منذ سنين مضت وأنا أسمع الشكوى المرة من معظم المكاتب التنفيذية حول عدم كفاية وتغطية الاعتمادات في موازناتها الخاصة ب«التشغيل»، أي نفقات تسيير أعمالها.. كالقرطاسية وبدلات السفر وبدل الإضافي والنثريات وبدل دفن للموتى وبدل محروقات وزيوت محركات وصيانة وخدمة لوسائل نقل المكاتب، وما إلى ذلك. وفي كل سنة تبذل المكاتب جهوداً مضنية ونفقات سخية لإعداد الموازنة السنوية على أمل أن تُعتمد الموازنات المرفوعة حسب الوعود التي تُعطى للمكاتب.. لكن تبدد الأمل، والوعود تذهب أدراج الرياح، وتعتمد الموازنة المعروفة كل سنة دون زيادة تذكر.. الأمر الذي يكلف كثيراً في نقص القدرة على الإنجاز، والعجز عن إنجاز الكثير من المهام المناطة بالمكاتب للعجز في الإمكانات، وعدم كفاية نفقات التشغيل، كما أن وضع موازنات سنوية يكلف المكاتب الكثير والكثير دون أن تعتمد.. لأن الذي يعتمد نفس الموازنة السابقة، وبالإمكان أن تعفى المكاتب من وضع موازنات سنوية ما دامت الموازنة المعتمدة هي الموازنة التي رفعت في السنين السابقة، وبالتالي فإن مطالبة المكاتب بموازنات سنوية يعتبر نوعاً من العبث وضياع الوقت والمال على هذه الموازنات.. وهو أمر يتكرر حسب معرفتي لعدة سنين ترفع موازنات جديدة وفي الأخير تعتمد الموازنة السابقة نفسها، ولا ينظر إلى الموازنة الجديدة.. لذا فإن مشاكل المكاتب التنفيذية تظل كما هي قائمة، بل إنها تتفاقم نتيجة لتوسع وتطور أعمال ومهام المكاتب بينما الموازنة التشغيلية تظل كما هي عليه لا تزيد ولا تتطور. من خلال المعايشة.. لا أخفيكم أن هناك بعض المكاتب تسير عملها بدعم المعاملين والمستفيدين منها، واحد عنده معاملة يطلب منه طب ورق، وآخر يطلب منه طب ورق تصوير، وثالث يطلب منه تصوير إرساليات، أو تعاميم، أو شراء ملفات أو مسامير دباسة، أو شراء خرامة ومسطرة.. وعند احتياجها لإنزال فريق أو موظف في مهمة يتم فرضه على صاحب المصلحة لتوفير المواصلات وبدل السفر، وهكذا تمشي بعض المكاتب أعمالها.. كما تعمل أيضاً بعض المدارس التي تعاقب الغياب والمتأخرين والمخالفين بتوفير طلبات معينة مثل «مكانس رنج ورق حبر إصلاح كراسي، أو سلال للقمامة، أو منظفات للمرافق الصحية و.. و.. إلخ». والأنكأ والأكثر إيلاماً حين تفرض مثل هذه العقوبات لا يكون فيها تمييز بين من هو قادر ومن هو غير قادر.. بل إن هناك من يشكو من مدارس تقوم بفرض عقوبات نقدية على الطلاب، وعليه أن يدفع وهو صاغر.. والمبرر أن المدارس لا توجد لها موازنات تشغيل فتضطر لذلك، حتى المياه للمرافق الصحية توفر من خلال العقوبات وذلك حتى يأتي دور الحي الذي تقع فيه المدرسة في جدول توزيع الماء ما لم فيتم شراء «وايتات ماء» أيضاً تحت مبرر أن الرسوم المدرسية لا تكفي. إن مثل هذه الأوضاع تنعكس سلباً على المجتمع وعلى المؤسسات والمكاتب التنفيذية ويجب أن تواجه بحلول باتة بحيث لا تبقى كمبررات وحجج لتدني مستوى الأداء وبطئه وقصوره ونقص جودته، وكي لا تبقى وسيلة ومدخلاً لابتزاز الناس، وقد تستخدم هذه الحجج لعرقلة وإعاقة معاملات المستفيدين.