المعلم.. إنسان احتار في وصفه الشعراء، وقدّست رسالته الأديان، وبهمّته واجتهاده وتربيته للأجيال تغيرت الأحوال في بقاع الدنيا وتحققت للدول الآمال، وازدهرت بما قدمه البلدان، وأصبح المعلم هو الميزان في تحديد وقياس تخلف وتطور الأوطان.. وأيما شعب نجح في تأسيس وتدريب وتأهيل وتطوير كوادر تعليمية تؤمن برسالتها الهامة في إحداث التغيير الراقي في حياة الأجيال فإن ذلك الشعب قد استطاع تحقيق الرخاء والازدهار والتقدم المنشود، وهذا نجد نماذجه واقعاً وحقيقة في دول آسيوية كاليابان والصين وماليزيا ونظائرها من نمور آسيا.. ونجدها في أفريقيا وأمريكا واستراليا، وهذه الدول جميعها آمنت أن حياتها الحقيقية هي التعليم وبالتعليم، والمعلم هو الركيزة الأساسية لإنجاز كل الطموحات وتحويل المستحيل إلى مستطاع، فأكرموا وقدروا المعلم الإنسان الذي يختزل بداخله رسالة الأنبياء ديناً وأخلاقاً.. ويختزل بداخله القدرة على صنع الحضارات؛ وذلك لأن المعلم الصالح الكفء يحمل بذور البقاء والرقي والتنمية في كل نواحي حياتنا الإنسانية.. فهو أب الحضارات القديمة، ورب الحضارات الحاضرة والمستقبلية، ولهذا فقد أقرت شعوب العالم له بالفضل، واعترفت له بالتقدير والاحترام، فكان يوم (28) ابريل من كل عام يوماً سنوياً لتكريم المعلم. بلادنا احتفلت بيوم المعلم، وكرمت وزارة التربية والتعليم ومكاتبها في جميع محافظات الجمهورية العديد من المعلمين الذين تم اختيارهم ليكونوا مكرمين في «يوم المعلم» 28 ابريل الذي يحلو للمسؤولين تسميته بيوم الوفاء والعرفان. وبقدر ما يعتبر هذا التكريم تقليداً رائعاً باعتباره احتفاءً بشريحة من شرائح المجتمع تصنع المستقبل وتنشئ الأجيال وتبني الأوطان، بقدر ما هو بحاجة إلى إعادة نظر في المعايير والمقاييس لاختيار المكرمين الذين هم أحق بمثل هذا الاحتفاء خاصة إذا علمنا أن هناك مبالغ مالية مرصودة لمن يتم تكريمهم؛ وهو ما دفع الثلاثي «المحسوبية، والمحاباة، والظلم» إلى التسلل سراً وأحياناً جهاراً نهاراً بحيث يعمل قادة هذا الثلاثي إلى تدمير العملية برمتها؛ فيتم تفريغها من معانيها السامية وأهدافها العظيمة التي ترمي إلى تحفيز المعلمين جميعاً للتنافس للفوز بهذا التكريم وتقديم جهودهم بإخلاص مادام هناك ثواب وعقاب وتقدير واحترام لأدائهم. لكن المسألة فيما يخص عملية التكريم والآلية والمعايير لاختيار المكرمين يشوبها بعض التزييف والتبديل؛ وهو ما يؤدي إلى ارتفاع منسوب التذمر لدى بعض المعلمين المجتهدين الذين يجدون أنفسهم خارج الحسبة ويتندرون بأن هذا اليوم يمكن أن يكون أحياناً أو معظم الأحيان يوم تجريم المعلم وليس تكريمه.. ومنهم من يعده «كذبة ابريل» حتى إنني سمعت أحدهم يقول لي مستفهماً: يوم المعلم لم يُكرَّم أحدٌ.. فليغيروا اسمه يوم "تكريم الإدارات وآل الإدارات"..!!. يحق للإداريين والتربويين أن يكرموا وينالوا وافر الرعاية والتقدير، إنما ليس على حساب السواد الأعظم من المعلمين في ميادين العلم ومناهل المعرفة.. بل إن العديدين من التربويين ومديري ومديرات المدارس الذين أعرفهم في الميدان نجحوا في أعمالهم لكن تم تهميشهم، مع أني أدرك أنهم يسبقوننا بعشر سنوات في هذا المضمار وابتلعتهم السنوات والتقييمات الظالمة، فمنهم من بلغ التقاعد ومنهم من ينتظر صامداً صابراً. وحتى لا يندرج الاحتفال بيوم المعلم ضمن أوزان ومعاني قصيدة «أغنية من خشب» للشاعر/عبدالله البردوني رحمه الله وكي تُترجم الأهداف الحقيقية لاحتفائنا بيوم المعلم، وينال التكريم أصحابه الذين أحسنوا وتفانوا في أداء رسالتهم، سواء أكانوا معلمين أم إداريين؛ فإنه لابد من التخلص من الآليات والوسائل التقليدية التي مازالت مسيطرة على الإجراءات المتبعة في القياس، التي تتصف بطغيان المعايير «النفعية» مما ينجم عنه تبعات سلبية يحرم كل عام الكثير من المعلمين والإداريين ممن وصلوا إلى درجة الاستحقاق في الميدان.. فيما تقفز أسماء بعض "المُرضى" عنهم من هذه الإدارة أو تلك إلى صدارة كشوفات المكرمين، فيصادرون حقوق الجديرين بالاحترام، ويعمدون إلى إعاقة وتشويه جهود الوزارة التعليمية الجادة، باتجاه تحسين المستوى المعيشي والمهني للمعلمين وتحفيزهم على العطاء في الميادين التربوية، وتحقيق التطوير المنشود، وتجويد المخرجات التعليمية.