إذا قارنا بين جوهر ثورة«الباستيل» الفرنسية«14يوليو1789م» وجوهر ثورة«المظلومين» اليمنية «26سبتمبر 1962م» لوجدنا تشاباً كبيراً بين كلتا الثورتين المجيدتين.. إلا أن الاختلاف الوحيد بينهما «حسب رأيي» هو الفارق الزمني، فالثورة الفرنسية سبقت الثورة السبتمبرية اليمنية بحوالي 173عاماً وكانت من أهم أسباب اندلاعها الحكم المطلق الملكي الاسبتدادي والتفرقة العنصرية الطبقية في المجتمع الفرنسي والحالة الاقتصادية السيئة التي عصفت بالوطن الفرنسي في ذلك الحين.. أسباب ثلاثية قاهرة جعلت الطبقة الفرنسية الثالثة«طبقة عامة الشعب» تعقد اجتماعاً تم فيه تشكيل الجمعية الفرنسية الوطنية واعتبارها الهيئة التمثيلية والتشريعية العليا للشعب الفرنسي والتي طالبت باقامة نظام جديد ذي أسس دستورية .. فغضب الملك الفرنسي من ذلك ورفض رفضاً قاطعاً الاعتراف بالجمعية وأمر قواته الملكية بالتجمع في فرساي وباريس وعندما علم الشعب بخبر تجمع الحشود الملكية خرجوا مسلحين بالفؤوس والمسدسات والحجارة واستولوا على مستودعات الأسلحة حتى صار القسم الأكبر من العاصمة الفرنسية«باريس» في أيدي الثوار إلا أبراج قلعة الباستيل الثمانية كانت لاتزال صامدة فدفعت الغريزة الثورية الشعب الفرنسي الغاضب إلى اقتحام القلعة وتحطيم سلاسل جسرها بواسطة كرات المدفع ،وانتهت عملية الاقتحام بالاستيلاء على قلعة الباستيل في 14يوليو 1789م واعتبر ذلك انتصاراً كبيراً للشعب الفرنسي الذي كان القوة الحاسمة للثورة الفرنسية التي قضت على اسطورة الحكم المطلق الملكي المستبد وأعلنت حقوقية الانسان في الحرية والمساواة وحصوله على عدالة تنصف المظلوم وتلعن الظالم. أما الثورة«السبتمبرية» اليمنية.. قام بها ثوار مناضلون هم أصلاً من عامة الشعب ولعدة أسباب منها تفشي الفقر والمرض والجهل بين عامة الشعب وحكم ملكي مطلق واقطاعي مستبد ووضع اقتصادي مترد وانعزال تام عن التطورات الحضارية المتقدمة والتي تشهدها دول العالم الخارجي. وبمعنى آخر كان الشعب اليمني في عهد الحكم الإمامي متقدماً إلى الوراء ومتمرمغاً بأتربة الجهل والمرض ومتأزراً بأحصرة الفقر المدقع. وظل لسنوات كثيرة يأكل من زاد القمع والقهر والقسوة إلا أن الثوار المناضلين أنهوا حلقات هذا الوضع المظلم بعد صراع طويل مع جبروت الإمامة ،تارة بالمواجهة المسلحة وتارة أخرى بسلاح أدب النضال الثوري «منشورات كانت تتضمن مقالات وأشعاراً ثورية» والداعي إلى محاربة الإمامة المستبدة وكشف مساوئ نظامها. مواجهة انتهت بانتصار الثوار على الظلم الإمامي فقد استيقظ الشعب اليمني في صباح 26سبتمبر 1962م ليرى ويعانق عهداً جمهورياً جديداً مزيناً بحلي الديمقراطية والحرية والعدالة والمساواة. وخروجاً عن اطار المقارنة بين الثورتين«سبتمبر اليمنية ويوليو الفرنسية» أود الاشارة إلى أن الثورة السبتمبرية لم تكتف بتحقيق الانتصار على الإمامة الكهنوتية بل إنها فيما بعد شكلت الخلفية التاريخية الوطنية والتحررية التي أنضجت الظروف الذاتية والموضوعية لاعلان الثورة اليمنية المسلحة في 14اكتوبر 1963م ضد الاستعمار البريطاني الذي كان آنذاك يحتل الشطر الجنوبي من اليمن «سابقاً»، ولعبت أيضاً دوراً فعالاً ومؤثراً بشكل مباشر وغير مباشر في دعم ومساندة المقاومة اليمنية في الشطر الجنوبي من الوطن والتي كثفت من أشكال مقاومتها السياسية والعسكرية ضد الاستعمار البريطاني حتى أجبرته على عقد مؤتمر في جنيف للتفاوض بشأن الاستقلال، ولقد حضر مؤتمر التفاوض وفد من المقاومة اليمنية وآخر يمثل الحكومة البريطانية وانتهى المؤتمر بتوقيع الطرفين وثيقة الاستقلال التي صارت أمراً مقضياً في يوم ال30من نوفمبر 1967م وبذلك تكون الثورة السبتمبرية قد حققت أول أهدافها الثورية والمتمثل في التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما.. وليس هذا فقط بل شاءت الارادة الالهية أن تتحقق الوحدة اليمنية في يوم ال22من مايو1990م وعلى يد فخامة الأخ الرئىس/علي عبدالله صالح وبذلك تكون الثورة السبتمبرية قد حققت أيضاً خامس أهدافها الثورية والمتمثل في العمل على تحقيق الوحدة الوطنية. ختاماً.. ألست محقاً فيما ذكرته من تشابه في الشكل والمضمون بين الثورتين«الفرنسية واليمنية» خاصة وأن كلتيهما تمتلك أسساً ومبادئ انسانية راقية نقلت كلا الشعبين«الفرنسي واليمني» من عهد ملكي اقطاعي مستبد إلى عهد جمهوري ديمقراطي عادل.