سيئون.. وقفة احتجاجية تطالب المجتمع الدولي بتنفيذ القرار الأممي الخاص بقحطان    رسميًا.. محمد صلاح يعلن موقفه النهائي من الرحيل عن ليفربول    في اليوم 227 لحرب الإبادة على غزة.. 35562 شهيدا و 79652 جريحا واستهداف ممنهج للمدارس ومراكز الإيواء    "وثيقة" تكشف عن استخدام مركز الاورام جهاز المعجل الخطي فى المعالجة الإشعاعية بشكل مخالف وتحذر من تاثير ذلك على المرضى    مجلس النواب يجمد مناقشة تقرير المبيدات بعد كلمة المشاط ولقائه بقيادة وزارة الزراعة ولجنة المبيدات    ثلاث مرات في 24 ساعة: كابلات ضوئية تقطع الإنترنت في حضرموت وشبوة!    غاتوزو يقترب من تدريب التعاون السعودي    ترتيبات حوثية بصنعاء بعد إعلان مصرع الرئيس الإيراني وتعميم من "الجهات العليا"    أول تعليق أمريكي بشأن علاقة واشنطن بإسقاط مروحية الرئيس الإيراني    إعلان هام من سفارة الجمهورية في العاصمة السعودية الرياض    مجلس التعاون الخليجي يؤكد موقفه الداعم لجهود السلام في اليمن وفقاً للمرجعيات الثلاث مميز    لابورتا وتشافي سيجتمعان بعد نهاية مباراة اشبيلية في الليغا    رسميا.. كاف يحيل فوضى الكونفيدرالية للتحقيق    منظمة التعاون الإسلامي تعرب عن قلقها إزاء العنف ضد الأقلية المسلمة (الروهينغا) في ميانمار    الصين تبقي على اسعار الفائدة الرئيسي للقروض دون تغيير    منتخب الشباب يقيم معسكره الداخلي استعدادا لبطولة غرب آسيا    اتحاد الطلبة اليمنيين في ماليزيا يحتفل بالعيد ال 34 للوحدة اليمنية    وفاة محتجز في سجون الحوثيين بعد سبع سنوات من اعتقاله مميز    قيادات سياسية وحزبية وسفراء تُعزي رئيس الكتلة البرلمانية للإصلاح في وفاة والده    اشتراكي الضالع ينعي الرفيق المناضل رشاد ابو اصبع    إيران تعلن رسميا وفاة الرئيس ومرافقيه في حادث تحطم المروحية    مع اقتراب الموعد.. البنك المركزي يحسم موقفه النهائي من قرار نقل البنوك إلى عدن.. ويوجه رسالة لإدارات البنوك    مأساة في حجة.. وفاة طفلين شقيقين غرقًا في خزان مياه    بن مبارك بعد مئة يوم... فشل أم إفشال!!    الجوانب الانسانية المتفاقمة تتطلّب قرارات استثنائية    لماذا صراخ دكان آل عفاش من التقارب الجنوبي العربي التهامي    وفاة طفلة نتيجة خطأ طبي خلال عملية استئصال اللوزتين    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    عبد الله البردوني.. الضرير الذي أبصر بعيونه اليمن    تغير مفاجئ في أسعار صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية    أرتيتا.. بطل غير متوج في ملاعب البريميرليج    الريال يخسر نجمه في نهائي الأبطال    هجوم حوثي مباغت ومقتل عدد من ''قوات درع الوطن'' عقب وصول تعزيزات ضخمة جنوبي اليمن    مدارس حضرموت تُقفل أبوابها: إضراب المعلمين يُحوّل العام الدراسي إلى سراب والتربية تفرض الاختبارات    كنوز اليمن تحت رحمة اللصوص: الحوثيون ينهبون مقبرة أثرية في ذمار    قادم من سلطنة عمان.. تطور خطير وصيد نوعي في قبضة الشرعية وإعلان رسمي بشأنه    الدوري الفرنسي : PSG يتخطى ميتز    غموض يحيط بمصير الرئيس الايراني ومسؤولين اخرين بعد فقدان مروحية كانوا يستقلونها    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 35,456 شهيداً و 79,476 مصابا    الجامعة العربية: أمن الطاقة يعد قضية جوهرية لتأثيرها المباشر على النمو الاقتصادي    إلى متى نتحمل فساد وجرائم اشقائنا اليمنيين في عدن    وزير المياه والبيئة يبحث مع المدير القطري ل (اليونبس) جهود التنسيق والتعاون المشترك مميز    رئيس هيئة النقل البري يتفقد العمل في فرع الهيئة بمحافظة تعز مميز    رئيس الهيئة العليا للإصلاح يعزي الهجري في وفاة والده    تقرير: نزوح قرابة 7 آلاف شخص منذ مطلع العام الجاري    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عرض كتاب 'أمراء وسماسرة وبيروقراطيون: النفط والدولة في المملكة العربية السعودية'
نشر في الجنوب ميديا يوم 24 - 12 - 2012

عرض كتاب 'أمراء وسماسرة وبيروقراطيون: النفط والدولة في المملكة العربية السعودية'تأليف'ستيفان هيرتوغ:' الفكرة الأصلية وراء البحث الذي تحول الى الكتاب الحالي هي تحليل كيف أن الاصلاحات الاقتصادية الليبرالية تغير الهياكل الاقتصادية والسياسية في دولة ريعية غنية بالنفط مثل المملكة العربية السعودية. غير انه في سياق البحث وجد الكاتب ان التغيير الذي يبحث عنه لم يتحقق بدرجة ملموسة، بل اكتشف استمرارية تاريخية تضرب بجذورها في الطريقة التي تُمارس بها السياسة وتُدار بها علاقة العمل بالدولة في السعودية، واكتشف ايضا - حسبما يقول في مقابلة اجرتها معه نشرة (جدلية) الالكترونية - أن العديد من أوجه الاستمرارية لا تتطابق مع نظرية
' 'لعنة الموارد' للدول الريعية.
يقول الكاتب ان السعودية عانت منذ تأسيس الدولة الحديثة في الخمسينات من صراع مع العمالة الزائدة والفساد، ولكنها في الوقت نفسه تمتلك مؤسسات تعمل وفق أساليب عالمية مثل مؤسسة النفط الوطنية (أرامكو) وعملاق الصناعة (سابك)، وهما مؤسستان تعملان باستقلالية عن باقي مؤسسات الدولة منذ عقود. ولاح0ظ انه على مستوى السياسة كان للسعودية في سنوات التسعينات وفي العقد التالي (سنوات الالفين) سجل غير متوازن. ففي الوقت الذي تمت فيه عدة عمليات خصخصة ناجحة حيث تمكنت الحكومة من خلق سوق رأسمالي حديث ومرن، فإن الاصلاحات الأخرى في سياسة العمالة أو في البيئة التنظيمية للاستثمار الأجنبي لم تكن بنفس القدر من النجاح.
'هذا ادى جزئيا إلى 'تفكيك' الدولة السعودية الريعية. فعوضاً عن النظر اليها ككيان متجانس، فقد تم النظر إلى العوامل الفردية وتاريخها السياسي: متى ولماذا تُستعمل أموال النفط لرعاية وبناء الاقطاعيات البيروقراطية؟ ومتى ولماذا يتم استعمالها لأغراض التنمية؟
يقول المؤلف انه في هذا السياق اضطر الى القيام بالكثير من الأبحاث الأرشيفية والتاريخية أكثر مما كان مخططاً في السابق، لأنه شعر بعدم وجود معلومات تاريخية كافية عن تكوين الدولة السعودية الحديثة. فرغم وجود الكثير من التاريخ الشعبي، فإن أغلب المتوفر من أدبيات العلوم الإجتماعية يوفر صورة كاريكاتورية للفساد واللاكفاءة البيروقراطية، أو في بعض الأحيان تقدم حالات غير محتملة من الكفاءة في عصر ما قبل النفط غير صحيحة في أجزاء مهمة منها.
يوفر الجزء التاريخي من الكتاب بحثا إجتماعيا متماسكاً عن كيف أن قرارات الأمراء بخصوص توزيع عوائد النفط المتزايدة بسرعة قد شكّل مؤسسات الدولة بأشكال مختلفة تماماً،'وكيف أن هذه الموارد شكّلت علاقات القوة والنفوذ بين هذه المؤسسات وبعضها البعض، وبينها وبين العوامل الرئيسة'في المجتمع. وباختصار، فإنه يشكل استعراضا للأسباب التي جعلت المجتمع السعودي على ما هو عليه الآن. ويحاول المؤلف في هذا السياق أن يفسر السياسات البيروقراطية، وأسلوب صنع القرار، وعلاقات قطاع الأعمال بالدولة بتفصيل أكثر من خلال مجموعة من الحالات التي قام بدراستها حول اصلاح الاستثمار الخارجي، وسعودة سوق العمل، والدخول في منظمة التجارة العالمية. '
'تتمحورالقضايا الرئيسة التي يتناولها الكتاب في النقاش حول 'لعنة الموارد'، وتاريخ ما بعد الحرب العالمية الثانية للدولة السعودية وتأثيره على المجتمع المحلي. كما تشمل العلاقات بين الدولة والمجتمع، والإدارة العامة في الدول النامية بما فيها السعودية طبعا. كما يتم بالكناب تناول وانتقاد مفاهيم محددة مثل كفاءة الدولة واستقلاليتها.
وبرأي المؤلف فإن أحد المفاهيم التي تتجاوز الحالة السعودية هو تضاؤل إستقلالية الدولة في الدول الريعية. فالنخبة الحاكمة عادة ما تتمتع بطرق ملتوية تتمكن من خلالها من استغلال أموال النفط في المراحل الأولى من التنمية، ولكن سرعان ما تبدأ بالتقيد بالتزامات التوزيع مما يقلص بشكل كبير من قدرتها على المناورة- وخصوصا في النظم الشمولية. إن الاستقلال الكبير للنخبة الملكية الحاكمة في المراحل الأولي في المملكة العربية السعودية أعطى عدداً من الأمراء نفوذاً لا حدود له على تشكيل الدولة. وترجع الكثير من الخصوصيات والصور المكررة من البيروقراطية السعودية الفاقدة للحيوية إلى تحالفات الأمراء والمشاكل التي حدثت قبل نصف قرن من الزمان، وهي نتائج أصبحت تقريباً غير ممكنة التقويم بعد أن كبر حجم الدولة والمنتفعين منها.
ويرى المؤلف إن ما يثير الاستغراب في وضع الدولة السعودية في وقتنا الحالي ليس موضوع كفاءتها، أو انعدام هذه الكفاءة، ولكن بالأحرى درجة التشظي الضخمة للمؤسسات التي تشكل الدولة، كل حسب تاريخها الخاص ومجموع المتعاملين معها من المجتمع.
فجهاز الدولة السعودية يضم منظمات شديدة الاختلاف: فمن قضاء 'إسلامي' يعيش في كثير من نواحيه في القرن السابع الميلادي، إلى شركات تملكها الدولة وتتمتع بقدر عالٍ من الحداثة والعلمانية مثل أرامكو والتي تبقى بمنأى عن تدخلات العائلة المالكة السعودية، إلى جهاز أمن غير قابل للاختراق تحت إشراف أميري مباشر وتتبعه مدنه ومدارسه وجامعاته ومستشفياته الخاصة.
لقد بدأ بناء هذه الاقطاعيات المتوازية منذ الخمسينات مع بدء تدفق أموال النفط، وتعمق هذا البناء في السبعينات مع الطفرة النفطية حين بدأت النخبة الحاكمة بخلق مؤسسات جديدة لكل سياسة جديدة أو مشكلة تعترضها. وفي حين أن بعض أجزاء الدولة يمكن اعتبارها كفوءة بمقاييس البيروقراطية الحديثة، فإن هناك قدراً محدوداً من التواصل بين العوامل التي تشكل الدولة نفسها.
إن عدم تجانس الدولة السعودية يجعل بعض الاصلاحات أصعب من غيرها- حتى ضمن الأجهزة الإدارية الكفوءة. فالتشظي الحكومي وانتشار المحسوبية عبر العمالة الزائدة في القطاع العام يقلص بدرجة كبيرة من امكانية الإصلاح في العديد من المؤسسات، ويؤثر سلباً على الإصلاح في المستويات الدنيا من البيروقراطية. لكن في نفس الوقت يمكن لبعض الاصلاحات أن تجري وتستمر في مؤسسات متفرقة وبنجاح كبير، خصوصاً إذا كان التطبيق يتم في جزر منعزلة من البيروقراطية الكفوءة.
ورغم الطابع الاكاديمي الصارم للكتاب'فانه يتضمن مادة بحثية ميدانية يفترض أن تكون مفيدة لأي شخص لديه اهتمام بالنقاش حول 'لعنة الموارد' في الاقتصاد السياسي في الشرق الأوسط. كما ان اسلوب الكتابة فيه مفهوم بشكل كافٍ ليكون مفيدا لأي شخص يتعامل مع مواضيع خاصة بالسعودية ودول الخليج بصفة عملية، سواء بصفة عمل، أو دبلوماسية، أو صحافة، أو تبنٍ لقضايا معينة، أو ببساطة كمقيم محلي في تلك الدول.
ويصر المؤلف أن الكتاب مكتوب لكل السعوديين الذين لديهم اهتمام بالسياسة والتنمية الاقتصادية لبلدهم. ويقول إن بعض التعليقات على الكتاب، والتي يقدرها كثيرا،ً تأتي من السعوديين الذين يعرفون من تجاربهم الشخصية الآليات التي قام بتحليلها.
وفي اجابته على سؤال حول كيفية تأثير الكتاب على النقاشات السياسية والفكرية الحالية'حول السعودية،' يقول المؤلف'أن النقاش الدائر حول السعودية محصور بين فكرتي التقليل من الذات والدعاية المساندة للسعودية، وهو بهذا يبتعد عن النظر بعدالة وموضوعية للواقع المعقد والتنوع الكبير في النظام السعودي.
ولا يعتبر المؤلف كتابه سياسياً بالدرجة الأولى، ويقول انه ببساطة يناقش الأساليب التي يمكن بموجبها أن يؤثر توزيع الريع سلباً على التنمية الاقتصادية ويعرقل السياسة. ويضيف إن فهم هذه القيود يجب أن يكون الخطوة الأولى تجاه أية إصلاحات ذات مغزى، وبالخصوص للقطاع العام وأسواق العمل.
وبرأيه فإن التحديات التي يواجهها البلد مستقلة عن شكل النظام السياسي، ويقول 'بعيداً عن تحليلي الخاص لتوزيع الريع في السعودية، فقد بدأت أفكر في طريقة أكثر عدالة وشفافية للمشاركة في ريع النفط والتي لا تؤثر سلباً على تماسك البيروقراطية، كما أنها لا تخرج المواطنين من دائرة الانتاج الاقتصادي كما تفعله الآن سياسات التشغيل الزائدة عن الحد في القطاع العام. ولذلك فأنا أعمل حالياً على ورقة بحث حول دخل المواطنين في دول مجلس التعاون الخليجي الريعية، وهو مفهوم يتم فيه فصل التوزيع المباشر للريع عن التوظيف، ويتم فيه اعتباره كحق أساسي للمواطنة. يمكن لهذا أن يمنح المزيد من الاستقلالية الاقتصادية للمواطنين، ويقلل من التشتت وانعدام العدالة في أنظمة التوزيع الحالية'.
تجدر الاشارة هنا الى انه'إضافة إلى المشروع حول دخول المواطنين في دول التعاون الخليجي، فأن المؤلف على وشك انهاء كتاب بالتعاون مع عالم الاجتماع، دييغو غامبيتا، عن سبب وجود الكثير من المهندسين في صفوف الاسلاميين المتطرفين، وهو مشروع صغير تطور ذاتياً عبر السنين. كما يعمل أيضاً على مقال يوضح استمرارية الملكيات العربية، وورقة بحث توضح الفرق بين الأساليب السياسية المختلفة للدول الريعية.
مقتطفات من الكتاب '
'حين دخلت غرفة التلكس في وزارة سعودية هامة في صيف 2003، شعرت بأن شيئاً ما كان خطأ في الاتصالات بين الأطراف المختلفة في الحكومة السعودية. فأمام شاشات كومبيوتر تعود الى جيل السبعينات من حجم 12 بوصة جلس موظف سوداني يرتدي عمامة ضخمة. وبين حين وآخر، تعود طابعة تبدو وكأنها ماتت منذ فترة طويلة للحياة وتصدر منها ضوضاء وهي تطبع رسالة على شريط الورق اللا منتهي الذي يتدلى منها. بهذه الطريقة كانت الوزارات السعودية تتواصل فيما بينها في عام 2003، وبعد أن صُرفت المليارات على تحديث نظم الاتصال في إدارة المملكة، وبعد ثلاثة'سنوات متتالية من العوائد النفطية العالية.
لقد كانت قضية مثيرة من البيروقراطية العتيقة، ولكن غرفة التلكس كانت أيضاً جزءاً من اللغز العملي الواسع الذي كنت أبحث فيه لفترة من الزمن: خلال العقود الماضية، اعتلت كل النخبة السعودية الحاكمة قارب الاصلاحات الاقتصادية، وبضمنها الخصخصة، والسعودة لأسواق العمل، واصلاح سوق رأس المال، وتحرير ضوابط الاستثمار الأجنبي، ودخول منظمة التجارة العالمية. لقد أصبحت النخبة الحاكمة راغبة فعلاً في إعادة تعريف دور الإدارة، والقطاع الخاص بعد أن تراكمت الثروة عبر السنين وأصبحت لدى النخبة الإرادة'للقيام بمهام تنموية جديدة. ورغم أن الاجماع السياسي يبدو واسع النطاق، إلا أن سجل الاصلاحات الاقتصادية في السعودية منذ 1999 لم يكن متوازناً.'وقد أثار هذا فضولي حيث أنه لا يتفق مع الخطاب الرسمي حول سياسة التنمية الرشيدة، ولا مع الكليشيهات الغربية حول الفساد السعودي الذي لا مفر منه. لماذا أثبت سوق العمالة السعودي أنه غير واضح الملامح في حين أن مشروعات محددة أخرى، مثل خصخصة الاتصالات السعودية عام 2003، تمت بنجاح؟ لماذا كان تطوير البيئة التنظيمية للمستثمرين الأجانب في سنوات الالفين أصعب من بناء بنية تحتية بمواصفات عالمية قبل ربع قرن من الزمن؟'لماذا تم تطبيق بعض السياسات بينما تعثرت سياسات أخرى في دهاليز البيروقراطية؟
إن السجل السعودي المشوش لا يتسق بسهولة مع الطرق المقبولة لتفسير الاقتصاد السياسي للمملكة، وأقصد على وجه الخصوص نظريات 'الدولة الريعية'، والتي كانت المملكة العربية السعودية المثل الدائم لها، والتي ُرسمت لها صورة أوسع مما يجب. وفي الوقت الذي وفرت هذه النظريات 'فرصة جيدة للتفكير بخصوص مشاكل عامة خاصة بالتنمية النفطية، فإنها كانت أقل فائدة في تفسير درجة النجاح أو الفشل، وهو أكثر الألغاز إثارة في نظام معقد مثل السعودية، والذي لم يكن أبداً فشلاً تنموياً. فالنظريات الريعية تتوقع أن دخل النفط سيسمح للدول أن تتصرف بشكل مستقل عن مطالب المجتمع، وأن المدخول النفطي سيقوي من الدولة على حساب المجتمع، وعلى حساب السلطة التنظيمية الضعيفة لمؤسسات الدولة وانتشار الاعتماد على الريع، وهذا كله صحيح في السعودية إلى حد ما. ورغم ذلك، فلا شيء من هذه التوقعات يفسر تعقيدات آليات صنع القرار في السعودية أو التباين في النتائج. '
'
علم الاجتماع والمشاركة في الثروة
ت
النفط كان مهماً جداً في تشكيل الدولة السعودية، ونظام السلطة فيها، وأساليب صناعة القرار، وفي تشكيل السلطة ضمن المملكة عبر الزمن. ومن أول النتائج التي توصلت إليها في الابحاث التي قمت بها هو أن قرارات النخبة كان لها أهمية قصوى في تشكيل الدولة، خصوصاً في المراحل الأولى في بناء الدولة. فبينما قامت العائلة المالكة السعودية في حالات كثيرة باستعمال سلطتها المالية لبناء محسوبيات شخصية أو لتوظيف جيوش فعلية من المنتفعين البيروقراطيين الذين لا عمل فعلياً لهم، الا انها استعملت في نفس الوقت هذه الموارد - بمساعدة آخرين - آخرين لبناء إدارات كفؤة عن طريق شراء خبرات عالمية وتقديم عروض جذابة للمواطنين الطموحين. وإذا كانت هناك نتيجة ما لذلك، فإن أجزاء كبيرة من المدخول النفطي قد وسعت من لائحة الخيارات المؤسسية المتوفرة للنخبة مما أنتج جهازاً حكوميا غاية في التباين بين أجزائه.
لقد لعب جهاز الدولة السعودي دورا قيادياً ساحقاً لغيره في السياسة الداخلية. فقد كانت السياسة السعودية مركزية بشكل كبير بيد النخبة، التي أضعف سخاؤها ورعايتها للآخرين من استقلالية المجموعات الإجتماعية. ومع ذلك فإن طبيعة النمو الاقتصادي المتقطع للدولة وعصب النظام الذي يتمحور حول العائلة المالكة قد أدى إلى عدم انسجام كبير وتشظ للجماعات الإجتماعية، وبدرجة أساسية لمؤسسات الدولة في المستويات الدنيا من الهيكل السياسي.
وبينما كانت القرارات السياسة تتخذ من أعلى الهرم نزولاً لأسفله وتهيمن عليها سلطات عليا، فإن النظام تمكن في وقت قصير نسبيا من أن يبني ويمنح المتعاملين معه في المجتمع، جماعات كانوا أم أفراداً، التزامات مالية واسعة. وبمرور الوقت فإن هذا 'السخاء الأبوي' أصبح غير قابل للتغيير مما قلص من استقلالية القيادة في التصرف بحرية في عوائد النفط، وهي آلية توضح الأهمية القصوى لقرارات التوزيع التي تم اتخاذها في منعطفات تاريخية سابقة. إن مجموعات المنتفعين من الدولة الريعية، والذين تراكمت أعدادهم عبر الزمن، كانت لهم فائدة واضحة في تهدئة المجتمع سياسياً، ولكن وجودهم غير القابل للتزحزح في الدوائر البيروقراطية وحولها يجعل عملية الاصلاح والإدارة اليومية لشؤون الدولة أكثر صعوبة.
بعد فترة من التطورات السريعة والتغيرات التي أملاها التوسع في الدولة، فإن الدولة السعودية برزت وبشكل غير متوقع كدولة متشظية وككيان ضخم وجامد- رغم وجود بعض الأجزاء الحيوية وعالية الكفاءة فيها. ولتفسير السبب الذي يجعل بعض الاصلاحات ممكنة في السعودية في وقتنا الحاضر وبعضها الآخر غير ممكن، فإننا نحتاج إلى 'تفكيك' الدولة. نحتاج أن نفهم هياكلها وعلاقاتها بالمجتمع على المستوى المتوسط لمنظمات محددة وجماعات إجتماعية، إضافة غلى فهم الأفراد المنتفعين من الدولة على المستوى الفردي.
إن التشظي على المستوى المتوسط في الدولة السعودية يعني أن القابلية للتنسيق والتكامل في السياسات بين المؤسسات المختلفة والشبكات الأخرى ضعيف، كما يشهد بهذا المنظر الذي ذكرناه سابقاً من غرفة التلكس والذي يوحي بأن الرسائل تصل وكأنها قادمة من قارة أخرى.
وعلى النقيض من هذا، فإن سياسات الإصلاح التي شملت بضع مؤسسات فقط، أو التي تمت عبر أطراف دولية قوية نُفذت بشكل أكثر نجاحاً. وحتى بعد ذلك، فإن النجاح في التطبيق مشروط بالكم من اللاعبين على المستوى الفردي الذين يحتاجون أن يتم تفعيلهم وتوجيههم في هذه العملية، وهؤلاء قد يكونون مدراء من المنتفعين من البيروقراطية، أو أفراداً يلعبون أدواراً تنظيمية في المجتمع. وبينما يعد المجتمع السعودي ضعيفاً من ناحية التنظيم الجمعي، فإن الشبكات الاجتماعية في الدائرة البيروقراطية يمكنها في أغلب الأحيان أن تعرقل السياسة.
إن 'درجة اتساع' المستوى الأوسط، و'عمق' المستوى الفردي في سياسة'ما هما عاملان حيويان في تحديد النجاح أو الفشل لهذه السياسة. إن التفريق في السياسات الريعية بين المستويين المتوسط والفردي يسمح بفهم أكثر دقة ' لقدرة الدولة' في البيروقراطية الريعية، وهو عامل يمكن أن يتباين خلال نظام ما إعتماداً على المحتوى المؤسساتي.
إن التحليل العميق للنموذج السعودي يوفر لنا أساساً أعمق للنقاش الدائر حول الدولة الريعية. إنه يضيف دقة للتأكيد على أن الدولة الريعية مستقلة عن المجتمع. وفي الأساس، فإن مدخول النفط أعطى النخبة الحاكمة مساحة واسعة للمناورة. هذا الاستقلال يمكن أن يتقلص بمرور الزمن، ولكن، يمكننا أن نرى أنالقيود التي تربط الدولة بالمجتمع تتزايد وهي تأخذ على عاتقها مسؤوليات التوزيع الفردي للثروة والتي لا يمكن الرجوع عنها.
إن الحالة السعودية تؤكد التوقع النظري أن الريع يقوي الدولة في مقابل المجتمع. والآلية التي توضح هذه النتيجة هي أن الاعتماد على الريع يميل إلى جعل المجموعات الإجتماعية تابعة للنظام ويقوض من تجانسها الداخلي. ومع ذلك، فإن الدخل النفطي العالي يبدو مغرياً للنخبة السياسية لتضيف منظمات أخرى لجهاز الدولة لمواجهة المشاكل السياسية والإدارية، مما ينتج عنه تشظي الدولة نفسها. هذه هي النتيجة غير الموثقة حتى الآن لتأثير المدخول الريعي الذي يبدو حاصلاً في الدول الريعية أيضاً.
وفي الوقت الذي تعتبر فيه البيروقراطيات 'المترهلة' ذات السلطات التنظيمية مهمة وكاشفة لطبيعة النظام، وهي التي تعزى في أغلب الأحيان للمدخول الريعي، فإن هذه البيروقراطيات تعد طارئة وعرضية بدرجة أكثر مما تتنبأ به الأدبيات. واعتماداً على الكيفية التي تقرر بها القيادات استعمال المدخول المكتشف حديثاً في عملية بناء الدولة، فإن هذه البيروقراطيات قد تظهر وقد لا تظهر. وإذا ظهرت، فإن الآلية المعتادة هي استعمال التوظيف البيروقراطي كمورد لضمان الولاء والذي يقوض المحفزات الفردية في النظام البيروقراطي. وفي حالات أخرى، فإن المنتفعين الثيوقراطيين والذين تم انتقاءهم بعناية من قبل آل سعود قاموا ببناء 'جزر من الكفاءة' في خضم جهاز الدولة السعودية تتمتع بأنظمة توظيف وحوافز مستقلة عن بعضها، وتصدر في بعض الأحيان تعليمات صريحة بتجاوز البيروقراطية في باقي جهاز الدولة.'وبخلاف ما تمت مناقشته في السابق، فقد وجدت أن وجود أو غياب نظام ضرائبي على المستوى الوطني له أثر ضئيل على سلطات الدولة التنظيمية.
إن السعي وراء الربح والفساد الذي تتنبأ به الأدبيات يحدث بالفعل في السعودية، حيث يتضاعف حجم بعض المؤسسات وكأنها مصالح ومحسوبيات خاصة لبعض اللاعبين المؤثرين في النظام. يتفاوت حجم الفساد كثيراً بين مؤسسة وأخرى، ومع ذلك فإن هذا لا يعد السبب الرئيس للنتائج المتواضعة للسياسات الرسمية، بل إنه يتصل أكثر بتشظي الدولة وبزخم المنتفعين داخل بيروقراطية الدولة.'إن ما أطلق عليه أنا 'الانتفاع المقسم'- وهو نظام غير متجانس وغير رسمي مبني على الانتفاع من الريع الذي تهيمن عليه العلاقات الرأسية-'يسمح بالتحليل الدقيق أكثر مما تسمح به نظريات الدولة الريعية. إنه يعطينا الفرصة لنفهم في أي جزء منها تكون الظاهرة الريعية قابلة للتطبيق وفي أي جزء آخر لا يمكن تطبيقها، إضافة إلى فهم علاقات السلطة التي تحددها.
'
' منشورات مطبعة جامعة كورنل الامريكية
عام 2011
' لعنة الموارد: مصطلح اقتصادي حديث نسبيا (ثمانينات وتسعينات القرن الماضي) يشير الى التناقض المتمثل في اقتران وفرة الموارد الطبيعية (خاصة تلك غير المتجددة والقابلة للنفاد كالنفط والغاز والماس والرواسب المعدنية..الخ) في بلد ما بضعف مزمن في مستويات النمو، بل وفي كامل عملية التنمية الاقتصادية.
فقد لوحظ، وعلى امتداد سنوات لسنوات طويلة، ان متوسط النمو ومستوى تطور اقتصادات بلدان تتمتع بوفرة من المصادر الطبيعية المستغلة يكونان اقل عموما مما هو الحال في بلدان لا تتمتع بهذه الوفرة.
ومع ان هناك معارضة لهذه النظرية من اقتصاديين كثيرين، الا انها تظل صالحة لتفسير ولو جزئي لما يحدث في كثير من البلدان المعتمدة على عائدات الموارد الطبيعية التي تمتلكها، بما في ذلك التشوهات الملحوظة في اقتصاداتها.
الاقتصاديون المؤيدون لنظرية 'لعنة الموارد' يرجعون ضعف النمو او التشوه الاقتصادي، الملحوظان بالبلدان التي اصابتها هذه اللعنة، الى اسباب عديدة بضمنها ضعف تنافسية بقية القطاعات الاقتصادية غير المعتمدة على الموارد الطبيعية نتيجة ارتفاع سعر صرف عملات البلد المعني، وعدم استقرار قيمة عائدات تصدير قطاع الموارد الطبيعية (النفط مثلا)، وسوء وفساد نظم الحكم والادارة، وما يوفره ذلك من امكانيات للنهب المنظم والرشوة وشراء الولاءات.. الخ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.