طُلِبَ إلى صديقٍ لي تعبئة بيانات استبيان متعلق بتنظيم النسل والصحة الإنجابية .. وقد سجل آراء له حول بعض استفسارات المتقدم بالاستبيان لنيل رسالة ماجستير في الصحة الأسرية وتنظيم النسل ومنها : هل تنظم النسل ؟ نعم أو لا . وإذا كانت الإجابة ب«نعم» فكم طفلاً لديك ؟ وإن كانت الإجابة ب«لا» فلماذا؟ صديقي كان من مناصري حرية النسل ، وتشكيل عائلة ذات شجرة وأغصان وجذور بنين وبنات فأجاب ب«لا» ثم أوضح بأنه يريد «درزن جهال» لأنه يؤمن كثيراً بالحكمة الشعبية « من خلَّف ما مات» وأنه كلما كان جيش نسله عرمرماً هابه الناس ووضعوا له ألف حساب!! صاحبنا المسكين تحوَّل إلى منجب عام ومن حينها وهو يقول عن نفسه بأنه «منكوب عام» بعد حصوله على مراده «12» ابناً وبنتاً «كل رأس ينطح أخوه» ولم يتوقف أو ينظم النسل إلا عندما مرضت عليه زوجته حتى «باع ما تحته وما فوقه» لينقذها من براثن الموت مع كل ولادة.. فأعلن إيمانه بضرورة المباعدة بين الولادات ، لكنه لم يقتنع بإيقاف نسله إلا عندما رأى الأطباء سرعة استئصال رحم الزوجة التي استعادت صحتها .. وتنفس جيب زوجها الصعداء... أبو«الدرزن» العيال هذا ، أمثاله في المجتمع اليمني كثيرون ، فثقافة الإنجاب لديهم تعتمد على فهمٍ قاصرٍ ومبتسر لأحاديث نبوية وردت في هذا الخصوص، حيث سمعوها أو قرأوها فتأولوا معانيها بحسب رؤيتهم ، ونظرتهم إلى الحياة الأسرية ، ورغبتهم في أن يكونوا ممن ينجبون الأبناء أو البنات ، ظناً منهم بأن الرجل لا يشعر بوجوده الإنساني، ولا يمكن أن يخلَّد اسمه إلا من خلال غزارة نسله، وكثرة أحفاده !! التشوّه والتحريف الذي جرى لحديث «تناكحوا تناسلوا فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة» أسهم كثيراً في رفض فكرة التنظيم وعملية المباعدة بين الولادات .. كما أن ضعف الوعي لديهم الزوج والزوجة بالصحة الإنجابية قد ضاعف من الاهتمام أو الالتزام بالتعليمات الطبية فيما يتعلق بأمر الإنجاب وتنظيمه ؛بكونه في معتقد أصحاب التكاثر يتصادم مع التوجيهات النبوية. وفي ظل غياب دور العلماء والثقافة والتربية عن أهمية تنظيم الأسرة بما يناسب ظروف الزوجين الصحية والاجتماعية والاقتصادية وذلك في نطاق المسؤولية نحو أولادهما وأنفسهما. وفي وجود تراخ من الجهات المسئولة والجمعيات المتخصصة فإن استمرار سيطرة مفهوم الرجولة النمطي والتقليدي المكتسب من ثقافة «الرجل أولاً وأخيراً » وهو ما يسهم إلى حدٍ كبير في تنامي الأمراض ووفرة في الولادات غير الصحية وارتفاع معدل الوفيات في الولادة لتتابعها بدون رعاية صحية صحيحة .. وإنجاب أولاد يفتقدون الكثير من مميزات نظائرهم ممن يولدون متباعدين وبرعاية صحية.. وهكذا فإن وظيفة المنجب العام تؤول بصاحبها إلى منكوب عام وسيغرق والله يرحمه مسبقاً ...«الفاتحة»