ما عجزت عنه دوائر السياسة العراقية في زمن الاحتلال جاء به أسود الرافدين في ظرف 93 دقيقة بعد فوزهم بكأس أمم آسيا، ليؤكدوا أن صناع السياسة وحدهم من يعكر سلام العراقيين وينغّص حياتهم. في صنعاء جاء المشهد الاحتفالي بمعجزة، وأسقطت الكرة حسابات السياسة، وتجار الشتات العراقي.. فقد كان هناك عراقيون يهرولون بأعلام بلادهم في شوارع صنعاء ويهتفون لعزة الوطن، والنصر للعراق، ولبغداد الأبية.. كان هناك من يهتف بلعن الإرهاب، والمذهبية، والاحتلال!. ثمة نساء توشحن بالأعلام العراقية وأغرقن الشوارع بالزغاريد.. ثمة من رفع التكبيرات، وثمة من رفع علم العراق، وثمة من رفع صورة الرئيس الراحل/صدام.. وكل يهتف بما جال في رأسه، لكن أيضاً كانت عيون جميع العراقيين تذرف الدموع ربما لأنها فرحة في الزمن الأمريكي، وفي عصر الإرهاب!! العراقيون نسوا أمس أنهم سنة أم شيعة! هل هم من أنصار النظام السابق أم معارضيه.. وهل هم من الشمال أم الوسط أم الجنوب..؟ فكل ما تذكروه هو أنهم عراقيون ممن عرفهم العالم بقدراتهم الهائلة على الإنجاز والبناء والتفوق على غيرهم من الشعوب، ومن حقهم أن يعيشوا حياتهم مرفوعي الرؤوس، وليسوا منكسيها تحت فوهات بنادق الاحتلال والإرهاب، أو صفقات تجار الفنادق اللندنية الذين دخلوا العراق على ظهور الدبابات الأمريكية ليبشروا بعهود المجازر والمفخخات والسجون!! الكرة جمعت العراقيين، ولمت شملهم بالأفراح ليس لأنها ذات قدرات سحرية كامنة، بل لأنها لم تكن تحمل بطاقة انتماء حزبية، ولأنها لم تأت في ركب الميليشيات، والكتائب الإرهابية، ولأن ملاعبها تحت ضوء الشمس وليست في دهاليز الدوائر السياسية التي تبرم فيها صفقات بيع وشراء العراق، والمتاجرة بدماء أبنائه وبأعراض نسائه، وبالشعارات الزائفة.. لذلك توحد الجميع حول ملاعبها، ولعن الجميع الاحتلال والتبعية، والخيانة، والإرهاب من غير اكتراث لأحد أو لشيء.. لذلك كان اليمنيون يلتحمون بصفوفهم، ويهتفون معهم، ويفرحون لفرحهم، ويبكون مثلهم على العراق المباح، ومصير أبنائه المجهول!! لقد أمضيت ليلتي أفكر وأتساءل: ياتُرى هل من سبيل آخر غير الكرة يتوحد فيه العراقيون أم أننا سنضطر لانتظار بطولة كروية جديدة لنتلذذ بنفس الإحساس الذي عشناه عقب فوز العراق ببطولة كأس أمم آسيا؟! كانت كل الحسابات معقدة للغاية، إلا أن قناعتي الخاصة استقرت على أمرين: أولهما أن ينسى العراقيون كل ما مضى ويفتحون صفحة جديدة لا فضل لأحد فيها على سواه إلا عمله الصالح وانتماؤه الخالص للعراق ولتراثه الحضاري.. أما الأمر الثاني هو أن تصبح مقاومة الاحتلال «المسلحة» هي محور ارتكاز الوحدة العراقية لمختلف القوى الوطنية سواء كانت منتمية إلى جهة حزبية أم مستقلة.. فالمقاومة هي التي ستنقل الضغائن ونزعات الانتقام من ساحات بعضنا البعض إلى خصم واحد هو الاحتلال، وكل من يقف في صفه.. فكل الشواهد تؤكد أن الاحتلال هو وراء القاعدة وكل التنظيمات الإرهابية في العراق، وهو وراء إذكاء الفتن !! العراقيون شعب متحضر وعريق، وفيهم من الكوادر المؤهلة ما بوسعهم إعادة بناء الوطن العربي كاملاً، وهم ليسوا بحاجة إلى وصاية أمريكية لتتدبر شئونهم، كما يروج بعض السياسيين.. وأتمنى من جميع العراقيين في اليمن التفكير بالخيارين السابقين، والسعي للتلاحم ولم الشمل على أساسهما، على الأقل لنحمي أبناءنا ونحافظ على هويتهم الوطنية.. فالكل متربص بهم شراً، وهم بأمس الحاجة إلى ثقافتنا الوطنية