أن يشكو إيران أمام المنظمات الدولية المختصة لفرض عقوبات على طيرانها". ويتهم مسؤولون يمنيون وعواصم عربية ولاسيما خليجية وغربية، طهران بدعم الحوثيين بالمال والسلاح وتقوية نفوذها في اليمن، في سياق صراع طائفي محتدم بين السنة (بزعامة السعودية) والشيعة (بزعامة ايران)، على النفوذ في عدة دول بالمنطقة بينها لبنانوسوريا. ويحذر مراقبون لشئون المنطقة من أن اليمن أصبح، بفعل التدخل الايراني القوي، على فوهة حرب طائفية طاحنة، قد تكون أسوأ حتى من سابقاتها في دول عربية أخرى، لاسيما مع بروز تقديرات لموازين القوى اليمنية تقول إنه لا يبدو أن أياً من الطرفين المتنازعين في وضع يسمح له بتحقيق انتصار عسكري حاسم على الطرف المقابل. ويجمع عسكريون وخبراء استراتيجيون على أن انتهاء المهلة الأممية التي منحت للحوثي ليعود إلى طرق المفاوضات، صار يتطلب تحركاً أممياً جاداً وإجراءات حاسمة حتى ولو تطلب الأمر تدخلاً عسكرياً، بحسب ما أورده موقع "ميدل إيست". فصل الجنوب صحيفة "لوس انجلوس" الأمريكية، قالت الأسبوع الماضي، إن الرئيس هادي يخطط لفصل الجنوب. وعلقت بقولها إنه في الجنوب، حيث تتفشى المشاعر الانفصالية، يقوم الرئيس عبد ربه منصور هادي، بإنشاء قاعدة قوة منافسة من رجال ميليشيا موالية، ووحدات من الجيش والقبائل، وبدعم من دول الخليج القوية. كما قام باستبدال قوات الحماية الرئاسية التي في عدن بميليشيا موالية له من الجنوبيين. وهذا ما يراه المراقبون أنه مؤشر لانفصال الجنوب، وبدعم من دول الخليج القوية وبرعاية أممية من قبل جمال بن عمر. وبحسب مصادر الصحيفة، أن هناك اتفاقاً بين الحوثيين والرئيس المستقيل هادي على تقسيم اليمن إلى جنوب وشمال، برعاية أممية. ويقال، إن المال السعودي يتدفق إلى قبائل سنية تعارض الحوثيين، ومقرها محافظة مأرب الغنية بالنفط. في الواقع، تشير التقارير إلى أن اليمن، ينقسم اليوم إلى اثنتين من مراكز القوى المتنافسة: صنعاء، التي تقع تحت سيطرة المتمردين الحوثيين من الشمال. وعدن، المدينة الساحلية الجنوبية التي فر إليها الرئيس هادي منذ أكثر من أسبوع، بعد هروبه من الإقامة الجبرية للحوثيين وإلغائه قرار استقالته من منصب الرئاسة. وكالة خبر