وفي هذه الأيام المباركة من أيام الله.. ليتمعن كل منا في قوله تعالى «ويُحذّركم الله نفسه» في سورة آل عمران. وحين يحذرنا الله نفسه.. انما ينذرنا، ويؤكد لنا أنه طائلنا، وقادر علينا، مهما بلغنا من قوة، وعنفوان، واقتدار، ومهما كثفنا الحراسات المدججة بالاسلحة، والمدربة، ومهما تحصنّا في بيوتنا المحاطة بالأسوار، والمحاطة بالحراسات المتموقعة في ابراجها، ومهما كان لنا من المال والثراء والجاه والاقتدار على جلب أقدر اطباء العالم إلينا، أو ذهابنا إليهم، ومهما احتطنا لانفسنا، ومهما ومهما، ومهما.. عملنا.. فلا منجاة لنا من الله العزيز الحكيم.. فإليه راجعون، لنُحاسب ونُعاقب.. بل منا من يعجل له العذاب في الدنيا، ويؤجّل له مايشاء إلى يوم الحساب. تتبعوا تاريخ البشرية من آدم حتى يومنا هذا.. كم طغاة، وكم جبابرة، وكم أمم عاتية جرارة.. جميعهم اهلكوا بغمضة عين.. منهم بطوفان، ومنهم بريح صرصر، ومنهم بصيحة و.. و.. إلخ. ولنا مثل قوم نوح، وعاد، وثمود، وهامان، وفرعون، وغيرهم كل هؤلاء أعجبتهم الدنيا، وغرتهم.. فجاءتهم الرسل، والنذر فكذبوهم، وعصوا.. واعتصموا بقوتهم وملكهم فطغوا وتكبروا.. فلم يمهلهم الله، فطالهم بقوته، فصاروا هباء، وفي الحكايا والأخبار، ومثلهم ابرهة وجنوده الذي أرسل عليهم طيراً ابابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول.. أي كبقايا ماتأكل البهائم من العلف.. وذلك جزاء سريع لردهم عن بيت الله.. وحسابهم يوم الحساب حساب آخر. فيابني آدم.. الكثير منا يلهث وراء الدنيا وكأنه خالد فيها، وتنسيه الدنيا أنه ميت لامحالة فيسعى بجهده إلى المال والثراء ونعم الدنيا في المأكل والمسكن والمشرب والملبس وكل مايعتقد أنه محقق لجنته على الأرض.. فيظلم، ويسرق، ويرتشي، ويغش، وينقص في الوزن والكيل، ويستغل سلطته في نهب اموال واملاك المساكين والفقراء والضعفاء والأيتام ليضم ذلك إلى املاكه، ويزور، ويحتال، وينصب، لكي يستحوذ على الاملاك والأوقاف، ويتاجر بالمحرمات، ويحتكر ويرابي ويستغل ويغالي، ويبيع ويشتري بقضايا الناس ويعمر القصور، والعمارات الفارهة المحاطة بالحدائق والنافورات، والمفروشة بالأسَّرة والفرش الناعمة والأغطية والمزودة بكل ماأنتجته الحضارة العصرية، والمحاطة بالأسوار الحصينة العصية المنيعة ويقتني السيارات الباهظة الثمن، ويلبس ببذخ، ويأكل ويشرب ببذخ واسراف.. ثم يطغى ويتكبر على الأرض، وعلى السماء، وينسى أنه ميت مهما تعمر، وانه راجع إلى الله ليُحاسب ويُعاقب على كل ماسبق، «يوم لاينفع مال ولابنون إلا من أتى الله بقلب سليم». علينا أيها الأخوة أن نفكر مليا بأننا مهما جمعنا في هذه الدنيا فإننا تاركوه، ولن نخلد عليه .. وسوف نرحل إلى الآخرة دون أن نحمل من ملكنا الدنيوي الذي كوناه بالظلم والحرام والنهب قدر قلامة ظفر وكل ماسنحمل إلى آخرتنا ليس سوى الذنوب والآثام والظلم الذي استخدمناه في دنيانا، أي سنحمل إلى آخرتنا الويل والعذاب والجحيم على ظهورنا.. وذلك مايحذرنا الله منه حين «يحذرنا نفسه».. أي يحذرنا من اللهث وراء نعيم دنيوي زائل، بدلا من اللهث لنفوز بالنعيم الأبدي.