كم هو عجيب وغريب وفضيع هذا الزمن الذي صار فيه أبناءنا في التعليم الأساسي يدرسون استخدامات الطاقة النووية بينما أناس يسمونهم "نخب سياسية أو إعلامية" في الألفية الثالثة يتصورون أنها وقود للسفن الفضائية أو صواريخ دمار شامل! دهشتي تتعاظم أكبر كلما أفكر ماذا لو سلمت مقاليد الحكم في اليمن لهؤلاء الناس، فهل سيلغون مواضيع الطاقة الذرية من مناهج المدارس باعتبارها تتعلق بسفن الفضاء الذاهبة "الى المريخ أو زحل أو حتى الى الشمس" التي لا يمكن لليمنيين بلوغها! أو حتى لأن الدول التي تمتلك الطاقة النووية تعاديها أمريكا ويمكن أن تفرض حصارها الاقتصادي عليها..لذلك سيفضلون تفادي إدخال البلاد بأزمة، وربما العودة الى الحطب للزيادة في إرضاء الولاياتالمتحدة، ولتأكيد مدى تخلف العالم العربي والإسلامي!! ربما هو ما قاله أبو الطيب المتنبي: ( وتعظم في عين الصغير صغارها... وتصغر في عين العظيم العظائم).. فالطاقة النووية قد تكون سلاحاً يفتك بالبشرية ويلحق بها الكوارث، وينكب حضاراتها، إلاّ أن من جهة أخرى كفيلة بأن تفجر الخير أنهاراً لصالح البشرية إذا أحسن استعمالها في المجالات السلمية، وبوسعها حل الكثير من مشاكل البشرية.. فبعد تحرر بعض الدول من النخب المتخلفة المنغلقة على أفق فكري ضيق التي كانت تعيق انسيابية الحياة الإنسانية تقدم العلم وتجاوز مشكلة الاستخدام الضار بحلول منتصف القرن العشرين بإنشاء مفاعلات نووية تنتج نضائراً مشعة صارت تستخدم في علوم الطب والصحة والبيولوجيا والزراعة وما إليها .. ثم انبثقت منها علوم حديثة كالبيوفيزياء والكيمياء الإشعاعية والطب النووي والوقاية والهندسة الوراثية وتجاذباتها أيضاً علوم الجيولوجيا والأرصاد، والهندسة، والإلكترونيات حتى لم يعد علم إنساني إلاّ واستفاد من هذه الطاقة العجيبة- التي ما زالت بعض النخب اليمنية لم تسمع بها. وبفضل هذه التكنولوجيا النووية أصبحت الدول تشق الجبال، والقنوات، والأنفاق والسدود، والبحيرات الصناعية، وبتكلفة لا تتجاوز الواحد بالمائة (1%) عما يمكن أن تكلفه الطاقة التقليدية، ناهيكم عن السرعة الزمنية، وضعف أثر التلوث البيئي منها. أما بشأن توليد الطاقة الكهربائية النووية - التي لم تستطع بعض نخب الألفية الثالثة السياسية في اليمن أن تتخيلها مجرد تخيل- فهي الأكثر طلباً اليوم في مختلف بلدان العالم نتيجة لازدياد استهلاك الطاقة جراء الزيادة السكانية وتقدم الدول صناعياً، وقد أثبتت دراسات الوكالة الدولية للطاقة منذ أكثر من خمسة عشر عاماً أن سعر إنتاج كيلووات/ ساعة في المحطة الحرارية التي تدار بالفحم أو البترول يزيد 35عن تكلفة إنتاج الكيلووات/ ساعة الذي يمكن إنتاجه بواسطة المحطة النووية.. وهذا يعني أن المحطة النووية التي تبلغ قدرتها (1000) ميجاوات توفر نحو (130 - 140) مليون دولار في العام مقارنة بالمحطة الحرارية التي تدار بالفحم، وتوفر (170) مليون دولار مقارنة بالمحطة الحرارية التي تدار بالبترول. المفاعلات النووية في توليد الكهرباء في كثير من دول العالم وخصوصا في الدول المتقدمة أصبحت حاجة لا غنى عنها وقد بلغت الطاقة التي يتم الحصول عليها من هذه المصادر أكثر من 9من الكهرباء المولدة في العالم لعام 1983م وهي تزداد يوما بعد يوم منذ ذلك التاريخ. وبحسب بعض المختصين فأنه منذ عام 1954م استخدمت الطاقة النووية في تسيير السفن الحربية وخصوصا الغواصات حيث إن المحركات التي تعمل بالطاقة النووية تساعد على بقاء الغواصات مدة طويلة تحت سطح البحر قد تصل إلى عدة شهور والقيام برحلات طويلة حول العالم دون الحاجة إلى اللجوء إلى الموانئ للتزود بالوقود، ومن المعروف أنه يوجد في الوقت الحاضر أعداد هائلة من الغواصات وحاملات الطائرات العملاقة وكاسحات الجليد وجميعها تسير بواسطة الطاقة النووية. كما تستخدم المفاعلات النووية في تحلية مياه البحر، وهناك عدد من الدول تعتمد على تحلية مياه البحر باستخدام تلك الوسيلة وفي مقدمتها إسرائيل. وللمفاعلات النووية استخدامات أخرى مثل تحضير النظائر المشعة التي لها استخدامات تطبيقية عديدة في المجالات المختلفة لذلك نجد أن مجال استخدام المواد المشعة يشمل كل فروع الأبحاث في الطب والصناعة والزراعة وأبحاث الكيمياء، وأبحاث الحالة الصلبة في الفيزياء ومتابعة العمليات الحيوية في النبات والحيوان والإنسان ومشاكل مقاومة الآفات وزيادة المحاصيل الزراعية وتشخيص وعلاج الأمراض في الجسم البشري وخاصة التعرف على الأورام وعلاجها ودراسة الظواهر الطبيعية في الأرض والماء والجو وتحديد أعمار التكوينات الجيولوجية والأملاح المعدنية وآثار الحضارات القديمة والنيازك القادمة من الفضاء والكشف والإشراف والتحكم في العمليات الصناعية والتركيب الداخلي للمواد المعدنية والخزفية وحفظ الأغذية والبسترة بالإضافة إلى استخدامات أخرى مثل حل كثير من المشاكل العلمية ولجميع هذه الاستخدامات فوائد اقتصادية ممتازة مباشرة وغير مباشرة.