دعيت أنا ومجموعة من أساتذة الجامعة لإلقاء محاضرات في المراكز الصيفية في مأرب. تحركنا من صنعاء وثقب الأوزون يسمح للأشعة فوق البنفسجية أن تتسلل فوق رؤوسنا وعقولنا. كان الدكتور بكيل الولص قد أعد نفسه للحديث عن الثورة وما أنجزته.. بينما الدكتور عبدالله النجار كان ينوي الحديث عن الوحدة والأخطار التي تحيط بها، وعند وصولنا إلى مأرب لم نجد أحداً حاولنا الاتصال بمدير مكتب الشباب والرياضة هناك واستفسرناه كيف يمكن الوصول إلى المراكز وأين سنقيم؟ أجاب بأنه لايملك شيئاً وليس مرصوداً لمثل هذه المراكز أية ميزانية. أصابتنا العجمة وتبادلنا النظرات ونحن نقول لبعضنا البعض: كيف ذلك ووسائل الإعلام أغرقتنا بحملات مثيرة بداعي فيها تحصين الشباب من التطرف، ومعالي وزير الشباب والرياضة يظهر علينا كل ليلة في التلفزيون وهو لابس قبعته ليؤكد أن هذه المراكز موجودة على أرض الواقع وليست وهماً ومع كل خطبة بلاغية تغيب الحمية الوطنية وتتقلص المراكز إلى لا شيء. كان الله في عون الوطن إننا بحاجة إلى معسكرات صيفية حقيقية تهدف إلى التواصل بين الشباب من مختلف المحافظات وخلق ثقافة التسامح لديهم وتعليمهم مدى الحاجة إلى هذا التسامح ويعملون على ترسيخ قيمه في قلوبهم وعقولهم. إن مثل هذه المعسكرات تحتاج إلى تخطيط حتى تتاح الفرصة للشباب لإظهار طاقاتهم الكامنة للتغيير للأفضل ولتبادل الأفكار وتعظيم قدراتهم نحو خدمة الوطن. ولست أدري كيف يستطيع هؤلاء أن يسرقوا خزانة الدولة بدم بارد باسم شريحة من أهم الشرائح، فهي قائدة المستقبل وأداة تغيير المجتمع فضلاً عن كونها بالطبع المفتاح نحو مستقبل أكثر إشراقاً. كان من المفترض أن يبتعد المنظمون لهذه المراكز عن الأنماط التقليدية وأن يتجاوزوا الخطابة والعبارات الرنانة، وأن يتعاملوا مع الشباب بوصفهم شركاء معهم على قدم المساواة في المهام المناطة بالمستقبل وبالأنشطة التي ينبغي أن يتمكنوا من إنجازها بنجاح. إننا بحاجة إلى مراكز ومعسكرات نتعرف من خلالها على طرح الشباب تجاربهم وأفكارهم ومناقشاتهم واحتياجاتهم وطموحاتهم ولانحتاج إلى مراكز وهمية لا وجود لها إلا في مخيلة الناهبين المال العام، فإلى متى يظل هؤلاء يبيعون الوطن مقابل الحصول على المال؟ ألسنا معنيين جميعاً بفتح الأبواب أمام طلائع اليمن الجديد ليتبوأوا مراكز مرموقة في مختلف مجالات الحياة؟ إن الشباب يعيشون في اللحظة الراهنة مرحلة فراغ أيديولوجي كما يعانون أزمة قيادات فكرية قادرة على وضع حلول عملية، ممايجعلهم يرتمون في أحضان الحركات المتطرفة التي أصبحت مصدراً ومبرراً للتعصب والتطرف والعنف وهانحن نشاهد ماجرى للبلدان التي من حولنا نتيجة لتلك الممارسات الخاطئة والتي كانت تقدم معلومات كاذبة مجافية للواقع. وإذا كانت اليمن لاتزال تحتفظ باستقرارها في منطقة تفككها النزاعات الداخلية التي تقدم الذرائع للتدخل الخارجي فلأن الرئيس علي عبدالله صالح مازال بحكمته يشكل صمام أمان لكن تعزيز الوحدة الوطنية صار رهناً بدمج كل أبناء الوطن في مختلف المجالات فلماذا لايكون ابن حضرموت في المعسكر الصيفي في مأرب ؟ ولماذا لايكون ابن مأرب في المعسكر الصيفي في عدن؟ ولماذا لايأتي أبناء عدن للدراسة في جامعة صنعاء أو تعز أو الحديدة وبالمثل أبناء هذه المناطق يدرسون في جامعة عدنوحضرموت وفق تنسيق مركزي يستوعب النسب المطلوبة في التخصصات كماهو حاصل في البلدان الأخرى وأن ذلك كفيل في بناء دولة المواطنة. وقطع الطريق على كل الفاسدين الذين يتاجرون بقضايا الوطن. إننا أمام فساد منفلت. وصار الفساد يسرق نفسه بخطابات بلاغية تتعامل مع قضايا الوطن بالكيلو جرام، وصار البحث عن المصلحة الفردية قاعدة أساسية لدى كثيرين ممن هم في موقع المسئولية لذا وحب الالتفات قبل فوات الأوان وانفلات الفوضى. نحن بحاجة إلى مؤسسات أكثر كفاءة وخاضعة للمسئولية والمحاسبة من قبل الدولة من ناحية ومن قبل السوق من ناحية أخرى فحزب العدالة والتنمية في تركيا لم يفز بالانتخابات الأخيرة لأنه تحدث كثيراً عن الوحدة الوطنية وإنما لأنه طبق قواعد اقتصاد السوق في تركيا وفقاً للمستويات الاقتصادية الغربية، وحقق معدلات للنمو الاقتصادي وصلت إلى 7% ولأنه جعل معدلات الفساد أقل مماعرفتها تركيا في أي وقت من الأوقات، فهل يمكن أن نفعل ذلك في اليمن ويكون لدينا القدرة والإرادة لاتخاذ هذه الخطوات أم أننا سوف نستمر في حل مشاكلنا بخطابات الوزراء التي تضّيع من خزينة الدولة المليارات ؟!. ليتنا نتوقف عن المتاجرة والمزايدة ببعض قضايانا باستخدام خطابات بلاغية لا صلة لها بواقعنا المعاش ولاتحقق شيئاً مفيداً لعامة الناس ليتنا نلتزم بالموضوعية ونتخلى عن المصالح الذاتية والشعارات الجوفاء عند تناول أي قرار أو تصرف. ليتنا نراجع فكرة المراكز الصيفية ونحاسب الذين يكذبون على القيادة السياسية والوطن. وأخيراً لست أدري لماذا تعاني اليمن هذه المعاناة رغم كل مالديها من مقومات صنعها تراكم التاريخ وعبقرية الجغرافيا. هناك شيء ما أصاب العقل اليمني فلم يعد معنياً بوطنه ولا بمستقبله فما عاد اليمني يمتلك صبر أجداده الذين بنوا السدود ولا حتى الذين شيدوا المدرجات. فهم يستعجلون النتائج ويجهضون التجارب ولايحترمون القانون فنحن نستغرق أنفسنا في مسائل جانبية على حساب القضايا الكبرى، ونقول مالا نفعل ونفعل مالا نقول، وهذه مأساتنا في اليمن.