صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    عيد العمال العالمي في اليمن.. 10 سنوات من المعاناة بين البطالة وهدر الكرامة    العرادة والعليمي يلتقيان قيادة التكتل الوطني ويؤكدان على توحيد الصف لمواجهة الإرهاب الحوثي    حكومة صنعاء تمنع تدريس اللغة الانجليزية من الاول في المدارس الاهلية    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    عن الصور والناس    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مابعد مؤتمر المانحين.. هل نكسب رهان التنمية؟
نشر في الجمهورية يوم 26 - 11 - 2006

تجابه الشعوب العديد من التحديات والرهانات التي عليها التعامل معها، والفارق بين الشعوب والأمم هو في حجم النجاح الذي تحققه في التعامل مع تلك التحديات والرهانات، وفي انتهاز الفرص التاريخية التي تعرض لتلك الشعوب، إن توافرت الإرادة السياسية، وشعبنا اليمني سبق له في ظل قيادته السياسية كسب العديد من الرهانات الأكثر أهمية مثل: رهان إعادة تحقيق الوحدة اليمنية، والحفاظ عليها، والرهان الديمقراطي والإصلاح السياسي، ورهان نجاح تجربة السلطة المحلية، ورهان تمكين المرأة سياسياً، وربما يتحقق له في القريب العاجل رهان الانضمام إلى كافة مؤسسات مجلس التعاون الخليجي. وكل تلك الرهانات تحققت له بفضل تضافر العوامل الضرورية للنجاح؛ إرادة سياسية صلبة، رغبة شعبية عارمة، دعم مؤسسات المجتمع المدني اليمني.
وربما جاز لنا القول: إذا كان الإنسان «الشعب» أساس التنمية وغايتها، فإن دوره في تحقيق التنمية أو في إعاقتها يعتمد - إلى جانب ضرورة توافر العديد من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية- وبشكلٍ رئيسي على توفر الإرادة السياسية الصادقة التي تضع الخطط والقوانين وتكفل تنفيذها، وتعاونها في ذلك السلطات المختلفة الموجودة في الدولة. فكلا الدورين مطلوب لتحقيق التنمية وتهيئة شروط الإصلاح السياسي والتطور الديمقراطي في أي مجتمع من المجتمعات.. لقد أشرنا في تناولة سابقة إلى أن العديد من الأطراف الدولية المانحة للمساعدات والقروض المالية اتفقت على ضرورة التزام الدول والحكومات الراغبة في نيل تلك المساعدات بطائفة من الاصلاحات السياسية أهمها: احترام حقوق الإنسان، وتطوير الديمقراطية، وتوسيع المشاركة الشعبية باعتبارها مصدراً للشرعية السياسية للسلطة، وتعبيراً عن موافقة المحكومين، وتعزيز التنافس السلمي، وضمان تدفق المعلومات بيسر وسهولة، وتعزيز حرية تأسيس المنظمات، وحرية الرأي والتعبير...، باعتبارها مقاييس Measures معتمدة للحكم على توفر قدر من نظام «الحكم الرشيد أو نظام الحكم الأمثل Ideal Government» وعلى النهج السياسي الثابت لتصريف شؤون الدولة، وهي جملة من الأمور التي تدل على استحقاق الدولة للمساعدات الدولية. وجدير بالإشارة أن تلك الالتزامات لا تعفي الدولة من ضرورة القيام بطائفة أخرى من الإصلاحات القانونية والإدارية والاقتصادية من أجل العمل على تهيئة الظروف الملائمة لخلق بيئة صالحة لاستقبال الاستثمارات الأجنبية. . ومن جهة أخرى، فقد أثارت تلك الشروط الكثير من الجدل حول حدود التدخل المسموح به لتلك الأطراف الدولية في الشؤون الداخلية وقضايا الحكم، باعتبارها تمس بسيادة الدول الراغبة في الحصول على تلك المساعدات والقروض. وعلى الرغم من إقرارنا بأن استعمال مصطلح «السيادة Sovereignty» اليوم لم يعد بنفس الجمود الذي رافق استخدامه خلال العقود الماضية، وخاصة خلال الفترات التي أعقبت استقلال العديد من دول العالم الثالث، وكذا خلال المرحلة التي شهدت تقاطباً محموماً للدول بين المعسكرين الشرقي والغربي، لاسيما في ظل اتجاه العديد من دول العالم اليوم صوب الاعتماد المتبادل، فإن ذلك لا ينفي أن الأساس في التعامل الدولي هو التعامل بمبدأ «السيادة الكاملة»، وهو المبدأ الذي يمكن الدول من الاختيار بين البدائل العديدة المتاحة؛ إذ تبقى الدولة - ظاهرياً على الأقل - مطلقة الحرية في اختيار توقيع / عدم توقيع تلك الاتفاقيات الدولية؛ وفي قبول / عدم قبول تلك المساعدات، كما أن المحصلة النهائية الناجمة عن مثل هذه التدخلات تصب في اتجاه تعزيز حقوق المحكومين وتوفير الخدمات والعيش الكريم لهم، الأمر الذي يخفف من وطأة تلك التدخلات؛ باعتبار أن الغاية النهائية أو المبرر الأساسي من وجود الدولة هو خدمة مواطنيها.
لقد تعددت التفسيرات والتحليلات للنتائج التي تمخض عنها مؤتمر المانحين المنعقد في لندن خلال الأيام الماضية، وكثرت التساؤلات، ومن بين تلك الأسئلة: هل يعد قبول اليمن الالتزام بالعديد من التعهدات والإصلاحات السياسية والقانونية مساً بالسيادة الوطنية؟ أو أنه يضاف إلى رصيد النجاحات التي تحققت للدبلوماسية اليمنية؟ وما الآثار المستقبلية التي قد تنعكس على الاقتصاد والتنمية في مجتمعنا اليمني خلال السنوات القادمة؟ والعديد من التساؤلات والطروحات التي لايتسع المقام لذكرها أوالحديث عنها إما بسبب تهافتها، وإما لأنها أتت نتيجة بعض المواقف المتسرعة والقراءات المتعجلة..بداية نشير إلى أن مجتمعنا اليمني شرع ابتداء منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي بالسير على طريق الإصلاحات الاقتصادية ذات الطبيعة الليبرالية بالاتجاه صوب اقتصاد السوق الحر، كما التزم بالسير في خط سياسي جديد أركانه الأساسية الالتزام بالتعددية الحزبية والسياسية وتعميق النهج الديمقراطي، وبإدخال العديد من الإصلاحات القانونية والإدارية، وقد حقق خلال الفترة الماضية العديد من النجاحات على مختلف الأصعدة السياسية والقانونية والاقتصادية والإدارية؛ حيث التزمت اليمن بالعديد من الأمور والإصلاحات على كافة المستويات السياسية والقانونية، الضرورية لخلق مناخاتٍ مناسبة للاستقرار السياسي والاقتصادي الملائم لجلب الاستثمارات الأجنبية منها:
أولاً: على المستوى السياسي، والإداري:
حقق المجتمع اليمني العديد من المنجزات السياسية والإدارية منها: الالتزام بالتعددية السياسية والحزبية، ودورية الانتخابات التنافسية؛ إذ جرت في المجتمع اليمني العديد من الانتخابات البرلمانية (لأعوام 93، 97، 2003م)، والرئاسية (أعوام 99، 2006م)، والمحلية (أعوام 2001، 2006م)، وتعزيز الحريات الصحفية وحق التعبير وإبداء الرأي (صدور ما يقرب من 200 أو أكثر من الصحف الرسمية والحزبية والمستقلة)، وتعزيز مجال حماية واحترام حقوق الإنسان، وتعزيز مشاركة المرأة اليمنية سياسياً واقتصادياً وفي مختلف مناحي الحياة العامة، واتخاذ العديد من التدابير التي عززت استقلال القضاء وحياديته خلال الاستحقاقات السابقة وفي الفصل في العديد من القضايا دون التدخل من قبل السلطتين التنفيذية والتشريعية، كما عرفت الفترة الماضية تطبيق العديد من الإصلاحات الإدارية مثل: تطبيق نظام البصمة الوظيفية، والمسح الوظيفي لمعالجة معضلة الازدواج الوظيفي، وتطبيق المرحلة الأولى من الاستراتيجية الوطنية للمرتبات والأجور. إلى جانب التزام اليمن بالعديد من الإصلاحات السياسية الأخرى منها: انتخاب المحافظين ومديري المديريات، تعديل قانون السلطة المحلية لاستيعاب تلك الإصلاحات.
ثانياً: على المستوى القانوني:
تعززت الترسانة القانونية اليمنية بصدور أو مناقشة العديد من القوانين أو تعديل البعض منها: تعديل الدستور اليمني ليتضمن النص على «حرية التجارة والاستثمار وبما يخدم الاقتصاد اليمني» (م10 من الدستور اليمني المعدل سنة 2001م)، وقانون الاستثمار وتعديلاته، وصدور قانون السلطة المحلية، وقانون الذمة المالية، وتوقع صدور قانون مكافحة الفساد، وقانون المناقصات والمزايدات الحكومية، وقانون استقلال الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، والإعلان عن انضمام اليمن إلى المبادرة الدولية للشفافية في مجال الصناعات الاستخراجية. ولتنفيذ تلك القوانين فقد التزمت الحكومة اليمنية بتشكيل العديد من الهيئات المعنية من الشخصيات المشهود لها بالنزاهة والكفاءة العالية، وعلى أن يتم اختيار تلك الشخصيات من جميع ألوان الطيف السياسي اليمني حتى تتولى المهام الموكلة إليها بنزاهة كاملة، وحيادية..أهلت تلك النجاحات مجتمعنا اليمني للحصول على الدعم المالي والتقني والسياسي لبرنامجه الإصلاحي من وكالات التنمية الدولية والدول الغربية والعربية المانحة «وبالخصوص منها دول مجلس التعاون الخليجي في إطار سعيها لدعم الاقتصاد اليمني من أجل تضييق الفجوة الاقتصادية بين دول المجلس وبين اليمن»، وقد لعبت الدبلوماسية اليمنية - بمستوياتها المختلفة - دوراً رئيسياً في الترويج لتلك النجاحات التي تحققت في مجتمعنا اليمني، وفي نقل تلك النجاحات من إطارها الداخلي إلى الإطار الخارجي، وفي إقناع شركاء اليمن من الدول والمنظمات المانحة بجدية الإصلاحات التي عرفها مجتمعنا اليمني، وجدية التزام قيادته السياسية بضرورة الرفع من وتيرة التنمية بكافة جوانبها، وبالتالي ضرورة زيادة حجم المبالغ الممنوحة لدعم تلك الخطط التنموية. وقد تحقق لها ما أرادت. بات من الواضح اليوم أن السياسة الخارجية، لأية دولة من الدول، تهدف إلى تحقيق العديد من الأهداف والمصالح الوطنية السياسية والاقتصادية مثل: الحفاظ على أمنها الوطني وسيادتها واستقلالها السياسي والاقتصادي، ووحدة وسلامة أراضيها ومواطنيها، ويرتبط تنفيذ تلك الأهداف بما تمتلكه الدول من مقوماتٍ وموارد طبيعية؛ وبشرية، وتشريعية، .. والتي يعتبرها العديد من الباحثين بمثابة «القوى العميقة» أوالعوامل الكفيلة بإنجاح تلك السياسة أو إفشالها.
واليمن، كغيرها من الدول، باتت اليوم تعطي أهمية كبرى للمسألة الاقتصادية؛ إذ أعطتها قيادتنا السياسية ممثلة بفخامة الأخ المشير علي عبد الله صالح «حفظه الله» رئيس الجمهورية أولوية بوضعها على رأس اهتماماته ونشاطاته الخارجية، واعتبرها المعركة الأساسية التي يجب أن تسخر لها جميع الجهود والامكانيات، ولم يترك فخامة الأخ الرئيس فرصة عقد أي لقاء أو مؤتمر أو زيارة إلى بلدٍ عربي أو أجنبي إلا وحمل معه الملف الاقتصادي، وحاجات اليمن من المشاريع التنموية، وقد ضم الوفد اليمني العديد من رجال المال والأعمال إلى جانب الوزراء المعنيين وأعضاء الوفد اليمني في رسالة واضحة مفادها «إن التنمية والاستثمار رديف رئيسي للاستقرار السياسي والاجتماعي اليمني». .ويمكن القول بأن الدبلوماسية اليمنية باتت خلال الفترة الراهنة، تستند في معظم نشاطها الخارجي على مفهوم دبلوماسية التنمية Diplomacy of Development، وهي الدبلوماسية التي تهدف إلى تعبئة الموارد اللازمة لعملية التنمية، وتهيئة الظروف الملائمة وفي مقدمتها تحقيق الأمن والاستقرار، وكلاهما لايمكن تحقيقه بدون اعتماد سياسة خارجية قائمة على مفاهيم الشراكة الاقتصادية مع دول الجوار ومع باقي الأطراف الدولية، ومن هنا فقد بذلت السياسة الخارجية اليمنية مجهودات كبيرة من أجل توسيع نطاق التعاون مع الدول الشقيقة والصديقة والمؤسسات والمنظمات الدولية المانحة، كما سعت من أجل جذب الاستثمارات العربية والدولية إلى اليمن، والترويج للمنتوج السياحي لليمن بهدف تنفيذ مختلف البرامج التنموية، وكذلك بهدف تقليص الديون الخارجية التي تحملتها دولة الوحدة اليمنية..وقد سعت الدبلوماسية اليمنية إلى معالجة مختلف القضايا التي ظلت تحول دون مد جسور العلاقات إلى المستوى المأمول، وبخاصة في محيطها الخليجي، يكفي أن نعرج على بعض المحطات التاريخية لإعطاء بعض الأمثلة التي مثلت نجاحاتٍ واضحة للسياسة الخارجية اليمينة، والتي أسهمت في الخروج بتلك النتائج الممتازة من مؤتمر لندن، وأبرز تلك المحطات مايتعلق منها ب:
1)- معالجة قضايا الحدود، والخلافات السياسية العالقة: مع العديد من دول الجوار الإقليمي، بأسلوبٍ سلميٍ بعيداً عن لغة العنف والحروب، حيث تم التوقيع على العديد من الاتفاقيات وهي: توقيع اتفاقية ترسيم الحدود مع سلطنة عمان، وقبول التحكيم في قضية الحدود مع دولة اريتريا الذي جاء في مصلحة الجمهورية اليمنية، وترسيم الحدود مع المملكة العربية السعودية. أما فيما يخص العلاقات اليمنية الكويتية، والتي تعرضت للعديد من الهزات نتيجة الموقف اليمني من أزمة وحرب الخليج عقب الغزو العراقي للكويت، فقد سعت الدوبلوماسية اليمنية إلى معالجة تلك الآثار بطريقة هادئة، وفتحت قنوات التواصل بين المنظمات المدنية والاتحادات الشعبية، ثم الحوار عبر القنوات الدبلوماسية حتى تحقق لها في نهاية المطاف إعادة العلاقات الطبيعية بين البلدين، وإن كنت أعتقد - في ضوء محدودية المساهمة الكويتية في مؤتمر المانحين، وعلى ضوء قراءة واقع المساهمات الكويتية في عملية التنمية في مجتمعنا اليمني - بأن الدبلوماسية اليمنية والكويتية يتوجب عليهما فتح قنوات للحوار الجدي لمحاولة إعادة الأمور إلى سابق عهدها من التعاون الوثيق.
ولعل من حسن الطالع، كما يشير السفير «عبد الملك سعيد عبده»، أن القيادة السياسية اليمنية قد حسمت في مشاكل الحدود وقضاياها مبكراً، وفي جو من التراضي الكامل والمشترك والمرونة مع الجيران، وعلى قاعدة «لاضرر ولا ضرار»، وهو الأمر الذي أبعدها عن جو الفتن والمنازعات، وعزز مناخات الجيرة والشراكة المستقبلية، ووسع دائرة الثقة والطمأنينة لدى جميع دول المنطقة، ..، وأقفل باب النزاعات الإقليمية حول الحدود إلى الأبد، وهذا كله مكن الجمهورية اليمنية من تحقيق أقصى المعدلات الاقتصادية المستهدفة، في برامج الحكومة اليمنية، ورفع معدلات التنمية الاقتصادية، ومضاعفة الدخل القومي والفردي في آنٍ واحد.
2)- من جهة أخرى، مثل انضمام الجمهورية اليمنية إلى عدد من مؤسسات مجلس التعاون الخليجي «الصحة، التربية، الشؤون الاجتماعية والعمل، وكأس الخليج»، وهو واحد من الأهداف الاستراتيجية للسياسة الخارجية للجمهورية اليمنية، نجاحاً متميزاً لهذه السياسة، ودلل على صوابية النهج السلمي الذي سارت عليه، والمعالجات الحكيمة لمختلف قضايا النزاع مع كل دول الوار وخاصة ماذكرناه أعلاه حول قضايا الحدود، وهو ما دفع العديد من قادة مجلس التعاون الخليجي، في قمة مسقط 2001م، إلى إعلان قبول انضمام الجمهورية اليمنية للعديد من مؤسسات المجلس، تمهيداً للضم الكامل إلى باقي مؤسسات هذا التجمع العربي الإقليمي..في هذا الإطار فقد أقرت قمتا أبوظبي، والرياض ضرورة تأهيل الاقتصاد اليمني حتى يتمكن من اللحاق بمستويات النمو الاقتصادي التي حققتها الاقتصادات الخليجية تمهيداً لضم اليمن إلى عضوية المجلس. وقد تطورت تلك الفكرة إلى عقد مؤتمر للمانحين يجمع بين اليمن وشركائه في التنمية، وذلك من خلال اللقاءات المتعددة التي جمعت اليمن بدول مجلس التعاون الخليجي «وآخرها الاجتماع بين وزراء خارجية ومالية الجانبين المنعقد في العاصمة صنعاء مطلع الشهر الجاري»، ولذا فقد كان حجم الدعم الخليجي الكبير لخطة التنمية الخمسية الثالثة اليمنية، والمقدر بنحو « 2.3 مليارين وثلاثمائة مليون» بمثابة تأكيد صدق التوجه لدعم التنمية في اليمن من لدن دول الخليج العربي، ومن المتوقع أيضاً عقد مؤتمر بين الجانبين الخليجي واليمني في شهر فبراير القادم يخصص «لاستطلاع فرص الاستثمار في اليمن»، وتقدير حجم المساهمة الخليجية في ميدان الاستثمار باليمن.
لقد كانت تلك النجاحات بمثابة انعكاسٍ طبيعي للنجاحات التي تحققت على الصعيد الداخلي، إذ السياسة الخارجية ماهي إلا انعكاسٍ للسياسة الداخلية، بل هي بمثابة المرآة العاكسة لتلك السياسة. في الختام لابد من التنويه بأن السياسة الخارجية التي انتهجتها القيادة السياسية اليمنية قد أثبتت قدرتها على السير بثباتٍ ورؤية واضحة داخل المجتمع الدولي، وحافظت على مصالح الوطن الاقتصادية التي لها الأولوية أوالأسبقية الدائمة في مختلف تحركاتها الخارجية، وبعبارة أخرى، فقد ظلت مصالح الجمهورية اليمنية الاقتصادية والسياسية وأمنها القومي من مدركات السياسة الخارجية اليمنية، وستبقى تحتل مكانة مهمة ضمن أولويات صانع السياسة الخارجية اليمنية، وقد كانت نتائج مؤتمر لندن بمثابة شهادة دولية على نجاح السياسة الخارجية اليمنية، وتجديد الثقة بتلك السياسة وبالقيادة اليمنية..ويمكن الإشارة في ختام هذه التناولة إلى أن تلك النجاحات المتحققة في مؤتمر لندن تضع مجتمعنا اليمني وقيادته السياسية في سباقٍ مع الزمن، ورهان من أجل اللحاق بقطار التنمية، إما أن نكسبه ونلحق بركب الدول المتقدمة والشعوب التي سبقتنا، وإما تضيع علينا فرصة أخرى لتطوير وتنمية المجتمع اليمني، وإذا كنا قد قطعنا العديد من الخطوات الحقيقية في سبيل تهيئة البيئة المناسبة للبدء في المشوار، فإن التحدي الأكبر سيكون هو تأهيل المجتمع والإنسان اليمني «علمياً ومهنياً» للتعامل مع تلك التطورات والاستحقاقات. فهل نكسب الرهان؟!
- أستاذ العلوم السياسية - جامعة إب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.