حسب صحيفة "البلاغ" الصادرة يوم الثلاثاء الماضي الموافق 6 فبراير قدم في الأسبوع الماضي إلى فخامة رئيس الجمهورية بعض الآباء العلماء الأجلاء تصوراً لمعالجة الأحداث المشتعلة في صعدة.. وتصور حل المشكلة، الأزمة، المواجهة يخلق مشكلة، أزمة، مواجهة جديدة، وكأن رائدهم القول: وداوِ صعدة بالتي كانت هي الداء.. لا نرمي بهذا الإشارة إلى تعاطف منهم تجاه الحوثي فسّره بعض المتابعين هكذا.. فهم في كل الأحوال يحرصون على حقن الدماء من كل جانب "أبناء قواتنا المسلحة وأنصار الحوثي". إلا أن بعض بنود مقترح الحل، وهي تصب في صالح المذهب الزيدي المعتدل، ألمحت إلى توجه ما يعادي مذهباً لصالح مذهب آخر.. وسواءٌ صح الادعاء بوجود هذا التوجه أم لم يصح، فإنه أسلوب خاطئ وخطير؛ لكن الأخطر هو المناداة بحرية التفكير والتعددية واشتراط عدم ممارستها في ذات الوقت.. تمثل هذا في المطالبة الصريحة بالحد من نشاط فكري معين وإغلاق مراكز دينية غير مسلحة «حتى الآن على الأقل» بحجة إثارته واستفزازه لنشاط مختلف عنه مذهبياً.. وإعلان الرغبة في الحد من انتشاره لصالح نشر مذهب آخر في موقع معين. الأشد خطورة في هذا كله.. أن في هذا التوقيت الذي تظهر فيه على ساحة الصراعات السياسية الإقليمية والنعرات الطائفية والمذهبية بتدخل خارجي، يلجأ بعض من اليمنيين الأرق قلوباً والألين أفئدة، أهل الحكمة والإيمان إلى هذا النوع من الفرز والتمييز «وهابي، سني، شافعي، زيدي، شيعي، إثنا عشري، صفوي، إسماعيلي.. إلخ» بدلاً عن ترسيخ وحدة تتجسد في اتفاق عام حول أصول الإسلام، ونبذ الاختلاف حول فروعه، وتشتيت الذهن بين قول هذا واعتقاد ذاك: أجاز الشافعي فعال شيء وقال أبو حنيفة: لا يجوز فضل الشيب والشبان منا وما اهتدت الفتاة ولا العجوز "المعري" وحقاً: كلٌ يغني على ليلاه، إذ طولب في الرسالة الموجهة لصاحب الفخامة الرئيس من أصحاب الفضيلة العلماء - حلاً للمشكلة بمشكلة جديدة عن غير قصد بكل تأكيد - إنشاء جامعة مذهبية كجامعة مذهبية أخرى على حد تمييزهم، وذلك عائد لكون بين العلماء عالم مذهبي أكاديمي «...». يدعو للاستغراب اشتراط العلماء "عودة مجاميع الحوثي إلى قراهم خلال شهرين من نهاية سحب قوات الجيش إلى المواقع السابقة".. "ومنع استحداث أي مواقع عسكرية لقوات الجيش" فيما الحاجة ملحة لذلك، وللدولة ذات السلطات المتعددة نشر قواتها واستحداث أي مواقع في الوقت الذي ترى وإن تأخرا.. ومن الأولى به أن يعود وينسحب قبل الآخر الجيش أم الحوثيون؟!. سلامة نية العلماء، الذين لم ينفوا ارتباطهم بالرسالة في صحيفة «الثورة» ليوم 12 فبراير، نتوقعها بل نجزم بها، لكنها بهكذا تصور لا تحل شيئاً، ومع الأسف تساوي بين الدولة وبين متمرد عليها. وهذا يستدعي التذكير، وأملنا التفكير جدياً ودائماً في ألا فرد ولا جماعة ولا مذهب ولا حزب ولا جيش ولا قبيلة أكبر من الدولة - الوطن، الدولة - الوطن الذي يتكون من هذه العناصر مجتمعة، ومتى ما كان أحد العناصر أياً كان نسبه عبئاً على الكل يستبعد، ويُستأصل مهما طال الأجل ودالت الدول، والدهر آت بأفضل منه. وليسود الحرص على تفعيل دور مؤسسات الدولة في كل مجال لئلا تتفاقم مثل هذه الأزمات، ولا تعالج بمسكنات موقتة أو أزمات أخرى. ولتكن حماية الدين بأصوله هماً جامعاً للمؤمنين بدلاً عن حماية المذهب وفروعه، والدفاع عن الدولة - الوطن كله هدفاً مشتركاً للمواطنين بدلاً من الدفاع عن منطقة واحدة وإهمال غيرها. ولئن كان العنف هو ما أشعل فتيل الأحداث الأخيرة فلا سبيل إلاه لحسمها، فالدواء أحياناً يكون... بالداء.. مع التقدير والإجلال للآباء العلماء. [email protected]