أخصص العمود لشخصية بسيطة جداً، بل أقل من عادية، وأقل من بسيطة.. لكنها مع ذلك عظيمة، ومثل ،ونموذج، وقدوة تحتذى.. فالحكاية إني توجهت من جولة مدرسة ناصر باتجاه أعلى الشارع،باتجاه البنك اليمني فرع شارع «26 سبتمبر» وبعده بقليل انعطفت باتجاه اليمين لأتوقف في بداية الشارع عند مقهى يحلو لي أن أتناول فيه كأساً من الشاي «دبل نص». الواقع أن مثل هذا المقهى ماكان له أن يفتح قبل إنجاز هذا الشارع.. لأن الشارع أيضاً لم يكن متوقعاً أن يأتي اليوم ليكون شارعاً.. فكلنا يعلم إن هذا الشارع ممتد ناحية الأعلى حتى يصل ليلتقي مع طريق جديد يمتد من الدمغة باتجاه ثعبات.. وامتداده فوق احدى السوائل التي كانت متوحشة خاصة أيام فصل المطر.. ولم يتخيل أبناء تعز أن تروض السائلة وتحول إلى شارع.. لأن الأمر كان حلماً بالنسبة لمواطني مدينة تعز .. لكن بفضل الاستاذ/أحمد عبدالله الحجري، محافظ المحافظة، رئيس المجلس المحلي تحول الحلم إلى حقيقة،وصارت السائلة شارعاً أليفاً إطمأن الساكنون على جانبيه، وفتح متنفساً جديداً للمدينة.. ليس هذا وحسب .. لكن الكثير من السوائل قد تم استئناسها، وتحويلها إلى شوارع «خطين،أو خط» وذلك بفضل جهود الأخ المحافظ ، رئيس المجلس المحلي القاضي/أحمد عبدالله الحجري. وتعالوا نعود إلى المقهى الذي طلبت من أحد نادليه شاياً «دبل نص» فأتى به، فإذا بي أجده «دبل ربع» .. وبينما كنت اتلذذ برشف الشاي، وشفط السجارة يفاجئني «رجل» رث الثياب، يأتزر ب «معوز» إزرة غير منتظمة، أي أن المعوز ملفوف على وسطه الأسفل بطريقة «فوضوية» ونصفه الأعلى قميص. «شميز» مفتوح الازرار.. تحته فانلة «جرم» وفوقهم معطف «كوت» .. الثياب كلها متسخة وقديمة،قامته قصيرة «يعلوها» رأس «أصلع» وشعر «منكوش» من الجانبين .. الرجل ليس كبيراً، وليس صغيراً.. توقف أمامي وطلب عشرة ريالات.. هكذا «معك عشرة ريال» .. التفت نحوه .. وهززت رأسي بالنفي.. اقتنع وتحرك نحو برميل القمامة.. كان يحمل في يده كيس قمامة.. فما أن اقترب من البرميل المخصص للقمامة.. حتى رمى الكيس فيه.. وأنا مازلت ألاحظه .. حين انحنى ليجمع ويلتقط الأكياس والأوراق وبعض النفايات المنزلية والورقية المرمية خارج البرميل ويرميها داخل البرميل.. فأدركت أن داخله «نظيف» و«جميل» لأنه لم يقبل أن يترك تلك الأشياء المرمية حول برميل القمامة،دون أن يرفعها ويرميهاداخل البرميل بسلوكه هذا أدركت معنى المثل القائل «الإنسان بجوهره، وليس بمظهره» فأكبرت الرجل، واحترمته، وشعرت تجاهه بتقدير كبير.. وعند عودته.. سألني مرة أخرى «صحيح .. صحيح .. مافيش معك عشرة.. شا شرب واحد شاهي ؟!» فقلت له:الآن وبعد أن رأيتك ترفع القمامة المبعثرة حول البرميل وترميها في البرميل.. خذ «خمسين ريالاً» بدلاً عن العشرة.. واعطيته الخمسين برضا وطيب نفس،وذهب وأنا أتبعه بنظرات الاحترام والتقدير، فسلوكه «أعظمه» في نظري وياليت من يجملون مظاهرهم أن يحرصوا، على جمال ونظافة بيئتهم.. ولانريد منهم أن يقوموا بماقام به «الرجل» بقدر مانريد منهم أن يوصلوا قماماتهم إلى البراميل ورميها داخل البراميل..لاخارجها .