بما أن الغالبية العظمى من الشعب اليمني موزعون بين أميين، ويقرأون ويكتبون، ومتعلمين بمستويات متفاوته، فإن على صناع القرار الحكومي مخاطبتهم باللغة التي يفهمونها والثقافة التي يعقلونها. فالناس لا تكترث لمصطلح «مصفوفة إصلاحات»، بل يهمهم جداً أن يتحدث المسئول عن نتائج السياسات التي حملتها تلك «المصفوفة» .. ويهمهم أن يطل عليهم وزير التجارة والصناعة ليس ليقول لهم إن وزارته بصدد ضبط المخالفين للتسعيرة، أو تم ضبطهم، بل ليقول لهم إن سعر الرغيف تراجع، ووزن الرغيف ازداد .. وإن القمح والسكر والزيت وغير ذلك يملأ مخازن الدولة وليس مخازن التجار، لأن المواطن يثق بالدولة أكثر من التجار باعتبارها جهة سيادية تمتلك قانوناً. تعودت أقلامنا أن تحدث المواطن عن الإصلاحات الحكومية وتزرع الآمال بقلوبهم بأن الخير قادم لا محالة.. ولم نكن نكذب على أحد لأننا على علم بكل الاتفاقات والمشاريع التي أبرمتها الدولة ويجرى تنفيذ بعضها، فيما البعض الآخر سينفذ قريباً .. كما نحن نعلم أن الإصلاحات الاقتصادية لا تثمر بين يوم وليلة وقد تحتاج إلى صبر أشهر أو حتى أعوام .. ونحن نعلم أيضاً أن ما كنا نتحدث عنه للقراء كنا نستوحيه من أرقام، ومؤشرات، وحقائق وليس شعارات وبيانات صحافية .. ولكننا أصبحنا عاجزين عن كل ذلك والمواطن يشهر بوجوهنا رغيف خبز بحجم أقل من لقمة وبثمن عشرة ريالات!! كيف نقنع المواطن بكل ما نكتبه حول الإصلاحات، وهو يحاججنا بأن الحكومة مشغولة بإصلاح أوضاع التجار، ورجال المال والأعمال، وان أول إنجازاتها بعد الانتخابات الرئاسية هو إعفاء التجار عن الضرائب الجمركية ومنحهم تسهيلات هائلة بينما أول شيء يجنيه المواطن هو غلاء الأسعار على نحو غير مسبوق .! لسنا هنا في مناكفة مع الحكومة أو مع التجار وإنما في مكاشفة صريحة لابد منها إذا ما أردنا كسب رهان المرحلة القادمة .. فالاخوة المسئولون يناقضون تصريحات بعضهم بعضاً حتى جعلونا في حالة من الحيرة .. وزير الصناعة يقول: ضبطنا مخالفين وأحلناهم للقضاء، ثم يخرج بعده بأسبوع النائب العام يُكِّذب تلك الأخبار ويؤكد عدم وصول شيء .. الحكومة تتوعد التجار ، وفي صباح اليوم الثاني يطل علينا التجار بأزمة جديدة، فيعودان إلى تشكيل اللجان والمفاوضات التي يكسبها التاجر في النهاية فيفرض السعر الذي يريد، والوزن الذي يرجوه، فيما المواطن يسلم أمره لله !! لماذا تسلل لنا القلق باختلاط الأوراق وبوجود ارتباك حكومي .. ولماذا يرفض الاخوة الوزراء والمسئولون عقد مؤتمرات صحافية يوضحون لنا فيها حقيقة ما يجرى ويجيبون على تساؤلات الشارع !؟ لأننا واثقون أن الصحافة هي رسول الشارع ورسول المسئول في وقت واحد، وإذا ما انقطع جسر الوصل بينهما هناك قوى كثيرة متربصة بالشارع وتسعى لتضليله ونقل المعركة إلى غير ميدانها الحقيقي ! إذا كانت نقابات الأطباء والمعلمين والأسماك والموانئ والخطوط الجوية وغيرها تنفذ اعتصامات ومسيرات وغير ذلك وتنتزع العهود والامتيازات من جهات العمل فلابد أن نضع في اعتبارنا أن الغالبية العظمى من الشعب بلا نقابات أو اتحادات .. وهي تضع كل ثقتها بالدولة نفسها أن تنصفها وتمنحها حقوقها.. فأجرة عامل البناء لم ترتفع، وأجرة المزارع لم ترتفع ، وعشرات المهن لم تخضع للمضاربات الاقتصادية.. وهؤلاء كلهم هم القاعدة الشعبية الحقيقية للحكومة. كل ما نرجوه أن يلتفت صناع القرار إلى هذه النقطة ويباشرون التعامل معها لأن هناك غيرهم يستغلها لصالحه، ولخدمة شعاراته ومصالحه الضيقة .. وبات يروج إلى غير الحقيقة لأنه مطمئن أن الذين يمتلكون الحقيقة رافضون الإفصاح عنها.