حالة مقتبسة من واقع العمل نهدف من ذكرها إثارة الحوار والنقاش بين القراء المتفاعلين مع قضايا الوطن وحول مظاهر وأسباب الفساد الإداري ومدى غياب النزاهة والشفافية وطرق المعالجة السليمة ومن أجل تكوين رؤية مشتركة لمعالجة مرض يؤرق كل صاحب قلب حي وحتى لا تألفه تلك القلوب ويصبح جزءاً من حياتها نناقش ونشارك لعل رأيي يكون به أثر ينفع الله به الأمة، ومن باب إشعال شمعة بدلاً من لعن الظلام. الحالة هي للسيد محمد سعيد الذي بدأ حياته الوظيفية عام 2000م بعد إكمال دراسته الجامعية وذلك في مكتب حكومي بدرجة رئيس قسم الشئون الإدارية، ولأنه كان مثالاً للجد والمثابرة مما دفع المدير العام أن أوصى بترشيحه الى درجة مدير إدارة بعد سنة من بدء تعيينه، وبقي في منصبه هذا لمدة ثلاث سنوات، ولكون السيد محمد سعيد طموحاً شعر أن فرصة تقدمه في هذا العمل الحكومي محدودة جداً لاعتبارات سياسية وقبلية وحيث أن عمه السيد علي أسعد سعيد رئيس مجلس إداة الشركة ولسمعة ونشاط محمد سعيد ولقناعة الشركاء بمقدرته فقد تم تعيينه مديراً عاماً للشركة في عام 2003م، وبدأ عمله كمدير عام للشركة بجد ومثابرة وكان يبدأ عمله في تمام الساعة الثامنة صباحاً ولا يخرج منها إلا بعد انتهاء الدوام وخروج كافة الموظفين والعاملين من الشركة، وكان يتابع كل صغيرة وكبيرة ابتداءً من الاستقبال وانتهاء بأدق التفاصيل فيما يتعلق بالإجراءات التنفيذية وكان يتظاهر بأنه صديق لكل الموظفين والعاملين ويؤمن بسياسة الباب المفتوح مما دفعه الى تطبيق كافة اللوائح والتعليمات وقرارات مجلس إدارة الشركة بدقة ومتابعة التنفيذ بحذافيره، ومتابعة نشاط وسلوك مدراء الأقسام المختلفة والعاملين بها والتدخل في تقويم أدائهم ومتابعة تنفيذ خطة وبرامج الشركة والسياسة التي يرسمها مجلس إدارتها مما دفعه الى إلزام حضور مدراء الأقسام والموظفين وتقيدهم بمواعيد العمل بدقة ومقابلة الموظفين والعاملين ومعالجة شكواهم من خلال سياسة الباب المفتوح، وكان يشرف على احتياجات الشركة الإدارية والفنية وفتح الباب للمراجعين من المواطنين طيلة أيام الأسبوع، ومن أجل أن يكون القدوة فقد طبق الالتزام بالمواعيد على نفسه بالإضافة الى تأخره لساعات إضافية بعد انتهاء أوقات الدوام من أجل الاشراف على كل صغيرة وكبيرة بالشركة وإلزام مدراء الأقسام والمعاونين بساعات عمل إضافية في ضوء ما تقدم كانت النتائج هي: تكدس الأعمال على مكتبه وتحويل مدراء الأقسام والمعاونين الكثير من أعمالهم اليه وعدم اتخاذ القرار المناسب بشأنها، وتحويل مكتبه الى صالة استقبال للعاملين بالشركة وسماع شكواهم ومطالبهم، وفي شهر أبريل من 2005م سقط السيد محمد سعيد صريع المرض نتيجة الإرهاق والتعب والقلق النفسي من الفشل في إدارة الشركة وتغيب كثيراً عن العمل بسبب المرض والإرهاق وحتى بعد معاودته العمل اضطر للتغيب يومين أو ثلاثة أيام في الأسبوع الى متابعة شئون الشركة في حالة غيابه من منزله بواسطة الهاتف، من هنا بدأ التذمر من عدة اتجاهات منها تعطل تنفيذ الأنشطة والأعمال بين الأقسام، وكثرة شكاوى المواطنين المتعاملين مع الشركة من الإجراءات الروتينية القاتلة لأعمال الشركة، وتذمر مجلس الإدارة من كثرة الشكاوى التي وصلت اليهم سواء من مدراء الأقسام أو من الموظفين أو من الناس المتعاملين مع الشركة وكثرة المخالفات المالية والقانونية في تنفيذ أعمال الشركة وأنشطتها. وقد وصل المد والجزر في موجات الفساد الإداري بالشركة الى الاحتكام الى الغرفة التجارية مما استوجب إرسال خبيرين من الغرفة للتدقيق في أعمال الشركة وأنشطتها المالية والقانونية الإدارية وهذه الحالة وضعت رئيس مجلس إدارة الشركة في موقف حرج (لاسيما وأنه عم السيد محمد سعيد وهو الذي سعى الى تعيينه مدير عام الشركة) بعد وصول الخبيرين الى الشركة اعتبر السيد محمد سعيد أن هذا الأمر هو طعنة له وعدم الثقة في إدارته بالرغم من حرصه الشديد وما قدمه للشركة من خدمات أرهقته واردته طريح الفراش ولكن الخبيرين المذكورين اخبراه بأنهما قد جاءا لمساعدته وليس التحقيق معه لأن رئيس الغرفة التجارية يحترمه لسمعته الطيبة السابقة في مجال العمل الحكومي وبعد مباشرة الخبيرين أعمال التدقيق والتحري في الشركة لمعرفة وتحديد حالات الفساد الإداري والمخالفات الإدارية والمالية والقانونية بالشركة توصلا الى: أن معدل الموظفين والعاملين الذين يراجعون مكتبه يومياً (20%) من المجموع ومعدل الخطابات الرسمية والحالات والمشاكل الإدارية والمالية التي تحال اليه من أقسام الشركة والمعاونين (80%) من حجم العمل، وأكثر المخالفات والقرارات تحال الى مكتبه، ومعدل الساعات التي يقضيها في مكتبه يومياً (10) ساعات بالإضافة الى ثلاث أو أربع ساعات أخرى ليلاً في منزله. وأما فيما يتعلق بإدارة وقته فإنه يقسمه: أربع ساعات للمقابلات وحسم المشاكل، ساعتان متنقلاً بين الأقسام، ثلاث ساعات لانجاز المعاملات واتخاذ القرارات، ساعة للتلفونات، أما الساعات الإضافية فإنها مخصصة: للاجتماعات والالتقاء بالشخصيات الهامة بالدولة والشركات الأخرى واصطحاب ملفات الحالات والمشاكل الهامة في منزله. المطلوب:دراسة حالة محمد سعيد وتحديد مظاهر الفساد الإداري بالشركة التي يديرها، تحديد نموذج محمد سعيد وأنه من أي نوع من المدراء وماهو أسلوب إدارته وماهي جوانب الخلل والقصور بهذا الأسلوب، ماهية جوانب الاختلاف والتشابه في العمل الإداري بين الشركات وأعمال الحكومة، كيف يمكن تحقيق الإبداع في القيادة من خلال التوفيق بين الولاء العائلي والكفاءة الإدارية. فما هو رأيكم؟ وماهي الإجابة التي يمكن أن يستفيد منها الباحث ليقدمها في دراسة متأنية متكاملة لكل المعنيين في مكافحة الفساد؟ ومن باب إسقاط الواجب وحتى لا نكون مقصرين عن أداء فرض أوجبه الله علينا أوسطه النهي باللسان والتعبير عنه بالكتابة وبالقلب الضعيف والمؤمن القوي هو الأحب الى الله. ** عميد كلية الحقوق-جامعة تعز..