سأبدأ مقالي هذا بمقطع من قصيدة نزار قباني الشهيرة ((هوامش على دفتر النكسة)) التي يقول فيها : إذا خسرنا الحرب لاغرابة لاننا ندخلها.. بكل مايملك الشرقيُّ من مواهب الخطابه بالعنتريات التي ماقتلت ذبابه لأننا ندخلها.. بمنطق الطبلة والربابه السرُّ في مأساتنا صراخنا أضخم من أصواتنا وسيفنا أطول من قاماتنا سأبدأ مقالي هذا بمقطع من قصيدة نزار قباني الشهيرة ((هوامش على دفتر النكسة)) التي يقول فيها : إذا خسرنا الحرب لاغرابة لاننا ندخلها.. بكل مايملك الشرقيُّ من مواهب الخطابه بالعنتريات التي ماقتلت ذبابه لأننا ندخلها.. بمنطق الطبلة والربابه السرُّ في مأساتنا صراخنا أضخم من أصواتنا وسيفنا أطول من قاماتنا سأبدأ مقالي هذا بمقطع من قصيدة نزار قباني الشهيرة ((هوامش على دفتر النكسة)) التي يقول فيها : إذا خسرنا الحرب لاغرابة لاننا ندخلها.. بكل مايملك الشرقيُّ من مواهب الخطابه بالعنتريات التي ماقتلت ذبابه لأننا ندخلها.. بمنطق الطبلة والربابه السرُّ في مأساتنا صراخنا أضخم من أصواتنا وسيفنا أطول من قاماتنا لم يكن نزار قباني قاسياً على الذات، بل كان يدفعنا للاعتراف بالحقيقة، فالعربي دائما يسمى الأشياء بغير أسمائها، فالهزيمة تصبح نكسة وبذلك كنا نمارس نوعاً من الوعي المزيف، وهو وعي كان يعفي قادتنا من المسئولية وسمح للعقليات المغامرة والمكابرة أن تجلب لنا المزيد من الكوارث ومنذ 5 يونيو وحتى يومنا هذا ونحن نتجرع الهزائم ولكننا نصرخ بأعلى أصواتنا لقد انتصرنا، انتصرنا في حربنا مع إيران فسقطت العراق مضرجة بدمائها ممزقة إلى شيعة واكراد وسنة، وإيران أصبحت اليوم من الدول التي يؤخذ رأيها في القضايا الإقليمية والدولية، ومع ذلك فقد انتصرنا عليها انتصرنا في أم المعارك وفي عماتها وخالاتها وجعلنا الجيش الأمريكي يطأ بقدمه أرض العراق ومع ذلك فنحن الذين انتصرنا. فنحن كما قال الشاعر العربي : لنا الصدارة دون العالمين أو القبر لا أستطيع وضع يدي على أسباب الهزيمة في 67 ولكنني سوف اكتفي بملاحظة أن السبب القاطع لم يكن قوة إسرائىل العسكرية، وإنما التناقضات الداخلية للنظام العربي. وإذا كانت الهزيمة قد جاءت مفاجأة، فإن الآثار لم تكن كذلك. فكان طبيعياً السير نحو «الإسلام هو الحل» وكان طبيعيا ايضا انبعاث الحركات الإسلامية والحمية الدينية... إن هزيمة 67 هي المقدمة الحقيقية لمايجري بين حركة حماس وحركة فتح، ولمايجري بين الجيش اللبناني وحركة فتح الإسلام، وكذلك لمايجري في العراق والسودان وربما قريباً في سوريا. إن مشكلتنا تكمن في أننا دائماً نقدم الأيديولوجيا على الحقيقة، بل ونلوي أعناق الحقائق في سبيل «تأكيد » أيديولوجيا الهزيمة المزمنة ! إننا بحاجة اليوم إلى طرح الاسئلة الضرورية والجوهرية بشأن أسس حياتنا، ولنبدأ بطرح الأسئلة الكبرى والضرورية.. لنبدأ بطرح الأسئلة ونسمح بها ولانخشاها.. ولكي نطرح أسئلة حرة، فإننا نحتاج إلى حرية الرأي، وسعة الصدر، ومرونة الفكر، والرغبة في الحوار، واحترام الرأي الآخر. ولكي نتجاوز هذه الهزيمة لابد من التحرر من الوسطاء والأوصياء فالدين لايفسر بالمذهب، لكنه يفسر برؤية الإنسان الجديد المعاصر واحتياجاته. إن هزيمة 67 كانت نتاج ال«مركزية الديمقراطية» الناصرية، ولقد كان ذلك انحداراً لفكرة فلسفية قابلة للمناقشة استخدمت من أجل إسقاط المعارضين.. لم يكن الشعب، ولا الطبقة العمالية، ولا الحزب في ذلك الوقت، يجسدون الإرادة العامة وإنما مجلس الثورة. لقد عاصر الجيل الذي سبقنا، بمزيج من الإعجاب والعجز، الميلاد المندفع للأسطورة الثورية، ثم تيبس المذهب بعد تحوله إلى كتاب عقائدي، وهيمنة النظام وجموده حتى اضمحلاله أخيراً. إن الثورة العربية التي أنتجت هزيمة 67 قسمتنا إلى قسمين، غني والآخر فقير بل معدم. ومن يومها وداخل كل مجتمع يتكرر عدم المساواة وفي كل فرد يظهر الانشقاق النفسي. إننا منفصلون عن الآخرين، وعن أنفسنا ذاتها، عبر أسوار غير مرئية من الأنانية، والخوف واللامبالاة. إننا مازلنا قابعين في مواقعنا، ما إن نخطو خطوة واحدة إلى الأمام إلا ونتبعها بخطوتين أو ثلاث إلى الوراء إلا أننا بعد أربعين عاماً نجد أن التاريخ قد لفظنا فالسقوط متكرر ولولا محاربتنا لحرية التعبير والتفكير بصوت عال لجرت الأمور بشكل مختلف.. لقد أنجب عبدالناصر تلامذة له في كثير من الدول العربية انشأوا منهجاً عربيا في الحكم، قام على الاستبداد بالسلطة ومنع المشاركة في اتخاذ القرار واستبعاد الكفاءات ومنع التعدد وإحلاله بكتلة صماء يختلط فيها الجميع دون تمييز لملامحهم الطبقية والمجتمعية، مماجعل كل طرف يبحث عن مصلحته دون قانون يحكم العلاقات بين فصائل وطبقات المجتمع. كل ذلك جعل المجتمعات العربية تعيش حالة من التخبط الاجتماعي والاستبداد السياسي، لقد رحل كل الرموز رحلوا وتركوا المجتمع العربي دون نخب فكرية ثقافية تقوده. لقد عمل هؤلاء الزعماء اصحاب الانتصارات الوهمية في إطار سلطة لاتنتج شيئاً وسلعتها غير قابلة للطرح في الأسواق، لأن جمهورها هم قلة من الانتهازيين والانتفاعيين الذين يتقاضون أجرهم من التوزيع التعسفي للأجور ومن أمن السلطة. فأفعالهم هذه تلزمنا بالاستغفار لليبرالية طيب الله ثراها وأسكنها فسيح جناته. فالقوميون لم يمزقوا بلدانهم فحسب، بل فككوا البروليتاريا، ولم يبق من بعدهم سوى البيروقراطية التي تعرف واجباتها الدينية قبل كل شيء ! إن الفكر القومي الذي بشرونا به كان انعزالياً، وكان شعاره «لاصوت يعلو على صوت المعركة» إنه فكر يكره الغرباء والتنوع لهذا استبعد المثقفين واحتضن أصحاب النزوات والرغبات المكبوتة... لم يستفد القوميون من منهج التجربة والخطأ درساً، فأخطاؤهم لايحاسبون عليها. لم يكتب أي منهم تقريراً عن هزيمة 1956 أو 1967 أو احتلال الكويت أو فضيحة نصر الله. إنهم يشتركون كلهم في الهزيمة، والنتائج كفيلة بوجوب نفي المقدمة: إن القومية لم تورث لنا سوى فكرة الزعيم الأسطورة، الملهم المعجزة والضرورة وبالمقابل الحكم بالدين مرتبط بالنبوة أو الخليفة أو الإمامة. إننا نعاني من اصطفائية تقوم على زعامات تفوق قدراتنا كبشر عاديين، فبذهابهم تذهب الفكرة وتقوم الحروب والخلافات أليس الخلل يكمن الآن في بنية القومية القائمة على الوحدة بالعسف ؟ إن الزعامات القومية خاضت مواجهة مع القوى الخارجية وهي رعاية إلا من قلة قليلة من أصحاب المصالح الضيقة الذين يستلهمون مطالب الشعب ويختزلونها بمطالبهم هم. ولانستغرب اليوم الارتباط الحميمي بين القوميين وبين الإسلام السياسي وهذا الارتباط لايقف حائلاً وحسب أمام الإصلاح الاجتماعي والسياسي بل يعيد العجلة إلى الخلف ويوسع من دائرة التخلف. لقد أصبح الوطن العربي بفضل هؤلاء أشبه بكيان أخوة بلاقشرة تحميه من الفيروسات والهوام التي تهاجمه، مايتيح أيضا لتلك الكائنات المتطرفة أن تتسلل إلى داخله، تقتات على مكوناته وأحشائه، فتنمو ويشتد عودها، حتى تفجّره من الداخل، وتنطلق منه لتعيش فساداً في سائر أنحاء الأرض.