يقدّر المعهد العالي للدراسات الدولية في جنيف كميات الأسلحة الصغيرة في اليمن بحوالي «7» ملايين و«300» ألف قطعة، بواقع «25» قطعة سلاح لكل «100» مواطن؛ بما يجعل اليمن بمصاف البلدان الأوسع انتشاراً للأسلحة. وبحسب الواقع الماثل للعيان، فإن بوابة مجلس النواب اليمني هي المكان الأسوأ في اليمن بعد أسواق السلاح الذي تتجسد فيه مظاهر التسلح، وهو أيضاً الموضع الأول على مستوى الجمهورية في ظاهرة المرافقين المسلحين الذين كانوا قديماً يطلق عليهم اسم «العكفة». وطبقاً لجداول عمل مجلس النواب للأعوام الخمسة الماضية، فإن قضية انتشار السلاح في اليمن لم تدرج على جداول الأعمال سوى «3» مرات، ولكن مرة واحدة فقط هي التي طرح الموضوع على المسامع وليس للنقاش وهو في العام الجاري بعد خروج مظاهرات منددة بالسلاح عقب حادثة اختطاف السياح الإيطاليين. من جهة أخرى فإن وثائق مجلس النواب تؤكد أن رئاسة مجلس الوزراء أحالت قبل خمسة أعوام قانون تنظيم حمل وحيازة الأسلحة إلى مجلس النواب للمصادقة عليه، باعتباره قانوناً أكثر تطوراً وتلبية لظروف اليمن من القانون الصادر عام 1992م، حيث إنه يخول أجهزة وزارة الداخلية صلاحيات المحاسبة للأفراد والتجار على حد سواء، ويفرض عقوبات مشددة على تداول الأسلحة غير المشروع، إلا أن مشروعة هذا القانون ذهب أدراج أرشيف الحفظ، ولم ير النور منذ أن دخل البرلمان. ومن واقع ما رصدته وسائل الإعلام اليمنية فإنه منذ عام 2003م وحتى اليوم خرجت في العاصمة صنعاء وحدها ما يزيد عن «12» تظاهرة كبرى قدمت رسائل لمجلس النواب تطالبه بالمصادقة على مشروع قانون تنظيم حمل وحيازة الأسلحة، ولكن لم يتم التجاوب مع أية رسالة مرفوعة، وبغض النظر عن المسيرات والتظاهرات المماثلة في بقية المحافظات.. والحقيقة الأكبر في هذه التظاهرات أنها لم تشهد مشاركة أحزاب المعارضة اليمنية ولا المنظمات المرتبطة بها. من خلال كل ما تقدم بإمكان القارئ استخلاص من الحقائق التالية: أولاً: أن أعضاء مجلس النواب مع بعض الاستثناءات ترجموا المظهر الحضاري الأسوأ في اليمن من خلال حشد المسلحين أمام المجلس، والتحرك بمواكب مدججة بالسلاح، وهذا يعكس طبيعة تركيب الكتل البرلمانية بأن الكثير منها صعد إلى البرلمان على خلفية عصبيات قبلية أو حزبية وليس على أساس الكفاءة والصلاح. ثانياً: عدم إدراج مشروع القانون الجديد على جداول عمل الدورات البرلمانية يترجم حالتين، الأولى هي وجود عملية احتكارية لمفردات الجداول محصورة بيد جهة معينة «الاحتمال الأكبر رئاسة المجلس» والحالة الثانية هي ضعف دور كتلة الحزب الحاكم في تمثيل البرامج الوطنية التي تعتمدها الحكومة، بما يشير إلى وجود حالة انفصام في آليات التنسيق بين الهيئة الوزارية والهيئة البرلمانية للمؤتمر الشعبي العام، بدليل إخفاق الحكومة في الاستفادة من الأغلبية البرلمانية الساحقة في بلوغ البرامج الوطنية التي تخدم الصالح العام. ثالثاً: إن عدم استجابة مجلس النواب للمطالب الشعبية الملحة والتي تتخذ طابعاً واسعاً في الوقت الذي يولي جل اهتمامه لمطالب أفراد أو مجموعات صغيرة تلجأ إليه، يمثل مؤشراً على أن المجلس يعطي الأولوية للمصالح الحزبية وليست الوطنية العامة، لأن الحماس الذي أبداه المجلس في مناقشة قضايا تقدمها نقابات مهنية «تابعة لأحزاب» وكذلك أفراد «مثل قضايا بعض الصحافيين، أو بعض النواب» يؤكد حقيقة التعصب الحزبي للبرلمان على حساب الولاء الوطني. كما أن مثل هذه الحالة تكشف أن الخلل الأساسي يكمن في مستوى الثقافة التي يحملها النواب، ومستوى تمثيلهم للإرادة الجماهيرية الناخبة التي كانت سبباً في وصولهم إلى المجلس. رابعاً: إن غياب أحزاب اللقاء المشترك عن جميع الفعاليات المنددة بالسلاح والمطالبة بإقرار المشروع الجديد يوجّه لها أصابع الاتهام بالاستفادة من ظاهرة انتشار السلاح وتجارته، كما يجدد التأكيد على كونها «معارضة لأجل المعارضة» وهي تقف بوجه قانون السلاح لمجرد أنه مقدم من قبل الحكومة، ولمجرد أن بعض قياداتها معروفون بأنهم من أكبر تجار السلاح في اليمن. وأخيراً ألفت الانتباه إلى أنه من غير مصلحة اليمن توظيف حادثة قتل اثنين من رجال الأمن باتجاه معين، فالحادثة هي نتاج ثقافة سلبية عامة.. وفي تقديري أن أول الملامين هم نواب الحزب الحاكم الذين عجزت أغلبيتهم البرلمانية على انتزاع قانون السلاح من الأدراج وفرضه على الجميع كمطلب وطني رغم أنف القوى الانتهازية مهما كانت مسمياتها!!