كتب لي أحدهم وهو صديق لي يسألني: كيف هي الأحوال اليوم؟وقد مضت أعوام عدة على اغترابه في طلب العلم،كان هذا السؤال هو ختام رسالة طويلة كتبها وقلبه يقطر عشقاً وشوقاً لهذه الأرض.. والحقيقة أنني ماكنت أحسب أن سؤاله هذا سيأخذ مني كل تلك المساحة من التفكير قبل أن أرد عليه بما يضمن صدق القول فلا أزرع له الأرض وروداً كلها أو أشواكاً كلها،من أجل الحقيقة والإنصاف بعيداً عن تأثيرات اللحظة التي قد تؤثر على الحقيقة بصورة أو بأخرى بحسب الظرف النفسي لتلك اللحظة. والحقيقة أنه قد يسهل على الإنسان أن يكتب تحت تأثيرات اللحظة التي يعيشها الكثير ،لكن في الختام أين هي الحقيقة من الواقع فيما كتب؟وهذا هو المهم في الأقوال والأفعال والكتابة.. و بوجود المؤثرات أو غيابها فإن قراءة الناس لواقع الحال تختلف من إنسان لآخر،وفي كل الأحوال يجب أن يكون الإنصاف حاضراً في كل لحظة. فكرت كثيراً في السؤال حتى لا أرسم صورة لاوجود لها،وللأمانة أن سبب حيرتي وطول تفكيري في الجواب يرجع في الأساس لتقلبات الأحوال التي يسأل عنها،وتقلبات الأجواء المصاحبة لها غير أن الجواب بأن الأحوال متقلبة يحتاج لكثير من الشرح والتفصيل وضرب الأمثلة وقد يُفضي الأمر إلى التناقض واظهار صورة غير صافية.. وهذا ما لايريده من كان مثله في غربة لأنه يريد أن يسمع الأخبار التي تسر وإن أظهر استعداده لكل الأخبار خيرها وشرها. عموماً:اهتديت في نهاية المطاف إلى جواب لاأدري أين سمعته أو قرأته من قبل؟ المهم أن هذا الجواب ليس من بنات افكاري فقلت له إن الأحوال كما تريد أن تراها أنت.. إن خيراً فخير،وإن شراً فشر وهذا الجواب تستطيع أن تقرأه من نواح عدة ،فهو يعني أن الخير موجود كما هو الشر موجود، ومن ناحية أخرى ،من أراد أن ينظر للأمور على أنها خير فهي كذلك ،ومن أراد أن ينظر لها كشرٍ فهي كذلك.. والعتب على البصر والبصيرة في حال الخطأ. مايهم بعد هذا كله أن تصح القراءة ويصدق النظر فلا يدعي أحدنا أن الأمور كلها بيضاء والخير من كل جانب،وأن الحياة كلها أفراح ومسرات وأعياد وليس هناك ما يعكر صفو ابتسامة،ولافقر ولا جوع ولامرض وقد تم التغلب على كل ذلك،ولم تعد تُذكر إلا على سبيل المزايدة والنكران والجحود،وفي مقابل هذا لاينبغي أن تُصوّر الأوضاع كلها على أنها سوداء مظلمة وأن البلاد على حافة الهاوية إن لم تكن قد سقطت فيها فعلاً،وأن شريعة الغاب هي السائدة ولاشيء يبعث على الأمل والتفاؤل والأوضاع سيئة للغاية والمساوئ كلها حاضرة...هنا في الصورتين تكون الحقيقة غائبة ولايمكن أن يكون الجواب بصورة واحدة مطلقة ،وكلٌ ينظر لما يريد وكما يريد!!