بدأت ال(bbc) فتح نافذة يتحدث فيها العراقيون العاديون عن يومياتهم فكيف تبدو الحياة في العراق من الداخل.. يقول فايز وهو من البصرة عن الحياة في يوم اربعينية الحسين بدت شوارع المدينة شبه خالية، حتى الأسواق فارغة إلا من محل هنا أو هناك كان الجميع في الزيارة الأربعينية «أربعينية استشهاد الإمام الحسين» وكأن البصرة قد ذهبت مع كل أهلها إلى كربلاء هذا اليوم. سوق البصرة القديم، بدا فارغاً جداً، تمنيت لو كانت عندي كاميرا أو كان هناك قدر كبير من التفهم لالتقطت صوراً للسوق بمحاله المتهالكة والبالية، تذكرت وأنا اتجول بين هذه المحال لقطات من فيلم الرسالة الشهير وكيف يصور أسواق مكة في ذلك الوقت، كان الشبه بين تلك المناظر ومناظر سوق البصرة كبيراً جداً. تعد مثل هكذا مناسبات فرصة حسنة لمبتدئي القيادة، مثلي في الاستمتاع بالطريق الفارغ وقيادة سيارتك بكل حرية وكأنك تسبح في نهر كما كان هذا اليوم فرصة جيدة أيضاً لاكتشاف الحجم الهائل من الأوساخ والأزبال التي تملأ أسواق البصرة القديمة. ومع وجود بعض نسمات الهواء فإنها تحمل معها الكثير من الأكياس الفارغة بقايا الخضار والفواكه، وبعض من ريش الدجاج وتجول بها بين محلات السوق القديمة. ويقول ابراهيم الكاتب بغداد 33 عاماً كانت الساعة السابعة صباحاً.. كان علي الإسراع إلى العمل لكني تذكرت حينها ان اليوم هو يوم عطلتي فقررت الذهاب إلى سوق الشورجة والذي مضى وقت طويل جداً دون أن أستمتع بالسير بين أزقته التجارية قررت الذهاب. أخذت معي مبلغاً من المال للتسوق فالفرصة سانحة وأسعار المواد في سوق الشورجة مغرية بالقياس إلى أماكن أخرى.. وصلت إلى السوق وصرت اشتري دون وعي ولا حساب. فوجئت بسرعة تحرك الناس لم أكن أعرف السبب لكن الناس من حولي كانوا لا يمكثون طويلاً في مكان معين.،. ورغم ان الناس كانوا يفاصلون في الأسعار سابقاً وأنا منهم إلا انهم بدأوا يشترون دون مساومة. لم يكن السبب هو ارتفاع قدرتهم الشرائية بل الخوف من حادث عرضي في السوق.. وهذا ما جعلني أحذو حذوهم وأتسوق بسرعة وأتفرج بسرعة ثم أرحل بسرعة. ورغم ان المكان كان هادئاً أو هكذا يبدو إلا أني عندما انتهيت من التسوق سمعت صوت انفجار كبير.. هذا الانفجار جعل السوق المكتظ بالزبائن يبدو خالياً خلال دقائق.. حملت أغراضي وذهبت مسرعآً.. لأجد سيارة أجرة.. لكني نسيت أن شارع الجمهورية الذي يستأجر الزبائن منه سيارات أجرة لنقل الأغراض التي بحوزتهم صار عبارة عن مكان لتجمع اصحاب العربات الذين يوصلونك إلى مسافة 1000 متر ليتسنى لك استئجار سيارة لنقل حاجاتك إلى البيت.. أجور العربات هذه بدت مرتفعة جداً.. وأجر التاكسي الذي أقلني إلى المنزل مع ما اشتريته من السوق بلغت 20% من سعر مااشتريته لذا تفهمت ارتفاع الأسعار في الأسواق القريبة من منزلي. ويقول هاشم الطباطبائي بغداد 56 عاماً كنت بحاجة إلى بعض الصور الخاصة بالهويات لأغراض جواز السفر إلا انني اضطررت ان أراجع المصور الساعة الرابعة عصر الجمعة لأن هناك حظراً للتجوال الى الساعة الثالثة عصراً في أىام الجمعة. وعند ذهابي إلى تلك المنطقة التي عادة ما تعج بالسيارات الكثيرة في مثل هذا الوقت لأن الناس يؤجلون مشاغلهم من الصباح لانجازها بعد فترة الحظر، والشيء غير الطبيعي أنني لم أر سوى سيارات منفردة هنا وهناك وغالبية المحلات التجارية كانت مغلقة إلا بعض محلات المواد الغذائية. عندها علمت بأن السبب هو توجه الجميع إلى كربلاء لإحياء أربعينية الحسين بن علي التي تصادف السبت 1032007م والأغلبية توجهوا إليها سيراً على الأقدام قاطعين مسافة 130 كيلو متراً لإحياء هذه المناسبة وعدت دون أن أكمل عملي لعدم وجود المصور الذي طلبته. وفي اليوم التالي يضيف هشام على بعد عشرين متراً قبل نقطة تفتيش للقوات الأمنية في أحد شوارع بغداد الرئيسة حيث تتجمع السيارات بانتظار دورها للتفتيش قمت مع زميل لي باستطلاع الآراء حول الخطة الأمنية «خطة فرض القانون» مستخدماً جهاز «تسجيل صغير». وكان سؤالي عما إذا كانت تؤثر سلباً على مجريات الأعمال اليومية للمواطن من حيث تأخير الوصول إلى مناطق أعمالهم أو التذمر من كثرة التوقف أو شعور بالانزعاج من تصرفات الجهات الأمنية، وقد شمل الاستطلاع ستين مواطناً ومواطنة. كان يومي متعباً إلا أنني شعرت بالمتعة لأن غالبية المستطلعة آراءهم أبدوا ارتياحهم لأداء الجهات الأمنية في فرض القانون طالما يوفر الأمن لهم ولم يشعروا بالتذمر أو الانزعاج من اجراءات التفتيش لأن تلك الجهات تؤدي واجباتها بمهنية عالية بروح عراقية، وخلال تلك الساعات رأيت الحماس والاندفاع لدى هؤلاء الشباب من القوات الأمنية في أداء الواجب، ودعوت الله أن يحفظهم من كل مكروه. من جانبه يقول فراس الموصلي 42 عاماً استيقظت على أصوات كثيرة في الشارع وعندما استفسرت من البعض عن السبب قالوا بأن هناك سيارة للمنتجات النفطية قد جاءت لتوزع النفط الأبيض «الكيروسين» على سكنة المنطقة كل حسب بطاقته التموينية. هذا النظام هو الذي اعتمد أيام الحصار الاقتصادي في التسعينيات من القرن الماضي لتوزيع المواد الغذائية الأساسية المدعوم سعرها من قبل الدولة على المواطنين. اصطف الناس نساء وأطفالاً وشيوخاً وشباباً في طابور طويل وكل يحمل أوانيه البلاستيكية لاستلام حصته لفصل الشتاء «الذي انتهى» من النفط الأبيض والمقرر بمقدار مائة لتر لكل بطاقة. وبعد أن تم التوزيع لمن حالفه الحظ وكانت لديه القوة ليقف في بداية الطابور وصلت سيارات الشرطة الحكومية. واستبشر الناس خيراً بها ظناً منهم بأنهم سيشرفون على التوزيع بشكل نظامي ولكن سيارات الشرطة هذه كانت محملة بالبراميل «خزانات كبيرة» ونزل أحد الضباط الملثمين و«هذه عادة معظم أفراد الشرطة فإنهم يغطون وجوههم حتى لا يتعرف عليهم أحد للضرورات الأمنية».، وقال الضابط نريد حصة السيد المحافظ من النفط وحصة أعضاء مجلس المحافظة والمسئولين وضباط الشرطة كذلك، وساد صمت وسكون للمكان حيث لايستطيع أحد أن يعترض وإلا تعرض للاعتقال والتهمة جاهزة «الإرهاب». أخذ الضابط بتعبئة حصص من ذكرهم واستدارت سياراته عائدة من حيث أتت وكذلك الناس الذين كانوا متجمهرين لأنه لم يتبق شيء من حصتهم من النفط الأبيض فقد نفذت الكمية كلها. وعن حياته في اليوم التالي يقول: اتصلت بي إحدى قريباتي التي تعمل صحفية لعدة وسائل إعلامية وقالت بأنها قد وجدت إحدى قصاصات الورق قد رميت من تحت باب بيتهم تحمل تهديداً لها بالكف عن العمل الصحفي وان هذا هو الإنذار الأخير وإلا فإنه قد أعذر من أنذر. ذهبت إليها لأرى ما الذي يمكن عمله قرأت الورقة وتبين بأن الذي كتبها لا يجيد اللغة العربية كتابة بشكل جيد لكثرة الأخطاء الإملائية فيها وتحويل الآية القرآنية التي استهل بها تهديده إلى حديث نبوي وغيرها من الأخطاء. نصحت قريبتي بالاتصال بالأجهزة الأمنية من شرطة وجيش حكومي ولكن والدتها رفضت بشدة كحال مثل كل من يتعرض لهكذا حالة في هذه الأيام لعدم وجود ثقة بالأجهزة الأمنية وبأنها قادرة على وقف أي اعتداء بل على العكس فإنها عاجزة عن حماية نفسها ولكونها مخترقة من قبل الجماعات المسلحة. فكان القرار بضرورة سفرها إلى خارج العراق لعدة أيام وخاصة بأنها ستشارك بمؤتمر في سوريا وبانتظار ماسينجلي عنه الموقف هل سيتبع هذا التهديد تهديد ثان ومامدى جدية هذا التهديد.