صنعاء.. اعتقال الدكتور العودي ورفيقيه    قبائل المنصورية بالحديدة تجدد النفير والجهوزية لإفشال مخططات الأعداء    وبعدين ؟؟    اليوم العالمي للمحاسبة: جامعة العلوم والتكنولوجيا تحتفل بالمحاسبين    قراءة تحليلية لنص "خصي العقول" ل"أحمد سيف حاشد"    الجدران تعرف أسماءنا    قرارات حوثية تدمر التعليم.. استبعاد أكثر من ألف معلم من كشوفات نصف الراتب بالحديدة    التلال بحاجة إلى قيادي بوزن الشرجبي    الجوف .. تنفيذ المرحلة الثانية من شبكة الطرق الزراعية بطول 52 كلم    تمرد إداري ومالي في المهرة يكشف ازدواج الولاءات داخل مجلس القيادة    صحة غزة: ارتفاع الجثامين المستلمة من العدو الإسرائيلي إلى 315    شبوة تحتضن بطولة الفقيد أحمد الجبيلي للمنتخبات للكرة الطائرة .. والمحافظ بن الوزير يؤكد دعم الأنشطة الرياضية الوطنية    موسم العسل في شبوة.. عتق تحتضن مهرجانها السنوي لعسل السدر    أبين.. حادث سير مروع في طريق العرقوب    مليشيا الحوثي تسعى لتأجير حرم مسجد لإنشاء محطة غاز في إب    القائم بأعمال رئيس الوزراء يشارك عرس 1000 خريج من أبناء الشهداء    صنعاء.. إيقاف التعامل مع منشأتَي صرافة    الأرصاد يتوقع أجواء باردة إلى شديدة البرودة على المرتفعات    وزارة الخدمة المدنية توقف مرتبات المتخلفين عن إجراءات المطابقة وتدعو لتصحيح الأوضاع    توتر وتحشيد بين وحدات عسكرية غرب لحج على شحنة أسلحة    عالم أزهري يحذر: الطلاق ب"الفرانكو" غير معترف به شرعا    تسعة جرحى في حادث مروع بطريق عرقوب شقرة.. فواجع متكررة على الطريق القاتل    انتقادات حادة على اداء محمد صلاح أمام مانشستر سيتي    سؤال المعنى ...سؤال الحياة    برباعية في سيلتا فيجو.. برشلونة يقبل هدية ريال مدريد    بوادر معركة إيرادات بين حكومة بن بريك والسلطة المحلية بالمهرة    جحش الإخوان ينهب الدعم السعودي ويؤدلج الشارع اليمني    هل يجرؤ مجلس القيادة على مواجهة محافظي مأرب والمهرة؟    الأربعاء القادم.. انطلاق بطولة الشركات في ألعاب كرة الطاولة والبلياردو والبولينغ والبادل    العسكرية الثانية تفضح أكاذيب إعلام حلف بن حبريش الفاسد    إحباط عملية تهريب أسلحة للحوثيين بمدينة نصاب    غارتان أمريكيتان تدمران مخزن أسلحة ومصنع متفجرات ومقتل 7 إرهابيين في شبوة    الدوري الايطالي: الانتر يضرب لاتسيو في ميلانو ويتصدر الترتيب برفقة روما    العدو الصهيوني يواصل خروقاته لإتفاق غزة: استمرار الحصار ومنع إدخال الوقود والمستلزمات الطبية    فتح منفذ حرض .. قرار إنساني لا يحتمل التأجيل    الأمين العام لجمعية الهلال الأحمر اليمني ل 26 سبتمبر : الأزمة الإنسانية في اليمن تتطلب تدخلات عاجلة وفاعلة    الشيخ علي محسن عاصم ل "26 سبتمبر": لن نفرط في دماء الشهداء وسنلاحق المجرمين    الأستاذ علي الكردي رئيس منتدى عدن ل"26سبتمبر": نطالب فخامة الرئيس بإنصاف المظلومين    مرض الفشل الكلوي (27)    ثقافة الاستعلاء .. مهوى السقوط..!!    تيجان المجد    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    الزعوري: العلاقات اليمنية السعودية تتجاوز حدود الجغرافيا والدين واللغة لتصل إلى درجة النسيج الاجتماعي الواحد    سقوط ريال مدريد امام فاليكانو في الليغا    قراءة تحليلية لنص "مفارقات" ل"أحمد سيف حاشد"    الأرصاد يحذر من احتمالية تشكل الصقيع على المرتفعات.. ودرجات الحرارة الصغرى تنخفض إلى الصفر المئوي    جناح سقطرى.. لؤلؤة التراث تتألق في سماء مهرجان الشيخ زايد بأبوظبي    كم خطوة تحتاج يوميا لتؤخر شيخوخة دماغك؟    عين الوطن الساهرة (1)    الهيئة العامة لتنظيم شؤون النقل البري تعزّي ضحايا حادث العرقوب وتعلن تشكيل فرق ميدانية لمتابعة التحقيقات والإجراءات اللازمة    مأرب.. فعالية توعوية بمناسبة الأسبوع العالمي للسلامة الدوائية    مأرب.. تسجيل 61 حالة وفاة وإصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام    على رأسها الشمندر.. 6 مشروبات لتقوية الدماغ والذاكرة    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    صحة مأرب تعلن تسجيل 4 وفيات و57 إصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام الجاري    الشهادة في سبيل الله نجاح وفلاح    "جنوب يتناحر.. بعد أن كان جسداً واحداً"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا ذهبت اليمن إلى لندن
نشر في الجمهورية يوم 20 - 11 - 2006

لم تكن المساعدات والمعونات الدولية انتقالاً غير مشروط لرأس المال بأشكاله المختلفة، ولكنها ظلت علي الدوام معنونة بشروط والتزامات وتعهدات لامجال لتدفق رأس المال من دونها، باعتبار ان رأس المال كما تشير أغلب الادبيات الاقتصادية «جبان» لايحب المخاظرة والجديد في الزمر ان هناك تركيز كبير من لدن الدول الغربية والمنظمات الدولية المانحة للمساعدات على سجل حقوق الانسان في الدول التي تستقبل المساعدات وعلى مختلف العمليات والاستحقاقات السياسية باعتبارها من الموشرات الهامة لجذب رووس الأموال والاستثمارات الدولية ودليل على تحقق الاستقرار السياسي وعلى جدية النظام السياسي في تبني سياسات الإصلاح السياسي، وقد يتساءل البعض هل توجد علاقة بين الاقتصاد والتحديث السياسي ؟ وهل التحسن الذي يطرأ على الأول شرط لحدوق الآخر ؟
في مسعانا للإجابة نقول : إن مجتمعنا اليمن شرع ابتداءً من العام 2995م بالسير على طريق الإصلاحات الاقتصادية ذات الطبيعة الليبرالية كما التزم بالسير في خط سياسي جديد اركانه الأساسية التعددية السياسية والديسمقراطية وبإدخال العديد من الإصلاحات القانونية والإدارية وقد حقق خلال الفترة الماضية العديد من النجاحات على مختلف الاصعدة السياسية والقانونية والاقتصادية والإدارية وهي النجاحات التي اهلته للحصول على الدعم المالي والتقني والسياسي لبرنامجه الإصلاحي من وكالات التنمية الدولية والدول الغربية والعربية المانحة و«بالخصوص» منها دول مجلس التعاون الخليجي في إطار سعيها لدعم الاقتصاد اليمني من أجل تضييق الفجوة الاقتصادية بين دول المجلس وبين اليمن».
*****
والمؤتمر الذي انعقد في «لندن» خلال الأيام القليلة الماضية «1516 نوفمبر» يعد خطوة جديدة في هذا المسعى لتأهيل الاقتصاد اليمني، وتحقيق التنمية التي تعد أساس تحقق الاستقرار السياسي الوطني والاقليمي باعتبار ان العلاقة بين الاستقرار السياسي والتنمية مسألة لم تعد في حاجة إلي مزيد بيان، وهذا الأمر قد يكون هو الباعث وراء الاهتمام الاقليمي والدولي بعدم الاقتصاد اليمني وتقديم المساعدات والمعونات والقروض الدولية «التي وصلت بحسب الإعلان الرسمي في المؤتمر إلى ما يقارب الخمسة مليارات دولار» لدعم الخطة التنموية الخمسية الثالثة للجمهورية اليمنية، وهو أيضاً يمثل شهادة من المنظمات الدولية والدول المانحة على النجاحات التي حققتها التجربة اليمنية في إطار تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي وإعادة الهيكلة، وفي الالتزام بالنهج الديمقراطي والتعددي، وهي الشروط التي اهلتها للحصول على ثقة ودعم العديد من المؤسسات والدول لتمويل خططها الانمائية.
وبما أننا قد تحدثنا في الأسابيع الماضية عن المحددين القيمي والاجتماعي للتحديث السياسي في مجتمعنا اليمني ننتهز الفرصة للحديث عن المحدد الاقتصادي للتحديث السياسي لتكملة الحديث عن هذا المحدد الهام وعلاقته بتجربة التحديث السياسي في مجتمعنا.
*****
يميل «جون واتربوري gohn waterbury في معرض اجابته عن امكانية وجود علاقة حتمية بسن التطور الديمقراطي وبين الاستراتيجية الاقتصادية المتبعة في الدولة إلى الاعتقاد بعدم وجود مثل تلك الحتمية، حيث يقول :« انا لا أميل إلى الاعتقاد بان هناك حتمية سوسيو اقتصادية ولا أرى ان هناك مقاييس ومعايير ثابتة لا تتحول وتنج عنها ديمقراطية، أنا أرفض هذه الحتمية، هناك من يقول انه ينبغي ان تتوفر شروط مثل اتساع الطبقة المتوسطة وارتفاع معدل التعليم، والتمدين وتحسن مستوى الدخل الفردي .. أنا أقول إذا كانت كلهذه الشروط ضرورية، فيجب ان نستبعد نجاح الديمقراطية بالنسبة لنصف سكان العالم » ويمثل واتربوري على ذلك الرأي بالمثال الهندي، فهذا البلد الذي لا يتوفر على مثل هذه الشروط السوسيو اقتصادية تمكن من المحافظة على نظام ديمقراطي تتغير فيه الحكومات عبر صناديق الاقتراع.ويعتبر أحد الباحثين اليمنيين ان عملية التطور الاتوماتيكي باتجاه الديمقراطية لا يمكن ان يتم بالسهولة التي نتوقعها وعليه فليس من الضروري برأيه ان يؤدي اقتصاد السوق إلى بناء الديمقراطية وخاصة في الدول التي تتسم بالتخلف الاقتصادي والاجتماعي بكيفية الية، فهي رهينة بالتطور والنمو الداخلي كتجربة ذاتية تمتلك خصائصها المحلية المتميزة وفي اعتقاده ان «اليمن عانت ولا تزال من جراء جلب بعض التجارب والافكار الخارجية واعتساف الواقع وقولبته بما يتواءم معها».
لكن إذا كانت الرأسمالية أو اقتصاد السوق شرطاص ضرورياً لنجاح مشروع التحديث السياسي أو الديمقراطي فان هذا لا ينفي وجود صلةج من نوع ما بين الاقتصاد والتحديث السياسي،على ان هذه الصلة، أو العلاقة لا تأخذ بالضرورة مساراً واحداً مستقيماً، بل قد تأخذ كمال في الحالة اليمنية، مساراً مغايراً ومعكوساً تماماً.
ما يدفعنا إلى طرح التساؤل التالي: إلى أي حد يمكن للاقتصاد ان يؤثر في تحديد مسار ومضمون مشروع التحديث السياس الذي يحيل في نهاية المطاف إلى الأخذ بالديمقراطية؟
سأسعى لتوضيح طبيعة الأسباب التي أدت إلى التعددية الحزبية والسياسية في اليمن انطلاقاً من الفرضية التي طرحها المفكر الايطالي «جياكومو لوتشياني» والتي تقول ان « الريع النفطي .. يؤدي إلى تأييد الحكومة الاستبدادية، كما ان ازمة الدولة المالية عامل يشجع على المطالبة بالديمقراطية فادول التي لا تواجه أزمة مالية وبالتالي ازمة اقتصادية وتحصل باستمرار على ريع خارحي ستكون قادر على تأجيل التحرك نحو الديمقراطية إلى أجل غير مسمى».
*****
وعلى الرغم من ان الدولة اليبمنية لا يمكن اعتبارها من الدول التي تعتمد بصورة كلية على «الريع النفطي» نظراص لحداثة اكتشاف وتصدير النفط فيها سينة 19986م وبسبب محدودية الكميات التي تصدر للخارج قدرت طاقة الانتاج بحسب المصادر الرسمية ب220 ألف برميل يومياً بداية عام 1991م وكان من المتوقع ان تزيد رلي ما بين 500 ألف برميل يومياً في منتصف التسعينيات واليمن كانت تعتمد في تمويل مشاريعها التنموية علي المساعدات والقروض العربية والدولية ونظراً لهذا المعطي يمكن اعتبار الدولة اليمنية من الدول شبه الريعية وان تناقص الريع يعني في بعض الحالات زيادة احتمالات الاتجاه صوب التغيير والتحديث.
ووضعية الدولة الريعية في المجتمعات العربية كما يراها «برهان غليون» تعتمد على العديد من العوامل الخاصة التي لعبت دوراً اضافياً في تدعيم بنية السلطة الاستيلائية وبالتالي تعزيز احتمال رعادة انتاج النظام التسلطي أكثر من العديد من مناطق العالم الزخرى ولو استندت رعادة الانتاج هذا على أسس مختلفة ومن بين ابرز العوامل عامل الثروة الريعية الكبيرة التي مزيت حقبة ما بعد الاستقلال، فقد استفادت العديد من البلاد العربية من مصادر ريعية كبيرة وهامة نتيجة تصدير النفط وشكلت ولا تزال في العديد منها أهم مواردها والعامل الرئيسي في تأمين استمرار المجتمعات اقتصادياً وقد عملت تلك المصادر خاصة في ظروف انعدام البنية الصناعية المتينة والإدارة الحديثة وبصرف النظر عن طريقة توزيها على قطع الطريق على التطوير العقلاني والموضوعي للمؤسسات والممارسات العامة ومظومات القيم وقد ساهمت بذلك في ترسيخ زسس الدولة الريعية التي تحظى السياسية والمدنية وهذا الأمر يفسر تطور السلوك الابوي والعشائري لهذه النخب في إطار الدولة الحديثة واعتمادها المتزايد على منطق الزبونية clientizme وتجاوز أي نموذج حياة سياسية وقانونية سليمة وباعتقاد ان الوضعية في المجتمع اليمني خلال بعض الفترات التاريخية الماضية كانت تبدو أقرب إلى الوصف الذي ذكره بالرغم من الملاحظات التي ابدينها في الفقرة الماضية أي اعتبار الدولة في اليمن دولة شبة ريعية.
وهو ما يدعو إلى التساؤل : عما سيكون عليه الحال ان كانت الدولة تمر بازمة مالية خانقة وتعاني في نفس الوقت من تناقص وانقطاع الريع الخارجي هي سيؤدي ذلك بكيفية الية تبني الخيار أو البديل الديمقراطي وتوسيع مجال المشاركة السياسية؟
*****
في هذا الصدد يشير «الجابري» إلى أن العديد من اقتصاديات الدول العربية اليوم تقوم في جانب كبير منها على الريع» إن لم يكن كعنصر أساسي ووحيد ،كما هو الحال في العديد من الدول الخليجية النفطية وليبيا خاصة ،فعلى الأقل كعنصر مكمل وضروري كما هو الحال في الجزاذر ومصر وتونس والمغرب ،أضف إلى ذلك العديد من الدول العربية التي تتلقى معونات خارجية ،عربية وغير عربية ،تشكل عنصراً أساسياً في دخلها مثل: الاردن وموريتانيا واليمن.. ويمكن للمرء أن يتصور مدى أهمية «الريع» في كيان الدولة العربية الحالية إذا تصور على سبيل الفرض والتقدير توقف عائدات العمال المهاجرين ،إنه ليس الاقتصاد وحده الذي سيتوقف ،ويصاب بالافلاس بل إن اجهزة الدول ومشاريع «التنمية» ستصاب هي الأخرى بالشلل التام.
وبخصوص الدولة يمكن القول إنها ظلت تعتمد في اقتصادها على العديد من المداخيل ،والتي اختلفت من قترة إلى أخرى ،ويمكن أن نحدد أهمها في التالي:
1 المساعدات العربية والغربية.
2 تحويلات المهاجرين ،وهي المداخلي التي تناقصت بشكل ملحوظ بعد طرد مئات الالوف «حوالي المليون بحسب بعض التقديرات» من المهاجرين اليمنيين بعد أزمة وحرب الخليج الثانية ،وبالرغم من عودة البعض منهم إلى بلدان المهجر ،فإن تلك التحويلات لم تعد إلى نفس المستويات السابقة.
3 مداخيل النفط ابتداءً من العام 1987م وهو تاريخ بداية تصدير النفط إلى الخارج.
4 وأخيراً المداخيل التي تحققها قطاعات الزراعة والصيد البحري.
لكن هذه المداخيل ستعرف تناقصاً حاداً ومستمراً نتبيجة العديد من الاسباب السياسية والاقتصادية التي عرفتها الساحة المحلية والاقليمية والدولية ويبدو واضحاً من خلال العديد من المعطيات الواقعية أن الفترة التي أعقبت اعادة تحقيق الوحدة اليمنية تلازمت مع حدوث العديد من الصدمات العنيفة التي تعرض لها الاقتصاد اليمني: تبعات توحيد نظامين متباينين سياسياً واقتصادياً،حرب الخليج الثانية ،الحرب الأهلية في صي1994م ،وكل هذه الأمور تركت ،بدون شك ،العديد من الاثار العميقة في الميدان الاقتصادي تماماً كما فعلت في الميدان السياسي.
لقد ظل الاقتصاد اليمني يعتمد على مصادر التمويل الخارجية وأهمها: تحويلات المغتربين اليمنيين في الخارج ،والمساعدات والهبات والقروض الاقليمية والدولية ،وقد عانى كثيراً جراء توقف معظم تلك المصادر فجأة ،إما بسبب التحولات التي عرفتها دول الكتلة الاشتراكية سابقاً والتي نجم عنها تحويل العديد من المساعدات الدولية إليها ،أونتيجة قطع العديد من المساعدات العربية «الكويتية بصفة خاصة» بعد الدلاع أزمة وحرب الخليج نتيجة الموقف اليمني منها ومانجم عنها من اثار ضارة على الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع اليمني.
*****
فقد تكبدت بموجبها الدولة والاقتصاد اليمني خسائر مادية قدرت بعدة مليارات من الدولارات وماتبع تلك الخسائر من مشكلات اجتماعية ،نتيجة فقدان مئات الالوف لوظائفهم ،وفقدان المعيل الوحيد للأسرة لمصدر عمله ،حتى عجزت الدولة اليمنية عن معالجة اثارها ودون الدخول في تفاصيل هذه الاثار يمكن ايجاز اهمها كما وردت في العديد من الدراسات التي تناولت الاثار الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن موقف اليمن من حرب الخليج الثانية ،الذي يوصف بأنه«الأغلى ثمناً» في التاريخ الحديث ،وذلك على الشكل التالي:
انقطاع المساعدات العربية ،وتوقف القروض الميسرة من الصندوق العربي للتنمية وغيره من المؤسسات المالية العربية.
توقف التحويلات المالية للمهاجرين اليمنيين ،والعودة الاجبارية لما بين 500ألف إلى مليون مهاجر يمني من السعودية ودول الخليج بحسب بعض الاحصاءات المعلنة.
تخفيض كبير في المساعدات الأمريكية.
تجميد الاستثمارات الأجنبية.
وعليه فقد تحمل الاقتصاد اليمني أعباء اضافية فوق الاعباء التي كان يرزح تحت ثقلها أصلاً بسبب اندماج اقتصاد شطري اليمن بعد الوحدة نتيجة تحمل اعباء الديون المترتبة على كل شطر ،وهو ماأدى إلى ارتفاع معدل التضخم إلى درجة كبيرة وتداعي قيمة العملة اليمنية أمام العملات الأجنبية وارتفاع عجز الموازنة ،وتقلص الانتاج وتزايد حدة الفقر ،واتساع قاعدة البطالة في المجتمع وتراكم الديون ،وتفاقم العجز في ميزان الحساب الجاري وحساب ميزان المدفوعات.
وبسبب هذه الظرفية الحرجة التي وجدت الحكومة اليمنية نفسها بحسب رأي بعض الباحثين لم يكن أمامها إلا واحداً من خيارين:
1 أما تمويل التنمية بالمصادر المحلية الداخلية التي يوفرها الاقتصاد القومي في شكل مدخرات محلية «سندات الخزينة».
2 وإما اللجوء إلى المصادر الخارجية المتمثلة في: القروض ،والمساعدات ،والهبات الثنائية أومتعددة الاطراف ،والقروض الخاصة قصيرة الأجل أوطويلة الأجل ،وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى الداخل لتمويلها.
وتعتمد المفاضلة بين أحد هذين المصدرين على الوزن النسبي لكل واحد منهما ،وعلى مقدرته في تولي مسئولية القيام بتمويل التنمية فإذا كانت المصادر المحلية قادر على الاضطلاع بهذه المهمة ،يبقى للمصادر الخارجية دور ثانوي ،أما حينما يفتقر الاقتصاد المحلي إلى هذه المقدرة ،كما هو الحال في المجتمع اليمني الذي يتسم الادخار المحلي فيه بكونه سلبياً على الدوام ،وتتسم التكنولوجيا فيه بالتخلف ،يصبح الاعتماد على التمويل الخارجي ،واستقدام التكنولوجيا أمراً لا مفر منه ،ولتحقيق هذا الخيار لابد من توافر العديد من الشروط السياسية والاقتصادية والقانونية التي تلبي اهداف الممول الخارجي واستراتيجياته.
ومن بين أبرز الشروط التي باتت تطرحها ،بل وتفرضها في كثير من الاحيان العديد من المؤسسات الدولية والدول المانحة بداية من ثمانينات القرن الماضي ،وبصورة أكثر دراماتيكية مع بداية التسيعينيات منه ،وإن اختلفت المقاييس والمعايير التي اعتمدتها كل دولة من الدول عن الأخرى ،أو عن معايير البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ووكالات التنموية الدولية ،إلا أنها تتفق حول العديد منها ،وهكذا فكل تلك الاطراف الدولية باتت تشترط ضرورة التزام الدول والحكومات ،باحترام حقوق الانسان ،وتطوير الديمقراطية ،وتوسيع المشاركة الشعبية باعتبارها مصدراً للشرعية وموافقة المحكومين ،وتعزيز التنافس السلمي ،وضمان تدفق المعلومات بيسر وسهولة ،وتعزيز حرية تأسيس المنظمات وحرية الرأي والتعبير باعتبارها مقاييس Measures معتمدة للحكم على توفر قدر من نظام «الحكم الأمثل Ideal Govemment» وعلى النهج السياسي الثابت لتصريف شئون الدولة ،وبالتالي استحقاق المساعدات الدولية.
*****
وهكذا يمكن لنا القول: إن النظام السياسي اليمني شأنه في ذلك شأن العديد من الأنظمة العربية والعالمثالثية خاصة في هذه المرحلة من الزمن ،يتعرض لضغوط العديد من القوى ،ضغط سياسات صندوق النقد الدولي ،ومايتطلبه من ضرورة تقليص النفقات وضغط الميزانيات ،وضغط الشارع الذي بات يئن تحت وطأة الأزمة والضائقة الاقتصادية الطاحنة التي خلفها اخفاق السياسات التقليدية الماضية على مستوى شطري اليمن ،والتي زادت من حدتها الاجراءات الاقتصادية المتخذة من السلطة عقب حرب الانفصال عام 1994م أو مايعرف باسم الجرعات الاقتصادية«Economic Dosages» العديدة التي تتطلبها عملية اعادة الهيكلة والاصلاح للاقتصاد اليمنية والتي زاد من وطأتها انعدام الضمير للعديد من ضعاف النفوس من أبناء شعبنا.
*****
ولذا فقد يكون من حق المواطن اليمني وهو يتابع فعاليات وجلسات «مؤتمر المانحينDonors» في «لندن» أن يحلم بأن يتحقق له خلال الأيام القادمة الأمل في التنمية وبما يكفل القضاء على الفقر ،وخلق فرص للعمل والعيش الكريم في وطنه وبين أهله ،وتقليص حجم البطالة في مجتمعنا اليمني ،بل ربما منى البعض من مواطنينا نفسه بأن يبدأ جني أولى الثمار فور انتهاء جلسات مؤتمر المانحين ،وقبل أن تصل تلك المساعدات التنموية إلى بلدنا فعلاً فهل أن لمجتمعنا اليمني ولشعبنا اليمني أن يحلم بطلاق الفقر طلاقاً بائناً؟ وأن يقيم مراسيم تأبين ووداع رسمي للبطالة؟ يحدونا الأمل ومعنا كل فرد من افراد شعبنا اليمني في تحقق ذلك ولنا عودة إن شاء الله للحديث بتفصيل عن مؤتمر المانحين وقراءة في النتائج التي تمخض عنها.
أستاذ العلوم السياسية جامعة إب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.