تناقلت الأخبار الطريفة، أن زوجة سعودية، تعمل معلمة، اختارت تلميذة في مدرستها، وخطبتها لزوجها، وتحملت تكاليف المهر والزواج. ومن قبلها، ظهر رجل، وسط أربع نسوة، مديرة مدرسة، ومعلمة، ومرشدة، وطالبة، تزوجهن دفعة واحدة. هذا الموقف، يلزمنا توضيحه. لأنه لا يسوغ الظن، أنه مفروض مباشرة، أو أن الدين أو العرف، قد أمرا به. فهو أمر غريب، قلما نجد له، وسط المجتمعات الإنسانية، مثلا. لكننا نلاحظ عدة حالات، في المجتمعات غير الإنسانية، يفرض فيها على الإناث، سيطرة الذكر، فيستكثر منهن، ويستبدلهن، ويلفظهن، ولا تثور الإناث عليه، ولا تسخط. ويبدو الأمر ليس غريبا، في بلد يؤمن بتعدد الزوجات، ويكثر منهن، بالطلاق. وقد توافرت لهذا البلد إمكانات مالية وسيعة، تمنع المرأة، من الانحراف وممارسة الرذيلة، بسبب الأوضاع الاقتصادية. فتحليل هذه الظاهرة، يستوجب العودة إلى التاريخ نفسه، الذي نستمد منه ثقافتنا وسلوكنا الاجتماعي. فعند المسلمين القدماء، قد تساعد المرأة التقية زوجها، في الزواج بامرأة أخرى، تتوقع من مسعاها ذلك ثواباً . روى الشيخ الجبرتي، المؤرخ المصري المعروف، عن إحدى زوجات أبيه،" انظر هنا زوجات أبيه" قال أنها كانت من الصالحات المصونات، وكانت بارة بزوجها، ومطيعة له. ومن جملة برها له، أنها كانت تشتري" لاحظ هنا تشتري" له من السراري الحسان، من مالها، وتنظمهن بالحلي، والملابس، وتقدمهن إليه، وتعتقد حصول الأجر والثواب لها بذلك. يقول الجبرتي، وكان يتزوج عليها كثيراً من الحرائر، فلا يثورها فعله، ولا يحصل عندها ما يحصل عند النساء، من الغيرة. فماذا نسمي هذا التراث الذي نقدسه ونبجله؟ وعلى نحو مما ذكره المؤرخون، فقد أدى تكاثر الجواري، وشيوع التسري، إلى ذهاب الغيرة من قلوب الرجال، حتى صاروا يتهادون الجواري الروميات، والتركيات، والفارسيات، وهن أجمل صورة، وأشرق وجهاً من نساء العرب. فبعد أن كان الرجل لا يعرف غير امرأته، والمرأة لا تفكر في غير زوجها ، وهي واثقة بأمانته، فإذا هو قد تشتت عواطفه بين عدة نساء، فقلت غيرته عليها. ولما رأته مشغولاً عنها ،قلت ثقتها به، إلا من عصمها عقلها وشرفها، حتى تنوسيت المرأة العربية في المدن، وذهبت حريتها وغيرتها ،وصارت هي نفسها تهدي زوجها الجارية ،وتحبب إليه القرب منها، لا يهمها ذلك، ولا تغار منه، وبعد أن كان العرب في الجاهلية وصدر الإسلام، إذا علموا بحب رجل فتاة، منعوه من زواجها، صاروا يساعدونه في الحصول عليها. فأفضى ذلك إلى انحطاط المرأة، وذهاب عزة نفسها، واستقلال فكرها، فاحتقرها الرجل، وأساء الظن بها، وصار يعدها عدوة له، ويوصي بعدم الإركان إليها، فيعاشرها على غل وسوء رأي، يقفل عليها الأبواب والنوافذ ويسد في وجهها الطرق والمسالك، ويمنعها من الخروج أو الكلام، وهو صاحب الذنب في انحطاطها. فأصبح الطعن في طباع المرأة، وسوء سريرتها، شائعاً على ألسنة الناس، حتى ألفوا فيه الروايات والأقاصيص، ونظموا فيها الشعر. فهذا يسميها الحية، وهذا يسميها العقرب، والداهية، والحرباية. لماذا لا نريد أن نتقبل فكرة مساواة المرأة بالرجل، عقلاً، وقيمة، وطاقة، وحيوية؟ من جعل للرجل الحق في أن يطلب المرأة التي يحب ويريد، ومنع المرأة حقها في اختيار من تحب ومن تريد؟ من يعوض العوانس سنوات الصبر والانتظار الطويل، إلى حين أن يأتي الرجل ويأخذها بمالها وجسدها، بحجة أنه رجل؟ فتخدمه، وتهبه مالها، وجسدها، وتربي له أولاده، ثم لا يجد فيها سوى أنها امرأة، وأنها لم تعد تصلح للفراش؟ فيهجر وكرها، ويبحث له عن عش جديد؟.. من فرض علينا كل ذلك وربطه بالدين؟ من له مصلحة في بقاء الوضع على ما هو عليه، بينما العالم يتخذنا رسومات كاريكاتيرية يضحك منا وعلينا. إن قدرتنا على نفي الأشياء، تظهر جانباً أساسياً من جوانب التحرر. إن القدرة على التلفظ ب " لا " ميزة يختص بها النوع البشري. حقاً، بكلمة " لا " يضع الإنسان نفسه ككائن قادر على الاختيار. وهذا يسمح لنا أن نصرخ ونقول لمثل هؤلاء الرجال " لا ". كفاكم استهتارا بالمرأة المسلمة.إن الحرية هي أن يكون المرء منسجماً، تمام الانسجام مع ذاته، وأن يتصرف، وفقاً لذاته. فنحن الآن، من بعض الجوانب أمام حرية أخلاقية، وما يجري الآن بالنسبة إلى المرأة، أصفه ليس له دائماً طابع أخلاقي.