سواء بحسابات القوة والضعف، أم المصالح والمصالح الأخرى، أو التكامل، أو الأمن القومي، أو التوازن الإقليمي، أو غيرها فإن خلاصة القراءة لعضوية اليمن في مجلس التعاون الخليجي إيجابية بالكامل، ولن يكون فيها طرف عبئاً على آخر، أو مستفيداً على حساب غيره. الحسابات التي أوجدتها مرحلة ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر في منطقة الجزيرة العربية والخليج العربي لم تكن وهمية، بقدر كونها فرضت معادلات جديدة لتصحيح مسار واقع العلاقة اليمنية الخليجية التي ظلت لعقود طويلة رهينة مواقف سياسية وقراءات تفتقر إلى البعد الاستراتيجي. ما تردد عن الإرهاب في المنطقة في خطاب المجتمع الدولي لم يكن محض افتراء وإن كان مبالغاً فيه بل هو حقيقة ظلت تهدد أمن واستقرار دول المنطقة، ولولا التعاون الواسع بين حكوماتها لتحولت هذه البلدان إلى حلبات لمعارك المتطرفين، ولتصفيه خصوماتهم مع من يرونهم أعداءً لأيديولوجياتهم المتشددة .. ولعل ثمرة التعاون الأمني الكبير بين أجهزة دول المنطقة أكد للجميع بما لا يقبل الشك أنه لا غنى للخيلج عن اليمن، ولا غنى لليمن عن الخليج، وأن الأمن القومي للجميع يفرض استمرارية هذا اللون من التعاون، بل تنميته إلى مستويات أفضل. ومن جهة أخرى، فإن الأفق العام لطبيعة تشكيل التنظيمات الإرهابية، ومحاور أنشطتها الميدانية أثبتت لحكومات دول المنطقة أن هناك تداخلاً، وتشابكاً، وأن التنظيمات الإرهابية سبقت الحكومات إلى التعامل وفق مدلولات واحدية الجغرافيا، والتاريخ، والثقافة، والأصل الاجتماعي؛ لذلك كانت تعتبر اليمن والخليج كلها بمثابة جبهة واحدة، وخندقاً واحداً تنطلق منه وإليه في ممارسة أنشطتها التخريبية.. فكان ذلك هو الدرس الذي خلصت إليه الحكومات بعد أن كلفها ثمناً باهظاً من أمنها واستقرارها ونشاطها الاقتصادي ربما كان الحديث عن يمن خليجي في حقبة التسعينيات أمراً غير مستساغ كثيراً رغم أن الرئيس/علي عبدالله صالح أعطى الأولوية للتكامل مع الخليج منذ بداية حكمه، وقد أورد ذلك في نصوص الميثاق الوطني الذي تمت صياغته خلال عامي 81/1982م.. لكن قبول المنطق في الوقت الحاضر أصبح يلبي الحاجات التي فرضتها متغيرات السياسة الدولية. فالحساسية المفرطة التي تعامل بها العالم الغربي عقب أحداث سبتمبر مع العالم العربي الإسلامي، والممارسات الاستفزازية إزاء أنشطة المستثمرين الخليجيين في أمريكا وأوروبا، ولّد عدم ثقة بالخارج، وزاد من قلق رجال المال والأعمال، وبالتالي فإن نجاح اليمن في ضبط الحالة الأمنية وتحقيق استقرار جيد، ثم الانفتاح على الاستثمار بقوانين تشريعية مشجعة.. لفت هذا أنظار المستثمرين الخليجيين إلى البديل الأكثر ضماناً والأسهل تفاهماً، والأقرب مكاناً وهو اليمن. وفي الحقيقة إن اليمن أصبحت مغرية جداً للاستثمارات الخليجية ليس فقط لامتدادها الجغرافي مع دول الخليج؛ بل أيضاً لتماثل التشريعات القانونية بينها وبين دول الخليج، وللتماثل الثقافي، ولوجود أعداد كبيرة من كبار رجال المال والأعمال اليمنيين في السوق الاستثمارية الخليجية؛ حتى إن البعض من هؤلاء لا يكاد المرء يعرفه أنه يمني الأصل.. كما أن ظهور القيادة السياسية اليمنية في الواجهة ولقاءاتها المستمرة مع المستثمرين الخليجيين أعطى ثقة أكبر واطمئناناً لهم على مستقبل دخولهم السوق الاستثمارية اليمنية، وشجعهم على التفكير جيداً بالتوجه نحو اليمن. ويضاف إلى ذلك أن تهافت الشركات الاستثمارية الأوروبية والأمريكية والآسيوية على اليمن للحصول على استثمارات فيها أعطى قراءة مسبقة لمستقبل يمني واعد لمعرفة المستثمرين العرب بأن هذه الشركات لا يمكن أن تجازف برؤوس أموالها ولو بنسبة عشرة بالمائة، ولديها من الخبرات الهائلة ما يؤهلها لدراسة الواقع جيداً ومعرفة اتجاهاته المستقبلية. اليوم تقف اليمن ودول الخليج أمام تحديات وهموم مشتركة، ورغم أن كلاً منها لديه مشاكله الخاصة إلا أن كل طرف يرى أن حلها لدى الآخر.. الخليج يبحث عن عمالة عربية إسلامية آمنة تزيح عن كاهله مشاكل العمالة الأجنبية، وكذلك يبحث عن أسواق بديلة عن أوروبا وأمريكا، وعن منفذ سياحي أقل تشدداً من العالم الخائف.. مثلماً تبحث اليمن عن مستثمرين يستغلون كنوزها ويرتقون باقتصادها، ويفجرون نهضة حقيقية دون أن يكبلوها بالتزامات سياسية ثقيلة.. وبالتالي لم يعد هناك ما يحول دون تبني مشروع اليمن الخليجي، ولو ببعض المساعدة من حكومات دول المنطقة.