منذ شهرين أو ثلاثة أشهر، وثمة أحاديث متداولة ونقاشات عامة تنتهي بذات التساؤلات المُلحة، حول أخبار مُعلنة عن تشييد مدن سكنية، وجه بها رئيس الجمهورية وأمر الحكومة بتنفيذها، وخصها بفئة "ذوي الدخل المحدود" وأحياناً "محدودي الدخل"، وبقدر ما أبهج هذا التوجيه الرئاسي عامة الناس، وبقدر ما يبهجهم التوجه الحكومي لتنفيذ التوجيه، بقدر ما تكاد الحيرة تقضي على عامتهم، فالجميع يتساءلون: أيكون لنا نصيب؟.. وما من مجيب !! الحال اليوم، شديدة التوتر ومحكمة الحيرة،الجميع متحمسون لتوجيه رئيس الجمهورية بتشييد مدن سكنية، وبالطبع مبتهجون بهذه الالتفاتة الكريمة من رئيس الجمهورية، والجميع واثقون من جدية الحكومة في تنفيذ هذا التوجيه الرئاسي، حتى المشككون في أغلب توجهات الحكومة، هم أيضاً متحمسون أو مضطرون للتصديق والحماس، ولكن التوتر يساور الجميع، والحيرة تُطبق على الجميع، حداً قد تقضي على كثيرين من شدة التلهف لبيان التفاصيل. تكمن حيرة عامة المواطنين في التسمية المُعلنة لهذه المدن، فهي حسب توجيه رئيس الجمهورية "مدن سكنية لذوي الدخل المحدود"، وهي أيضاً حسب تأكيد الحكومة مضيها في التنفيذ "مدن سكنية لذوي الدخل المحدود"، ولكن هذا لا يوضح الأمر بل يزيده إبهاماً.. فالناس يتساءلون: طيب فهمنا أن هذه المدن لمحدودي الدخل، ولكن لمَن بالضبط مِنْ محدودي الدخل، فالشعب أغلبه محدود الدخل، والبقية إما معدمي الدخل أو واسعي الدخل على الآخر وأصحاب أملاك. تزداد الحيرة بمعرفة أن العمال، صارت لهم مدينة سكنية وبالفعل تسلموها وسكنوها، وكذلك أساتذة جامعة صنعاء، أُعلن عن مدينة سكنية خاصة بهم، وجرى توقيع اتفاقية تشييدها بين رئاسة الجامعة ووزارة الأوقاف، وبالمثل أفراد الأمن، أعلن نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية الدكتور رشاد العليمي "إن الفترة القليلة القادمة ستشهد إنشاء خمس مدن سكنية في محافظات صنعاء، عدن، تعز، الحديدة، حضرموت لمنتسبي وزارة الداخلية". ولأن الوزراء ووكلاء الوزارات ورؤساء الهيئات العامة ومديري العموم أيضاً، يملكون بيوتاً لهم، فإن العامة تتساءل: لمن ستخصص المدن السكنية السبع مِنْ شريحة محدودي الدخل؟!!. والحق، كل الحق، مع السواد الأعظم من المواطنين، فهم لا يجدون حتى اليوم من يبدد حيرتهم، والجهات المعنية لم تكلف نفسها توضيح التفاصيل، وكل ما تُحسن القيام به حتى الآن، هو ترديد توجيه رئيس الجمهورية، والتأكيد بأنه "سيتم تنفيذه على أرض الواقع". وكذلك الحال مع توجيه رئيس الجمهورية بداية يونيو الماضي ب"تشييد مدن سكنية للشباب وتخصيص أراضٍ لمشاريع الشباب الزراعية لامتصاص البطالة وفتح آفاق جديدة للعمل والاستقرار أمام الشباب"، كل ما نسمعه منذ صدور التوجيه، هو التأكيد على مضي الجهات المختصة في التنفيذ، وأن "الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني تعتزم إجراء مسوحات ميدانية في محافظات: عدنوحضرموت ولحج والحديدة كمرحلة أولى، لتحديد المواقع والمساحات المطلوبة". المُعلن بهذا الشأن لا يتعدى التأكيد بأن "إجراءات عملية بدأت بالفعل في هذا الاتجاه وإعداد التصاميم الهندسية للوحدات السكنية في هذه المدن السكنية بنظام الشقق، بالتنسيق بين كل من وزارة الأشغال العامة والطرق والهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني وبنك التسليف للإسكان".. و"أن المرحلة الأولى ستشمل إقامة مدن سكنية في محافظات: أمانة العاصمة ،عدن، حضرموت، الحديدة، تعز، إب، وذمار". وفي أحسن الأحوال يمتد الأمر إلى الإعلان عن إجمالي التكلفة التمويلية التقديرية لمشروعات تشييد المدن السكنية لذوي الدخل المحدود، وأن الجهات المعنية مثلاً "استكملت الدراسات الأولية بإنشاء أول مدينة سكنية لذوي الدخل المحدود في المنطقة الشمالية لمدينة تعز، ستشمل بناء 400 وحدة سكنية، وبينت التقديرات الأولية للدراسة كلفة التوظيف الاستثماري لإقامة تلك المدينة بأكثر من مليار ريال". هذا كل ما لدينا.. مجرد إشارات هنا وهناك، منها ما أشار إليه وكيل الهيئة العامة للأراضي الزراعية والتخطيط العمراني محمد حيدره في تصريح صحافي، إلى ان "هناك ثلاث شرائح ستستفيد من مشروع فخامة رئيس الجمهورية لدعم الشباب من تسكين ومنح أراض زراعية، الأولى شريحة المعدمين الذي ليس لديهم دخل أو وظائف, فيما الشريحة الثانية تمثل ذوي الدخل المحدود، والشريحة الثالثة فئة المزارعين". حيدره نفسه أكد في نفس التصريح الصحافي المنشور يوم أمس أن "الهيئة تجري مفاوضات مع عدد من الشركات الاستثمارية لتسليمها أراض مخططة لتبني عليها مدنا سكنية ليتم منحها للشباب والأسر المستفيدة بدفع أقساط مناسبة وستقوم الهيئة والدولة بتقديم الخدمات لهذه المدن السكنية". لافتاً إلى أن "هذا المشروع سيبدأ من عام 2007م ويستمر لمدة خمس سنوات"، لكنه لم يوضح آلية ومعايير الاشتراك في تمليك شقق هذه المدن بالتقسيط. وفي المقابل تزداد حيرة السواد الأعظم من المواطنين مع كل إشارة تطلق في سماء الإعلام المحلي.. فهم لا يجدون حتى اليوم بين المعنيين من يتحدث بتفصيل، ويبين هوية المستحقين والمعايير التي سيتم اعتماده لتوزيع شقق المدن السكنية على محدودي الدخل، وضمانات تكافؤ الفرص والمساواة، وحظر امتداد المحسوبيات والواسطات وكافة أشكال الفساد الذي أعلنت البلاد بدء عهد جديد في محاربته واستئصال بؤره. لابد أن يسرع القائمون على تنفيذ توجيه رئيس الجمهورية إلى وضع النقاط على الحروف وتبديد حيرة ملايين "المجعجعين" من المواطنين محدودي الدخل والحيلة، وإعلان تفاصيل خطواتهم التي لا ينفكون يؤكدون في أحاديثهم الصحافية أنهم يتخذونها على طريق تنفيذ توجيه رئيس الجمهورية، وتشييد المدن السكنية السبع لمحدودي الدخل: أين مواقعها بالضبط في كل محافظة، وكم عدد وحداتها السكنية، وما هي مواصفاتها، وآلية الاشتراك فيها، مقدار القسط،..الخ. عليهم أن يفعلوا هذا في أسرع وقت، وأن يعلنوا على الملأ، معايير المستحقين للسكن في هذه المدن السكنية، ومعايير الاستحقاق، وكم سيستغرق تنفيذها؟.. وغيرها من الأمور الملزمة، طالما أنهم حسبما يعلنون ماضون في تنفيذ توجيه رئيس الجمهورية، وتشييد المدن السكنية.. لا ينبغي التكتم على مثل هذه المعلومات، ولا ينبغي أن يظل المعروف عن المشروع اسمه، كما لو كان شعاراً أو وعداً على شاكلة: "يا حمار لا تموت فقد غرست لك برسيماً"!!.