تمر بلادنا هذه الأيام بحراك كبير ومرحلة شائكة تستدعي جلوسنا إلى طاولة المراجعة والتقييم الصادق والموضوعي لكل المقدمات التي شوّهت مسارنا الوطني وطموحنا التنموي، وأوصلتنا إلى موقف لا نُحسد عليه، من تنازلات ومساومات وتسهيلات ومجاملات ومحسوبيات وسكوت على قضايا جوهرية تمس الوطن والمواطن؛ كل تلك المصائب وغيرها كانت وراء نمو ظاهرة الفساد واستشرائه في كل مفاصل الحياة اليومية وازدياد نسبة الناهبين للمال العام وقلة المدافعين عنه، مما تسبب في عرقلة الكثير من المشاريع وتوقف عملية التحديث، المتواصل والمستديم للبلاد والعباد بما يتناسب وتطلعاتنا المستقبلية. إن الفتوات التي وقفت ومازالت وراء هذا النخر والتسوس والاستنزاف اللا أخلاقي لمقدرات البلاد، مُدانة إنسانياً ودينياً ووطنياً عن هذه الأحوال، وتلك القلاع التجارية ورؤوس الأموال التي ظهرت دون مقدمات، هي الأخرى قد شكلت العاصفة التي أفقدت المجتمع توازنه الاقتصادي، والثراء السريع الذي ضرب هو الآخر الرقم القياسي في الصعود «الملياري» المجنون نسف كل الشروط المعروفة عالمياً للوصول إلى قائمة الأكثر ثراء في العالم، إذ لم تعد تلك الشروط لازمة في قاموس لوبي الفساد المتفرد في يمن الإيمان والحكمة. للأسف أننا جميعاً قد أثبتنا تعاطينا مع كل نوع من أنواع الفساد، وأثبتنا في المقابل أننا لا نستحق الانتماء إلى وطن لم نحافظ عليه، بل تمادينا في سرقته وخذلانه، وتفننا في إفقاده عوامل ومقومات النهوض والنماء والتطور، هل رأيتم أو سمعتم عن وطن قوبل بالعقوق والنكران والتخريب والنهب من قبل أبنائه وفلذات كبده مثل ما هو حاصل مع اليمن «السعيد»؟!.. طابور طويل من الهمج والعبثيين وميتي الضمائر قد أوصلونا وأوصلوه إلى ما نحن فيه من مشاكل وظروف، ومواقف ما كنا نود أن نقفها. ثمة تحديات داخلية علينا مواجهتها وحسمها بسرعة ولو بدأنا بها الواحدة تلو الأخرى لنجحنا وكسبنا رهاننا مع الظروف الصعبة، وتلك التحديات تبدأ بالفساد والعبث والمساومات والتساهل مع كل من خان المواصفات وتلاعب بها، واستلم المشاريع الفاشلة وغير الصالحة والإثراء من ورائها، ويمكن لنا أن نحيط بهم علماً ونقدمهم الى العدالة كون محاضر الاستلام لاتزال محفوظة، إضافة إلى ذلك التربية الوطنية الفاسدة والتثقيف الممسوخ المرتكز على أحلام اليقظة والوعي المتكلس خارج التغطية اللازمة للحياة وقيمها ومثالياتها في مقايلنا وتجمعاتنا إلا من رحم الله. تلك الحزمة من الأخطاء المشاهدة وغيرها كانت وراء إفراز ذلك التناقض العجيب بين ما نقوله ونتشدق به، وبين ما نمارسه من معاملات وسلوكيات في واقعنا المعيش ومؤسساتنا ووظائفنا، إلا من رحم الله. وزاد الطين بلة أن الذي لم يصب بفساد الضمير قد أصيب بجنون التربية الفاسدة للأبناء؛ فتراه يشجعهم على الاقتداء ب«س، ص» من الناس ممن لم يعد في ضمائرهم حياة. إننا نشد على يد القيادة السياسية ممثلة بالأخ الرئىس بالعمل المتواصل في الضرب بيد من حديد ضد الفساد والمفسدين ، وسيجد الوطن عافيته والمواطن حقه، لأن المعركة حقاً ستكون شرسة مع كل الأخطاء والأمراض، وهي ثورتنا الرابعة التي ستكون ضد أنفسنا وذواتنا المريضة، نكون أو لا نكون، وعلينا أن نكسب رهان ثقتنا بأنفسنا وقدراتنا على التغيير، عندها سنجد ثقة العالم بنا كبيرة وبلا حدود.