لم يكن خطاب بوش الذي ألقاه بعد ما سمي بتهديدات لندن ناتجاً عن تلك التهديدات المزعومة، وإنما أخرج بوش ما يخفيه في قرارة نفسه ووصف الحادث "بالفاشية الإسلامية".. كان يكفيه أن يصف ما حدث بالفعل الإرهابي، ولكن ذلك الوصف الذي يمس المسلمين في كل أرجاء المعمورة ليس غريباً على الرئيس الأمريكي الذي وصف حملته الوحشية على أفغانستان "بالحروب الصليبية" أن يقول أكثر من ذلك، فهو شخص معادٍ للإسلام والمسلمين وأقواله وأفعاله تدل على ذلك. ويعود ذلك "لنبوءات بوش التي يتخيلها وعلى أساسها يتصرف وبحسب التكليف الإلهي الذي يدعيه لنفسه، فالرب هو الذي أمره بإشعال الحروب الصليبية لتطهير العالم من المسلمين الفاشيين". وبالعودة إلى حادث لندن الأخير نقول إن هناك من يشكك بصحة وقوعه، وخاصة في ذلك التوقيت الذي لقي الشعب اللبناني تعاطف العالم أجمع، وعدم حصول إسرائيل على أي تعاطف، بوش وحليفه بلير أرادا من إعلان الحادث أن يوصل رسالة للأوربيين والأمريكيين المتعاطفين مع لبنان وللعالم أجمع أن هناك إرهاباً إسلامياً يهدد العالم، فاختلقا الحادث لصرف الأنظار عن الصراع في لبنان والانتقادات المتزايدة الدولية لإسرائيل. "إن اصطلاح الفاشية "fascism" مشتق من الكلمة الإيطالية fasces، وهي تعني حزمة من الصولجانات كانت تُحمَل أمام الحكام في روما القديمة دليلاً على سلطاتهم.. وفي تسعينيات القرن التاسع عشر بدأت كلمة فاشيا "fascia" تستخدم في إيطاليا لتشير إلى جماعة أو رابطة سياسية عادة ما تتكون من اشتراكيين ثوريين.. وكان توظيف موسوليني لوصف الجماعة البرلمانية المسلحة التي شكّلها في أثناء الحرب العالمية الأولى وبعدها أول موسوليني في زيه الفاشي مؤشراً على أن اصطلاح "fascisma" قد حظي بمعانٍ أيديولوجية واضحة، وعلى الرغم من ذلك فعادة ما يفتقر توظيف اصطلاحي "الفاشية" "fascism" و"الفاشي" "fascist" إلى الدقة، فكثيرًا ما تستخدم كاصطلاحات تهدف إلى الإساءة السياسية للخصوم السياسيين والاتهام لهم بالديكتاتورية ومعاداة الديمقراطية". وعلى سبيل المثال أصبح "الفاشي" و"الديكتاتور" لفظين يطلقان بشكل متبادل على كل مَن يتبنى أو يعبر عن آراء منافية أو مخالفة للمنظومة القيمية للأيدلوجية الليبرالية أو مؤسساتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية. ولو عرفنا من كل ما سبق أن الفاشي هو الذي يعادي الديمقراطية، لوجدنا أن بوش هو الذي يعادي الديمقراطية علناً، يتضح ذلك من معاداته لأنظمة ديمقراطية مثل إيران وفنزويلا وغيرهما، وكذلك وقوف الإدارة الأمريكية في وجه الديمقراطية ومحاولة الالتفاف عليها وإلغائها كما هو الحال مع حركة حماس التي وصلت عبر صناديق الانتخابات إلى السلطة في فلسطين. وليس ذلك فحسب بل إن أميركا تدعم في الشرق الأوسط جميع الأنظمة المعادية للديمقراطية، فدعمها الأكبر يتجه صوب إسرائيل العنصرية، وإلى من يعلنون قانون الطوارئ في بلادهم منذ أكثر من عقدين من الزمن، وتقف وراء أنظمة ليس فيها دساتير ولا قوانين، وتحكم شعوبها بالأحكام العرفية، ويتجه دعمها أيضاً لدول تمرست في تزوير الانتخابات التي تقام فيها. كل ذلك يدعونا للقول إن أميركا "والنبي بوش رئيسها" هي التي تمارس الفاشية كسلوك عملي ولا تحتاج إلى من يتهمها بذلك، وخاصة بعد أن اتضح أنها تستخدم الديمقراطية ذريعةً فقط للتدخل في الشئون الداخلية للدول التي لا تنسجم علاقتها معها,وهدفها الحقيقي هو الهيمنة على المنطقة، وذلك لأن الديمقراطية ليست في مصلحتها فهي تأتي بالقوى التي لا تتفق مع سياستها القائمة على مصالحها البحتة.