الثلاثاء , 20 يونيو 2006 م في كتابه بعنوان:«عدن بين الازدهار والانهيار، من عهد الزريعيين إلى عهد الاشتراكيين» يتحدث علوي عبدالله طاهر عن وقائع ومشاهدات من الواقع كما كان عليه الحال في عدن في السبعينيات والثمانينيات، وهي الفترة التي تربع فيها الحزب الاشتراكي على السلطة في المحافظات الجنوبية، وتلك المشاهد والوقائع التي سردها مؤلف الكتاب تعيد إلى الأذهان واقع البؤس ومشاهد الألم التي كان يعاني منها المواطن اليمني في جنوب الوطن.وهذا مشهد من المشاهد التي سردها المؤلف وهو مشهد من أمام بائعي المكانس صفحة «36» «مشهد الناس المتزاحمين أمام المجمعات ودكاكين التجزئة وهم متكومون فوق بعضهم وكأنهم في معركة من كثرة العرق المتصبب من أجسادهم المتلاصقة، وإذا سألت عن السبب فلا تستغرب إن عرفت أن ذلك العراك كان لغرض التسابق للحصول على «مكنس» والمحظوظ هو الذي سيحصل على المكنس بغض النظر عما إذا كان سليماً أم مهشماً، وبغض النظر عما إذا كان محتاجاً لتلك السلعة أم لا؛ لأنه إذا لم يشترها الآن فلن يحصل عليها وقت الحاجة.وقد انتشرت الطوابير في عدن إلى الحد الذي كانت تعتبر من معالم عدن يلحظها الزائر في كل شارع تقريباً؛ إذ يكفي أن يقف ثلاثة إلى جوار بعضهم أمام دكان مغلق؛ وسرعان ما ينضم إليهم آخرون ليحجزوا لأنفسهم أماكن في الطابور من دون أن يسألوا عن ما إذا كان التجمع بغرض شراء سلعة أم لا!!.. ومن دون أن يسألوا عن السلعة المقرر بيعها، وما إذا كانوا بحاجة إليها أم لا!! لأن ذلك غير مهم ؛فسيعرفون فيما بعد لماذا وقفوا في الطابور؛ لأن حجز المكان مقدم على ما سواه حتى لا يشغله آخرون، وكم مرة وقف الناس في طوابير أمام دكاكين مغلقة ليس فيها شيء مما يريدون، وربما يكتشفون ذلك بعد ساعات من الانتظار المؤلم للسلعة المجهولة.ولما كان المكنس قد اندرج ضمن السلع المقننة، وصار الناس يطوبرون للحصول عليه فقد حظي بشرف تحريك الوجدان الشعبي، فقال فيه شاعر شعبي ما يلي: يا مكنس الدار جاك الدور حتى المكانس لها طابور رجال وحريم جو وزقور وقفوا من الصبح في الطابور والحرّ من فوقهم مزرور ثمان ساعات بل وكسور مرّت عليهم سنة وشهور ما شافوا المكنس الغندور وأنا كما هم كما المصقور نسأل نعيّن نلف وندور من زغط لازغط بالبابور خلّصت ما فيه من بترول رجعت ماشي معي مقهور انتهى المشهد من الكتاب المذكور، ولا أظن أننا بحاجة إلى تعليق، ولا أظن أن أحداً ممن عاشوا مثل هذه الذكريات والأوضاع المريرة يتمنى رجوعها. لقد محت الوحدة اليمنية كل هذه الأوضاع الأليمة، وأغلقت أبواب الجحيم، وفتحت أبواب النور التي أضاءت لأبناء الجنوب دروب الحرية والتقدم والازدهار. لا مجال للمقارنة بين تاريخ الوحدة اليمنية، والتاريخ المظلم لما قبل الوحدة. إن تاريخ ما قبل الوحدة تاريخ مليء بالمآسي والأحزان والآلام والظلم والقهر والفقر والجوع والعبودية والقمع والإذلال.. ومن يقل غير ذلك فهو إما جاهل أو جاحد. نحن بحاجة إلى المضي قدماً إلى الأمام في ظل الوحدة المباركة وترسيخ المبادئ التي تحققت بفضل الوحدة؛ وهي مبادئ الحرية والديمقراطية والعدالة والسلام الاجتماعي والتطوير والتنمية والاستقرار.. والتفريط في هذه المنجزات هو تفريط بالوطن، والالتفاف على الوحدة ومكاسبها هو التفاف على الوطن. ولا أظن أن أي عاقل يخطر على باله العودة إلى ماضي البؤس والشقاء ومشاهده المؤلمة أو حتى التفكير في ذلك.