لا يمر يوم على اليمن من غير أن يسقط أحد اليمنيين صريعاً أو مصاباً برصاصة أو شظايا قنبلة ورغم كل التشدد الأمني في نقاط التفتيش إلا أن السلاح مازال يفرض نفسه على الجميع ! الحملة الأمنية لحظر السلاح في المدن أفرزت ظاهرة أخلاقية غريبة تستحق لفت النظر فعندما يصل أحد المغرمين بحمل السلاح، ممن لا يشعر بأنه «رجل» إلا إذا علق السلاح على كتفه ، فإن إحدى حالتين ستشهدها تلك النقطة : إما أن يفضل المسلح العودة أو استخدام السلاح ضد رجال الأمن ، فيردون عليه بالمثل. الظاهرة الغريبة هي إذا قتل أو أصيب رجل أمن فإن الجميع يتعامل مع الحدث كأمر عابر، وخبر عادي ، لكن لو كان القتيل أو المصاب المسلح نفسه فإن الدنيا ستقوم ولن تقعد مرة أخرى ، وستتحرك أحزاب المعارضة لتقود القبائل في موكب ثأر ترى أوله ولا ترى آخره ناهيك عن وسائل إعلامها التي ستتطوع لإشعال «مكاريب» الفتنة طلباً للانتقام ! وهنا يأتي التساؤل : هل رجل الأمن في الحسابات الحزبية يتمتع بحقوق المواطنة أم لا يستحقها !؟ وإذا لم يكن يستحق المواطنة، فهل تعتزم هذه الأحزاب إذا شاءت الاقدار واستلمت الحكم في اليمن ، حل أجهزة الأمن والجيش على غرار ما فعلت قوات الاحتلال الأمريكي في العراق ؟! ثم إذا حلتها، هل ستسمح لها بتشكيل جمعية للعاطلين عن العمل، والتظاهر في الشوارع، ورجم «حرسها الثوري» بالحجارة كما يحدث الآن !؟ بتقديري ان نجوم السماء أقرب لأي راغب في التظاهر ضد «سلطات» المعارضة لأنهم اليوم، ومازالوا أحزاباً صغيرة ما إن يقرؤا مقالاً ينتقدهم حتى ينهالوا على كاتبه بالسباب والشتام واتهامه بالصهيونية والعمالة، بل ونكران جنسيته، وحتى ديانته الإسلامية كما جرت العادة في الرد على مقالاتي. إذن مسألة حظر السلاح ليست قضية بمسئولية الأجهزة الأمنية وحسب، وإنما هي قضية ثقافة معشعشة في رؤوس صناع الرأي الذين يمنحون حاملي السلاح قوة معنوية من المناصرة والتشجيع ومن التهم الجاهزة لأي مفرزة أمنية تحاول تطبيق القانون وحماية السلم الاجتماعي. وإذا ما علمنا أن مجلس النواب مازال متردداً في المصادقة على قانون تنظيم حمل وحيازة السلاح ومن قبل كان معارضاً له، فإن من الطبيعي ان تبقى النظرة للسلاح محفوفة بشيء من الوقار البرلماني، والسلوك الحضاري فبعض الاخوة البرلمانيين لا يشعر بنفسه بأنه عضو برلمان إلا إذا رأى أفراد «العكفة» يحيطونه من كل جانب شريطة أن يكون شعرهم أشعث ليوحي مظهرهم ب«الهمجية» والقدرة على ارتكاب أي فعل متوحش!! أتمنى لو يسأل البرلمانيون وكذلك الأحزاب أنفسهم : أليس أعداد ضحايا السلاح بكافٍ لحد الآن، أم ننتظر المزيد من القتلى حتى نعرف أن الله حق !!