حق دستوري للمرشح أن يختار أسلوب الدعاية الأوفر حظاً في التأثير على الناخب، لكن من حق الناخب أيضاً ألا يستخف أحد بوعيه، وإنسانيته، وآماله للمستقبل الوطني. اليوم نحن في خضم دعايات الانتخابات الرئاسية، وبعد ثلاثة أيام سندخل حلبة الانتخابات المحلية، وفي كلتا الحالتين تعودنا أن يسلط المرشحون خطاباتهم، وأنشطتهم على انتقاد بعضهم بعضاً، ومفاضلة النفس على الغير، بلغة صاخبة بالعبارات الانفعالية، والخطاب العاطفي الذي لا يكترث بأي حال من الأحوال لاستهداف وعي الناخب وثقافته، وطموحاته، بقدر استهدافه عاطفته، وأحاسيسه. حتى الآن لا يعلم السواد الأعظم من اليمنيين باتجاهات البرامج الانتخابية لمرشحي الرئاسة، لأن من أقام منهم مهرجانات لم يحدث الجمهور عن برنامجه الانتخابي، بل كان يتجول بين موضوعات غير محددة تارة ينبش بها قبور الماضي، وتارة أخرى يلعن بها الحاضر، وثالثة يستهدف بها شخصاً بعينه بكثير من التجريح، والتنكيل، والنقد الذي لا يقترح شيئاً بديلاً.. ومن هنا أصبحت أبرز سمات الناخب اليمني هي مزاجه المتقلب الذي يتحول به من شخص لآخر تبعاً للخطاب الموجه لدغدغة عواطفه، وتهييج انفعالاته. إننا دائماً نقع في خطأ القفز على الواقع، وهذه المرة وجدنا مرشحين يمنون نفوس ناخبيهم بمعجزات، لا سبل لتحقيقها لا من حيث التوقيت فقط بل أيضاً من حيث حجم الموارد القومية للبلد، وكذا من حيث الاختصاص التشريعي أو التنفيذي.. وهو الأمر الذي يضلل الناخب وينأى به عن الساحة الحقيقية للمعركة التنموية التي يتطلع لخوضها.. كما أن الملاحظ أن عدوى خطاب مرشحي الرئاسة آخذة بالانتقال إلى آليات الدعاية الانتخابية لمرشحي المحليات الذين يستعدون اليوم لإطلاق حملات دعايتهم الانتخابية بصور وملصقات ولافتات تحمل شعارات، ووعوداً خارج دائرة اختصاصهم، إلى الدرجة التي يتحدث بها البعض بلغة الزعيم صانع القرار وليس العضو المشارك في صناعة قرار على مستوى مديرية. لا شك أن التأمل بواقع آليات الدعاية الانتخابية يكشف عن قصور في الإلمام بفنون الدعاية الانتخابية، وعن ضيق أفق في شفافية الخطاب الدعائي، وأيضاً عن نقص معرفي في سيكولوجيا التأثير النفسي على الناخب، لأن الثابت علمياً أن العاطفة هي الجزء الأسرع في التغيير والتبدل، بينما العقل هو المنطق الأكثر قدرة على البقاء والمقاومة.. فمشاعر الحب والكره إذا تولدت عن خطاب عاطفي يلامس الأحاسيس كفيلة أن تتحول إلى ضدها بخطاب من هو أبرع في انتقاء مفرداته وبناء الصور الحسية الوجدانية.. بينما عندما يمتزج الخطاب الوجداني بالمنطق الثقافي والإدراكي فإن المسألة ستتعقد على الخصم أو المنافس، وستتطلب منه مهارة فائقة لتغيير اتجاهها. كثير من المرشحين يجهلون أن الأفضل في خطابات الدعاية الانتخابية هو أن تكون مدروسة مسبقاً ومحددة في محاور واضحة ليتفادى أية شطحات قد تقلب موازين المعادلة. كما أن ما يصلح قوله في مركز العاصمة قد لا يصلح في منطقة أخرى طبقاً للتركيبة الثقافية والاجتماعية للبيئة التي يستهدفها المرشح.. وبكل تأكيد إن من أكبر أخطاء المرشحين مخاطبة مجتمع لم يدرس نفسيات أبنائه وعاداتهم وتقاليدهم وحسب وعيهم، لأن الأمر سيكون أشبه بالصيد في الماء العكر. الدعاية الانتخابية ليست مجرد تعليق صور وشعارات وإلقاء خطابات، بل الأهم كيف يجعل المرشح كل هذا متوافقاً مع ما يدور في رأس الناخب من احتياج وطموح.