سفيرٌ يمنيٌّ وطنه الحقيقي بطاقة حزبه.. تحويل السفارة من ممثل للدولة إلى مكتبٍ حزبي    تصفيات كأس العالم 2026 - أوروبا: سويسرا تتأهل منطقيا    الجاوي ينتقد إجراءات سلطة صنعاء في التعاطي مع التهديدات التي تواجهها    الشهيد أحمد الكبسي .. وعدُ الإيمان ووصيةُ الخلود    فراغ ، حياة وتجربة ناصرية    حلف قبائل حضرموت يصطدم بالانتقالي ويحذر من غزو المحافظة    قراءة تحليلية لنص "في المرقص" ل"أحمد سيف حاشد"    أمن مأرب يحبط مخططاً حوثياً جديداً ويعرض غداً اعترافات لأفراد الخلية    في رحلة البحث عن المياه.. وفاة طفل غرقا في إب    مُحَمَّدَنا الغُماري .. قصيدة جديدة للشاعر المبدع "بسام شائع"    الدفتيريا تغلق مدارس في محافظة شبوة    الدفتيريا تغلق مدارس في محافظة شبوة    أدميرال أمريكي: معركة البحر الأحمر كشفت هشاشة الدفاعات الأمريكية والإسرائيلية    وقفة مسلحة لأحفاد بلال في الجوف وفاءً للشهداء وإعلانا للجهوزية    تجربتي في ترجمة كتاب "فضاء لا يتسع لطائر" ل"أحمد سيف حاشد"    رئيس الوزراء بيدق في رقعة الشطرنج الأزمية    حكم قرقوش: لجنة حادثة العرقوب تعاقب المسافرين ومدن أبين وتُفلت الشركات المهملة    الرئيس الزُبيدي يُعزّي العميد الركن عبدالكريم الصولاني في وفاة ابن أخيه    حلف الهضبة.. مشروع إسقاط حضرموت الساحل لصالح قوى خارجية(توثيق)    سعر برميل النفط الكويتي يرتفع 1.20 دولار ليبلغ 56.53 دولار    إعلان الفائزين بجائزة السلطان قابوس للفنون والآداب    اكتشاف 570 مستوطنة قديمة في شمال غرب الصين    خطورة القرار الاممي الذي قامت الصين وروسيا باجهاضه امس    الأمم المتحدة: إسرائيل شيدت جداراً يتخطى الحدود اللبنانية    شبوة أرض الحضارات: الفراعنة من أصبعون.. وأهراماتهم في شرقها    هيئة مكافحة الفساد تتسلم إقراري رئيس الهيئة العامة للاستثمار ومحافظ محافظة صنعاء    اختتام بطولة 30 نوفمبر لالتقاط الأوتاد على كأس الشهيد الغماري بصنعاء    أمن العاصمة عدن يلقي القبض على 5 متهمين بحوزتهم حشيش وحبوب مخدرة    بوادر تمرد في حضرموت على قرار الرئاسي بإغلاق ميناء الشحر    انتشال أكبر سفينة غارقة في حوض ميناء الإصطياد السمكي بعدن    يوم ترفيهي لأبناء وأسر الشهداء في البيضاء    وسط فوضى عارمة.. مقتل عريس في إب بظروف غامضة    دائرة التوجيه المعنوي تكرم أسر شهدائها وتنظم زيارات لأضرحة الشهداء    مجلس الأمن يؤكد التزامه بوحدة اليمن ويمدد العقوبات على الحوثيين ومهمة الخبراء    خطر المهاجرين غير الشرعيين يتصاعد في شبوة    وزارة الأوقاف تعلن عن تفعيل المنصة الالكترونية لخدمة الحجاج    مدير مكتب الشباب والرياضة بتعز يطلع على سير مشروع تعشيب ملاعب نادي الصقر    "الشعبية": العدو الصهيوني يستخدم الشتاء "سلاح إبادة" بغزة    الأرصاد: أجواء باردة إلى شديدة البرودة على المرتفعات    بيريز يقرر الرحيل عن ريال مدريد    تنظيم دخول الجماهير لمباراة الشعلة ووحدة عدن    فريق DR7 يُتوّج بطلاً ل Kings Cup MENA في نهائي مثير بموسم الرياض    معهد أسترالي: بسبب الحرب على اليمن.. جيل كامل لا يستطيع القراءة والكتابة    ضبط وكشف 293 جريمة سرقة و78 جريمة مجهولة    وديا: السعودية تهزم كوت ديفوار    توخيل: نجوم انكلترا يضعون الفريق فوق الأسماء    محافظ عدن يكرّم الأديب محمد ناصر شراء بدرع الوفاء والإبداع    المقالح: من يحكم باسم الله لا يولي الشعب أي اعتبار    الصين تعلن اكتشاف أكبر منجم ذهب في تاريخها    نمو إنتاج المصانع ومبيعات التجزئة في الصين بأضعف وتيرة منذ أكثر من عام    الإمام الشيخ محمد الغزالي: "الإسلام دين نظيف في أمه وسخة"    الحديدة.. مليشيا الحوثي تقطع الكهرباء عن السكان وتطالبهم بدفع متأخرات 10 أعوام    وداعاً للتسوس.. علماء يكتشفون طريقة لإعادة نمو مينا الأسنان    عدن.. انقطاعات الكهرباء تتجاوز 15 ساعة وصهاريج الوقود محتجزة في أبين    جراح مصري يدهش العالم بأول عملية من نوعها في تاريخ الطب الحديث    اليونيسيف: إسرائيل تمنع وصول اللقاحات وحليب الأطفال الى غزة    قيمة الجواسيس والعملاء وعقوبتهم في قوانين الأرض والسماء    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



2013.. موازنة تشجع على استمرار الفساد وتوسعه
نشر في الأهالي نت يوم 03 - 01 - 2013

كانت هناك فرصة لوزير المالية لتطبيق ما كان يناقشه عندما كان عضو لجنة النفط في مجلس النواب ورئيس "منظمة برلمانيون ضد الفساد" ويعكس تلك الأفكار في موازنة عام 2013م.. ولكن الوزير فضل المهادنة والتسامح مع الفاسدين وكبار القوم والشركات النفطية الداخلية والخارجية..
لم أنتقد حكومة الوفاق خلال العام 2012م، لأني أعتقد أنه يجب أن يتاح للوزراء عام كامل حتى يتم محاسبتهم بعد ذلك على الأعمال والسياسات التي يقومون بها، ومن ثم بعد مرور سنة على تولي الوزير لعمله فإن محاسبته تصبح واجبة على الجميع، وإن انتقاد سياسة الوزير لا يعني اتهامه، وإنما يعني لفت نظره للأخطاء في وزارته لكي يعالجها.
الموازنة تعرف بأنها أرقام تقديرية لفترة زمنية مقبلة، وتسمى في بعض الأحيان الموازنة التقديرية، وعادة ما تعد لأهداف رقابية وتخطيطية، فهي تساعد على التنبؤ بالأحداث الاقتصادية المستقبلية وعلى ضبط النفقات ومراقبة الإيرادات. وبتعبير آخر، الموازنة تعتبر الأداة الأولى للتخطيط والمتابعة وتقييم الأداء باعتبارها تمثل تقديراً منظماً لما سوف تكون عليه أوضاع النشاط الكمية والمالية والزمنية في فترة مقبلة من الزمن في ضوء الأهداف المحددة والظروف المحيطة. وإن ظهور تطورات اقتصادية منذ نهاية ثلاثينات القرن الماضي في الفكر الاقتصادي، ابتداء بالفكر الاقتصادي الكنزي، وسياسة التدخل الاقتصادي، وتحول الدولة من الدولة الحارسة إلى الدولة الراعية، أدى إلى تغيير في مفهوم موازنة الدولة واتخاذها أداة للتدخل الاقتصادي والابتعاد عن القواعد التقليدية (الكلاسيكية) وضرورة استخدام الوسائل المالية (الإيرادات، النفقات، والقروض) لتحقيق الاستخدام الكامل (للقضاء على البطالة، والمحافظة على استقرار الأسعار، وتحقيق النمو الاقتصادي، ومن ثم الرخاء الاقتصادي والاجتماعي).
ولقد رافق فترة التدخل الاقتصادي منذ انتهاء الأزمة الاقتصادية العالمية حتى أواخر السبعينات ظهور الآراء التي تعرف بالآراء الكلاسيكية الجديدة، وسياسة الحد من عجز الموازنة والتقليل من الإنفاق الحكومي وتحديث قواعد وأسس التخطيط المالي والاقتصادي ومنها بصورة أساسية موازنة الدولة السنوية بهدف زيادة كفاية استخدام المخصصات المالية المعتمدة من قبل الدولة، وترشيد إنفاقها، والحد من التضخم الاقتصادي وزيادة المنفعة من النفقة، وكان نتاج ذلك الاهتداء إلى أسس وقواعد جديدة في تخطيط موازنة الدولة منها، موازنة البرامج والأداء، وموازنة التخطيط، وموازنة البرمجة والموازنة الصفرية وأخيراً الموازنة التعاقدية. إلا إن وزارة المالية في بلادنا لا زالت تعتمد على القواعد التقليدية (الكلاسيكية) في تخطيط، وإعداد، وتنفيذ موازنة الدولة، والرقابة عليها، والتي كانت سائدة في فترة ما قبل ثلاثينات القرن الماضي، وكانت تسمى هذه القواعد في الفكر الاقتصادي المالي الغربي بالقواعد الإدارية أو (الموازنة الإدارية) التي يعتمد في إعدادها الأخذ بعين الاعتبار نفقات السنوات السابقة ومعدل الصرف في السنة المالية التي يجري فيها إعداد الموازنة للسنة اللاحقة، ومن ثم خبرة الأجهزة المحاسبية في تحديث متطلبات موازنتها الجزئية للسنة اللاحقة. ولاشك أن مشروع موازنة الدولة يحظى باهتمام كبير جداً من قبل أحزاب السلطة التنفيذية، والأحزاب المعارضة لها، والمحللين الاقتصاديين وذلك لما لهذا البرنامج الاقتصادي الحكومي السنوي الكبير من أهمية وتأثيرات اجتماعية كبيرة جداً على المجتمع اليمني وأهدافه وآماله الاقتصادية والتنموية.
لم أعلق على موازنة عام 2012م رغم ما يوجد بها من أخطاء، لأن وزير المالية عين في نهاية عام 2011م وقد لا يتيح له الوقت أن يدخل أفكاره وسياسته في إصلاح المالية العامة على الرغم أنه رفع حجم النفقات في الموازنة بنسبة 39% عن عام 2011م, لكن مع الأسف الشديد تحايل عند التنفيذ فحتى شهر نوفمبر لم ينفذ كثيراً من المشاريع الاستثمارية المرصودة في الموازنة، وهذا يعني أنه استمر في تنفيذ السياسية المالية كما كانت في السابق، فما هو الجديد في موازنة 2013م الذي يمكن أن يرصده المحلل المالي؟ هل وزير المالية الآتي من المعارضة نفذ أهداف الثورة؟ هل قدم شيئا جديدا للوطن؟ هل قدم نظرة جديدة في إصلاح المالية العامة؟ هل قام بالحد من الفساد ومن الإنفاق البذخي؟ وهنا ينبغي أن نتساءل إذن لماذا هذه السرية لموازنة الدولة السنوية؟ولماذا غياب الشفافية عنها في النظام السابق، والنظام الحالي؟ إذا كان النظام السابق استفاد من الموازنة العامة لنهب المال العام، فلماذا لم تزد الموارد وتخفض النفقات؟ ويستفيد منها الشعب بعد زوال النظام السابق، فهل الوزير لم يستطع أن يمنع هذا النهب؟ أم إنه يعلم ولكنه لا يرغب في منعه؟ سوف نناقش هذه التساؤلات من خلال مراجعة الموازنة العامة لعام 2013م، ومن خلال مناقشة البيان المالي للحكومة المنشور في صحيفة الثورة يوم الأربعاء 26/12/2012م.
أولا: الجديد في الموازنة
لم أجد أي أفكار أو تصورات جديدة عند وزير المالية والطاقم المحيط به يمكن أن يقدمه للمالية العامة، فالسياسة المتبعة في تقدير الإيرادات والنفقات هي نفسها، ولم أجد أي فكرة وتصور من الإصلاحات المالية التي سبق أن ناقشته المعارضة من خلال الندوات والمؤتمرات التي عقدت خلال السنوات الماضية، والتصورات والإصلاحات التي اعتمدت في اللجنة الاقتصادية بلجنة الحوار الوطني.
ثانياً: الموارد العامة
في زيادة الموارد مع الأسف الشديد لم نجد أي أفكار جديدة قدمها الوزير كزيادة الموارد من خلال منع الفساد في المصالح الإيرادية، والتي يقدر حجم الفساد فيها بمئات المليارات، ويلاحظ أن المقدر في الموازنة هو نفس المربوط باستثناء زيادة طفيفة بمعدل نمو طفيف عن المحصلات الفعلية لعام 2010م، وعند النظر في معدلات النمو في السنوات السابقة فإنه لا يوجد اختلاف يذكر يمكن أن يلحظه المحلل، وهذا يوضح عدم وجود أي دور للوزير أو سياسته.
- الإيرادات الضريبية: لم يهتم الوزير بالموارد الضريبية أو يوليها اهتماما رغم أنها تعتبر المنقذ للبلاد من الإفلاس والحد من الاستدانة المتزايدة عاما بعد آخر، وكأنه خاف المواجهة مع التجار والقطاع الخاص، وفضل الاستمرار بنفس سياسة أسلافه بمهادنتهم، مع أنه كان يستطيع أن يجمع أكثر من ستمائة مليار ريال من الإيرادات الضريبية التي يستفيد منها القطاع الخاص والفاسدون في مصلحتي الضرائب والجمارك. كذلك عندما نناقش الموارد من قطاع النفط أو الغاز فإن تقديرات موارد هذا القطاع تراوح مكانها، مع أن الوزارة رفعت أسعار برميل النفط من (55 دولار) إلى (75 دولار)، مع أنه كانت هناك فرصة للوزير لتطبيق ما كان يناقشه عندما كان عضو لجنة النفط في مجلس النواب ورئيس "منظمة برلمانيون ضد الفساد" ويعكس تلك الأفكار في موازنة عام 2013م، وكان يمكن تخفيض نفط الكلفة والذي يلتهم أكثر من مليار وست مائة مليون دولار، يذهب منها مليار ومائتا مليون دولار لجيوب الفاسدين من المسئولين والمقربين من الرئيس السابق. ولكن الوزير فضل المهادنة والتسامح مع الفاسدين وكبار القوم والشركات النفطية الداخلية والخارجية، وكان يمكنه أن يدخل التاريخ عندما يتصدى لهم ويحمي المال العام من النهب، ولكن يبدو أن المنصب يتطلب الهدنة وعدم المواجهة فالبلد غير مستقر، والباب الذي تأتي منه الريح اسكت منه واستريح، خاصة وأن أحد مالكي شركات الخدمات النفطية من كبار القوم والذي يهبر له من المال العام أكثر من ثلاثين مليون دولار مقابل خدمات تافهة يقدمها للشركات الأجنبية أقام الدنيا على موضوع بسيط فما بالك عندما يكون الموضوع حرمانه من هذه الملايين من الدولارات.
وبهذه المهادنة أضاعت الوزارة مبلغا يزيد عن ثلاثمائة مليار ريال كان يجب أن تورد للخزينة العامة. ذلك غير الذي يضيع على الخزينة العامة من عدم تعديل اتفاقية الغاز المسال والتي لو عدلت فسوف ترفد الخزينة بمبلغ يزيد عن أربعمائة مليار ريال. تعتبر إيرادات فائض أرباح مؤسسات وشركات القطاع العام المورد الثالث الذي تعتمد عليه الخزينة العامة، وتقدر الموارد الضائعة من فائض أرباح تلك الشركات والمؤسسات بأكثر من خمسمائة مليار ريال، وهذه المبالغ تنهب من قبل المسئولين ويتم إنفاقها بشكل عبثي وغير مبرر في تلك المؤسسات، وكان المؤمل من الوزير أن يوقف العبث في إنفاق تلك الشركات والمؤسسات، لزيادة موارد الخزينة العامة ومنع الفساد، وذلك بتطبيق أسس علمية حديثة في مراقبة تلك المؤسسات، لكن الوزارة ووزيرها فضل التسامح مع الفاسدين في تلك المؤسسات، ومما يدل على ذلك أن المؤسسة الاقتصادية اليمنية التي كان يستفيد منها الرئيس السابق بحدود ثلاثين مليار ريال سنويا لم تقدم ميزانية صحيحة للوزارة أو للضرائب حتى الآن.
ثالثاً: النفقات العامة
إذا كانت الوزارة بوزيرها الجديد عجزت في جمع الموارد، ومنع الفساد في الموارد بحجة أن هناك مراكز قوى، واستمرار الفساد والفاسدين في مراكزهم، وتفضيل الوزارة الهدنة معهم، فإن الأمل كان يحدونا في تخفيض النفقات واتباع سياسة تقشف، كما أن منع الفساد في النفقات أسهل وبمقدور الوزارة بوزيرها الجديد اتخاذ قرارات سهلة وسريعة لمنع الفساد، لكن ما ظهر في أبواب الموازنة العامة وبنودها لا يدل على وجود رغبة أو نية عند القائمين على الوزارة في عمل ذلك، ولا نعرف هل يرجع ذلك إلى عدم فهم أم عدم رغبة، وأيٍ كان السبب فإن هذا يعد مشكلة لحكومة أتت من أجل محاربة الفساد وحماية المال العام، وفيما يلي نقاش لأبواب النفقات العامة.
لقد صدمت كثيراًَ عندما تتبعت سفريات الوزراء والمسئولين في البلاد الداخلية والخارجية خلال العام وعلى رأسهم وزير المالية الذي ضرب الرقم القياسي في السفريات ولم يسبقه إلى ذلك وزير مالية في السابق، وكان يفترض منه أن يعد سياسة للتقشف ومنع نفقات بدل السفر وغيرها من النفقات ويكون المثل للمسئولين ليستطيع منع ذلك في جميع الوزارات والمؤسسات والوحدات. وقد لوحظ انعدام السياسة المالية التي يمكن الاعتماد عليها في منع الفساد ومنع الإنفاق العشوائي ومنع تبديد الموارد. فالسياسة المالية الآن نفس سياسة النظام السابق بحذافيرها إن لم تكن أكثر ضبابية وتمتاز بعدم الشفافية والمؤسسية، فإذا ناقشنا بنود النفقات باباً باباً فإننا نجد رائحة الفساد تنبعث من مجمل تلك الأبواب والبنود، وكأن الوزارة تقوم بثورة مضادة لتجعل الناس يترحمون على النظام السابق وأيامه السوداء. فمثلاً:
باب الأجور والتعويضات:
ارتفع هذا الباب من موازنة عام 2011م بمقدار 50%، ومع هذا فلم يشعر موظفي الدولة بتحسن مرتباتهم أو استفادة ملموسة من هذه الزيادة، مع أنه كان يسرق من بند الأجور والتعويضات في موازنة عام 2011م وما قبلها ما يزيد عن مائة وخمسين مليار ريال، ومع هذه الزيادة في هذا الباب التي اعتمدها الوزير الجديد وسياسته تجعل الفساد في باب الأجور والتعويضات يتراوح ما بين (250 - 300) مليار ريال، وهذا ما يمكن أن يلاحظه المحلل من حجم الأسماء الوهمية في الجيش والأمن والتربية والتعليم والصحة وغيرها من الوزارات، وإن منع الفساد في هذا لا يحتاج إلا إجراءات بسيطة تناولتها في مقالات سابقة. وأيضا:
باب النفقات على السلع والخدمات
ارتفع هذا الباب عن موازنة عام 2011م بنسبه تزيد عن 35%، وهذا الباب كذلك تظهر عناصر الفساد الإنفاق غير الضروري والترفي جلي وواضح من خلال زيادة النفقات غير الضرورية وغير المهمة التي لا تعود على الاقتصاد بأي فائدة، والتي من خلالها وزيادتها ينمي بعض المسئولين دخلهم في شكل امتيازات وبدلات وكأنها لم تقم ثورة ضد الفساد وتبديد الموارد العامة، ومعالجتها بسيطة تتمثل في الحد في النفقات في هذا الباب ففيها 150 مليار امتيازات للمسئولين.
باب الدعم والمنح
على الرغم من توفير ما يزيد عن ثلاثمائة وخمسين مليار ريال مما كان يسمى دعم المشتقات برفع أسعارها في السوق وضآلة فارق السعر بين التكلفة والسعر الذي يدفعه المواطن والتي لا تزيد عن 20 ريال للتر، فإن رصد مبلغ في هذا الباب بما يزيد عن ثلاثمائة وأربعون مليار ريال، يؤكد أن الفساد في هذا الباب لا يزال مستمرا إن لم يكن أكثر مما كان موجودا في الحكومات السابقة، كما أن رصد مبالغ في هذا البند بما يسمى الرعاية الاجتماعية، والدعم بملغ يزيد عن مائتين وثلاثين مليار ريال يؤكد أن الفساد ارتفع بنسبة 100% في هذا الباب. نفقات الجهات غير المبوبة: وجود هذا البند في حد ذاته يدل على أن الموازنة ليس بها شفافية، وان وزارة المالية لا صلة لها بالثورة حتى الآن. ما يدلل على ما ذهبنا إليه في السياق على أن الموازنة فاسدة، وتبيح للفاسدين أن ينهبوا موارد الدولة والمال العام ما تم رصده للإنفاق الاستثماري في موازنة عام 2013م والذي لا تزيد نسبته عن 15% من إجمالي نفقات الموازنة، وإن بقاء هذه النسبة في نفس مستوى النسب التي كانت سائدة في حكومات ما قبل الثورة يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن ما قام به اليمنيون من ثورة ضد الفساد والفاسدين لم يتحقق بعد، وإن القيام بثورة جديدة على الحكام الجدد شرط أساسي لمحاربة الفساد الذي يعتبر العدو الأول للشعب اليمني في السابق وفي الوقت الحاضر.
وفي النادر كانت معايير النمو الاقتصادي والتنمية تؤخذ بعين الاعتبار بشكل أساسي في تصميم موازنات الحكومة، ويتم في غالب الأحيان تحديد الإنفاق الاستثماري والاجتماعي كبنود متبقية بعد أخذ المطالب الأخرى التي تسمى بالبنود الحتمية بعين الاعتبار، فالزيادة المتواصلة للدين الحكومي إلى المستويات الحرجة الحالية، وبالأخص في السنتين الأخيرتين، قد جعل من تلبية احتياجات الحاكم في الموازنة الأولية الرئيسية للسياسة المالية، وعليه فإن الإنفاق الاستثماري والاجتماعي قد أصبح أقل أهمية من تغطية النفقات التشغيلية، وشراء الولاءات السياسية.
رابعاً: عجز الموازنة
هناك قاعدة اقتصادية ذهبية تستعمل عادة في تقييم عجز الموازنة، وهي أن العجز لا يجب أن يتجاوز قيمة الإنفاق الاستثماري في الموازنة. والمبدأ الذي اعتمدت عليه هذه القاعدة هو أن العجز، عقب حصوله، يجب أن يكون ناتجاً عن تمويل نشاط الاستثمار الإنتاجي عوضاً عن النفقات الجارية أو غيرها من النفقات غير المنتجة. إذن تصح القاعدة عندما يكون العجز يساوي أو أدنى من الإنفاق الاستثماري في الموازنة، عندها يكون من شأن الاستثمار الذي موله العجز أن يعزز إنتاجية الاقتصاد وأن يساعد في المستقبل على تسديد الديون الناتجة عن العجز، وفي المقابل، فإن العجز الذي يتعدى النفقات الاستثمارية في الموازنة -لاسيما إذا تكرر ذلك على سنوات عدة وبمبالغ كبيرة نسبياً- ليس مبرراً اقتصاديا إذ ينتج عنه عبء على الاقتصاد والأجيال القادمة، ولقد قدر عجز الموازنة بمبلغ (638) مليار ريال وبنسبة 23% من الإنفاق العام، ونسبة 31% من الموارد الذاتية مما يدل دلالة واضحة أن التخطيط المالي والرؤية الاقتصادية مفقودة عند المسئولين عن إعداد الموازنة العامة وعلى رأسهم الوزير.
إن الموازنة في مجملها موازنة لا تعبر عن الثورة وأهدافها كونها لم تعكس أهداف الثورة ومضامينها، كما أنها تحمل في ثناياها مكامن الفساد، وتتيح للفاسدين الاستمرار في نهب المال العام دون رقيب أو حسيب، وأن الوزير ليس لديه رؤية واضحة لإصلاح المالية العامة وسوف يقود البلاد إلى الإفلاس وعدم الاستقرار، وإن الثورة قادمة لا محالة.
* أستاذ المحاسبة والمراجعة بكلية التجارة والاقتصاد -جامعة صنعاء


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.